IMLebanon

الديون وضعف المهنية وتكدس العمالة أخطر الأزمات على مصر

EgyptEconomy
تدهورت احوال المؤسسات الصحفية القومية بصورة تفرض علي الدولة سرعة التدخل لانتشالها من وسط الديون التي تغرق فيها وتدهور مستواها الفني الذي جعلها عاجزة عن المنافسة مع الاعلام الاستثماري حيث بدت هذه المشاكل بشكل مفزع بسبب الازمة الاقتصادية الناتجة عن تداعيات ثورتي25 يناير و30 يونيه.

ورغم تأكيدات الرئيس السيسي بأن الدولة لن تترك هذه المؤسسات بل ستدعمها, لكن بات علي الحكومة ان تضعها علي رأس الأولويات في جدول اعمالها, ويري الخبراء ان الحلول متاحة وتتمثل في التخلص من الديون الحكومية اما مستحقات البنوك الدائنة فيمكن ان تتم مبادلتها بالشراكة لتحسين اساليب الادارة ومهارة تسويق منتجاتها خاصة ان هذه المؤسسات تمثل الظهير للدولة لما لها من دور قوي في التوعية والتعبئة.

الاقتصادي فتح هذا الملف للتعرف علي حجم ونوعية هذه المشاكل ومقترحات الخبراء لمواجهتها.. فماذا قالوا؟

المشروعات القومية

بداية يوضح مصطفي هديب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر السابق ان الرئيس السيسي وعد في لقائه بالاعلاميين ورؤساء مجالس وتحرير الصحف بأنه لن يترك المؤسسات القومية تتهاوي وانه سيبحث إيجاد حلول جذرية لمشاكل هذه المؤسسات, مشيرا إلي أن المشروعات الاقتصادية القومية التي اطلقها السيسي قد كشفت عن وجود حجم كبير من السيولة لدي المواطنين لكنهم في انتظار قائد وطني يجعل الشعب يلتف حوله, مؤكدا ان تحريك عجلة الاقتصاد من شأنه ان ينشط حصيلة الاعلانات للمؤسسات الصحفية مما يساعدها علي ان تتخطي جزءا من مشاكلها, لكن هذه المؤسسات يجب ان تضع خططا ودراسات مستفيضة عن سوق الاعلانات حتي تستطيع ان تنال حصتها من هذه الكعكة.

500 مليون جنيه

يضيف.. انه وضع خطة مدروسة لتخفيض الديون المستحقة علي مؤسسة دار التحرير وبالفعل نجح في تخفيض500 مليون جنيه لدي البنوك وقامت هذه البنوك بالفعل بإعدام هذه المديونيات بعدما تبين ان تاريخ استحقاق سدادها يرجع إلي15 عاما.. لذا يجب علي جميع المؤسسات ان تقوم بجدولة المديونيات المستحقة عليها للبنوك.

إعادة تقييم الأصول

اما الحل الثاني الذي طرحه هديب لمشاكل هذه المؤسسات فهو إعادة تقييم اصول هذه المؤسسات وأن تتحول المديونيات المستحقة للبنوك أو لوزارة المالية إلي مساهمات في الملكية علي أن تقوم الجهات الدائنة بتعيين مندوبين لها في مجلس الادارة مما يفتح امامها الفرص للتطوير والإدارة الناجحة لسداد ما علي هذه المؤسسات من مديونيات بما يساعد ذلك في إعادة منح هذه المؤسسات الفرصة لفتح الاعتمادات المستندية مرة أخري لاستيراد الورق والماكينات والاحبار, مشيرا إلي ان عملية تقييم رءوس اموال هذه المؤسسات دفتريا بمبالغ ضئيلة للغاية امر خطير لابد من اعادة النظر فيه فالمؤسسات تمتلك اصولا عقارية ومنقولة تقدر بالمليارات من الجنيهات بينما رءوس اموالها بضعة ملايين ضئيلة وفقا لتقييمات حدثت منذ عشرات السنوات.

ويطالب بضرورة ان يتولي ادارة هذه المؤسسات كوادر اقتصادية قادرة علي أن تنتشل هذه المؤسسات من عثرتها وليس شرطا ان يتولي الصحفيون إدارتها لان الاقتصاديين قادرون علي الادارة وخلق منتجات تسويقية من شأنها ان تزيد من مواردها.

يصر هديب علي ضرورة ان تقوم الدولة بالتعريف المحدد لطبيعة تبعية هذه المؤسسات والقوانين التي تنظم عملها فهي لا تخضع لقانون قطاع الاعمال العام أو القطاع العام او الحكومي او الشركات المساهمة.. لكن يطلق عليها أنها مؤسسات يمتلكها الشعب وليس لها كيان اقتصادي محدد أو مصرف.

ويطالب رئيس الحكومة ووزير المالية بضرورة إعادة هيكلة هذه المؤسسات ومبادلة الديون, فهذه المؤسسات بحاجة إلي عملية جراحية قاسية اما ان تكون أو يتم تصفيتها وعلي رأس هذه الاجراءات اعادة تأهيل الموظفين والفنيين والصحفيين من خلال مؤسسات متخصصة في مثل هذه الخبرات لزيادة معدلات الاداء وتحقيق الكفاية الانتاجية.

ويري الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء السابق ان حل مشاكل المؤسسات الصحفية بحاجة إلي تكلفة مالية كبيرة ووقت متاح بينما هناك من يتعجل هذه الحلول لكن الأولويات امام الحكومة تفرض عليها مواجهة المشاكل الملحة.

يضيف ان ما يحدث حاليا هو تأجيل حل المشكلة بسبب ما تعانيه الحكومة من مشاكل مع الجماهير تتمثل في انخفاض الاستثمارات في مجال الصحة والخدمات والتعليم والبطالة والاسعار نتيجة عجز الموازنة وضآلة الموارد السيادية والعشوائية في الاسواق..

لذا نجد ان الحل هو تأجيل عملية المواجهة لهذه المشاكل لان الدولة غير مستعدة لحل هذه المشاكل التي تراكمت عبر سنوات طويلة وتتصاعد مدتها بمضي السنوات عليها.

مشروعات للتدريب

لكن الدكتور فوزي عبد الغني عميد كلية الاعلام بجامعة فاروس بالاسكندرية يطالب هذه المؤسسات بان تتخذ زمام المبادرة وتقوم بإعادة هيكلة اصولها ذاتيا من خلال البحث عن مشروعات استثمارية تشارك فيها لزيادة دخلها كما هو الحال في اعمال الطباعة والتسويق ومشروعات التدريب والمكاتب الاستشارية خاصة ان هذه المؤسسات علي رأسها التليفزيون تتمتع برصيد كبير من الثقة بين طبقات المجتمع.

في الوقت ذاته.. يطالب الدولة ألا تتخلي عن هذه المؤسسات لان لها دورا كبيرا في نشر التوعية والقيام بعمليات الحشد والتعبئة لان الاستمرار في تدني المستوي الفني والمالي لهذه المؤسسات يقودها إلي نتائج خطيرة.

يلخص عميد كلية الاعلام اهم مشاكل هذه المؤسسات في عدة نقاط اساسية هي:

تكدس العمالة الادارية وتوقف نمو المستوي الفني للعمالة بها نتيجة تجميد عمليات التدريب وضعف مستوي التسويق الاعلاني وجميع منتجات هذه المؤسسات نتيجة ظهور الاجهزة التكنولوجية الحديثة كالمواقع الالكترونية والفضائيات وتجميد نشاط وبرامج هذه المؤسسات نتيجة انخفاض المستوي المهني للقائمين عليها خاصة ان نظام مبارك البائد وما سبقه ولاحقه من انظمة كانت تعتمد علي تعيين رؤساء مجالس ادارات هذه المؤسسات علي تقارير امن الدولة والمخابرات عن نشاط هؤلاء في المقام الاول ولم يكن هناك اي اعتبارات للخبرة والكفاءة بل ان الكثير من اصدارات هذه المؤسسات لا تجد من يشتريها بعد ان خطفت المواقع الالكترونية والفضائيات قراء هذه الاصدارات واصبحت لا تجد من يشتريها خاصة التي يتناولها الشباب.

ويقترح ان تقوم الدولة باسقاط هذه الديون خاصة ما يتعلق بالجمارك والضرائب وان تتفق هذه المؤسسات علي جدولة ديونها من خلال تسويات مع البنوك الدائنة علي ان يتم اختيار قيادات ناجحة بعد ذلك لهذه المؤسسات يتم محاسبتها عن اي تدن في الاداء وخسائر نتيجة سوء الإدارة, مشيرا إلي أن الحكومة لن تضخ اموالا جديدة في شرايين هذه المؤسسات لان امامها اولويات كبيرة.

ويؤكد الدكتور حسن عماد مكاوي عضو المجلس الاعلي للصحافة أن الدولة لن تترك هذه المؤسسات تضيع في مهب الريح لانها تمثل الظهير لها لأن الأنظمة السياسية التي تعاقبت في حكم البلاد استخدمت هذه المؤسسات في توصيل رسالتها إلي الشعب حتي اصبحت هذه المؤسسات يطلق عليها بأنها ابواق للحاكم مما جعل العديد من افراد الشعب والاحزاب تهجر مطبوعات هذه المؤسسات بعدما فقدت القدرة علي تطوير ادائها ومسايرتها لما يدور حولها من التطور التكنولوجي في النشر ونوعية المادة المهنية التي تتناولها مطبوعات هذه المؤسسات, فكانت النتيجة تراجع ارقام التوزيع, وضياع حصة كبيرة من الاعلانات عليها ذهبت إلي الصحف المستقلة والحزبية, إضافة إلي ذلك فقد ظلت هذه المؤسسات لسنوات طويلة مخزنا لتشغيل العمالة بداخلها حتي اصبحت مكدسة تكاد لا تجد المرتبات والمكافآت الشهرية لهؤلاء.. لذا فإن الدولة واجب عليها ان تنتشل هذه المؤسسات من عثرتها لانها كانت سببا مباشرا في تعثرها وضعف مستواها الفني, فعلي سبيل المثال.. هناك مؤسسات بحاجة سريعة إلي تغيير مطابعها واجهزة الاتصالات بداخلها بعد ان ساءت حالتها نتيجة الاهمال وغياب الصيانة.

مكاتب خبرة فنية

اما خبير التسويق والاعلان الدكتور صفوت العالم فيصر علي ضرورة زيادة موارد هذه المؤسسات ليس فقط من الموارد الاعلانية بل من خلال خلق ادارات جديدة تسعي إلي ايجاد دراسات ومقترحات لمشاكل المجتمع سواء البيئية أو الاقتصادية.

يؤكد ان الاوضاع الاقتصادية الحالية في طريقها للتحسن تدريجيا ومطلوب من خبراء التسويق والاعلان ألا يجلسوا علي المكاتب في انتظار قدوم المعلن اليهم بل مطلوب نوعية من رجال الاعلان الذين يقترحون الدراسات والحلول لمشاكل التسويق للشركات الكبري ثم تطرح عليهم الحملات الاعلانية والترويجية التي تساعد في زيادة مبيعاتها.

يقول: ان الاصدارات المطبوعة يجب ان تستغل الاحداث الاقتصادية والسياسية والقومية في تنظيم المؤتمرات لتسويقها عبر الكتب والكتيبات التي تطبعها وتوزعها خلال هذه المؤتمرات علي رجال الاعمال والمسئولين الذين يحضرون هذه المؤتمرات, ويطالب هذه المؤسسات بان تقوم بتنويع الخدمات التي تقدمها من خلال صفحات اعلانية حتي يتلاشي الوضع الحالي الذي ينتظر فيه المعلن داخل مكتبه ويحضر اليه مندوب الاعلانات لنشر الاعلان او يتم نشر الاعلان من خلال الاتفاق بين الصحفي والمعلن وهذا خطأ ومخالف لميثاق العمل الصحفي.

الاستقلال عن السلطة

ويقول د. محمود خليل استاذ الاعلام جامعة القاهرة: أن أزمة الاعلام الرسمي المملوك للدولة سواء كانت صحافة قومية أو اتحاد الاذاعة والتليفزيون ترتبط بالتبعية الواضحة للدولة منذ نشأة هذا الاعلام فهي تستخدم كأداة للحشد الجماهيري, وبالتالي فهي لاتقدم اعلاما بالمفهوم الحقيقي, بل تقدم دعاية لنظام سياسي قائم ويري أن أولي خطوات اصلاح هذا الاعلام هو تحقيق استقلالية عن السلطة السياسية, فهناك فارق بين الاعلام القومي التابع للدولة بكل اطيافها واعلام السلطة الذي دائما ما يتحول الي أداة للدعاية لها, وبالتالي تتراجع ادواره علي مستوي الوظائف التي يؤديها في حياة الجماهير لذا يفضل نوافذ اعلامية اخري تلبي احتياجاته المعرفية وتؤدي الوظائف المطلوبه منها بشكل حرفي ومهني في حياة المواطنين.

ويضيف أن الدستور الاخير المعدل في يناير2014 نص فيما يتعلق بالاعلام القومي علي ضرورة استقلاليتها وحياديتها وتعبيرها عن الاطياف المختلفة في المجتمع وتعد أولي خطوات تحقيق الاستقلالية هي غياب وظيفة وزير الاعلام لأنه يعد ممثلا للسلطة الحاكمة ثم يأتي بعد ذلك تشكيل مجالس مستقلة تشرف علي كل من الصحافة والتليفزيون والدستور نص ايضا علي وجود مجلس وطني للاعلام يتولي وضع ميثاق شرف اخلاقي لهذه المجالس, بالاضافة الي ادوارها التنظيمية في منح تراخيص قنوات البث الفضائي في الوقت الحالي.

ويري أن هناك جهودا تبذل من أجل وضع قانون تنظيم لهذه الهيئات, ولكن المقترحات التي قدمت في هذا السياق لاتعكس وعيا كافيا بمفهوم استقلالية الاعلام وتبدو وكأنها محاولات لربط الاعلام القومي للسلطة من جديد وهنا مكمن الخطر!

فتبعية الاعلام الرسمي للسلطة تتسبب في تقديم رسالة اعلامية هزيلة لم تكن قادرة علي جذب اعلانات كما ادي الي سيطرة الفكر البيروقيراطي علي الاداء الاعلامي وتراجع قيمة الابداع والابتكار والمبادرة في تقديم المنتج الاعلامي يضاف الي ذلك الفساد الذي اصاب هذه الاجهزة كجزء من الفساد العام في الدولة وأدي ذلك الي بيع التراث التليفزيوني المصري فيما يشبه بسوق النخاسة العربي والذي أسفر عن تراكم الديون بالمليارات علي الصحف وعلي اتحاد الاذاعة والتليفزيون وبدأ الأمر كنتيجة طبيعية وتحول هذه المؤسسات الي تكايا!

ويقترح عدة آليات من شأنها رفع القدرة المالية وتحسن المراكز المالية لهذه المؤسسات فعلي سبيل المثال وزارة الكهرباء لاتزال تحصل رسوما من المواطنين علي ملكية اجهزة التليفزيون لكن الرسوم هزيلة جدا مقومة بالمليم, فلماذا لايتم اعادة تسعير هذه الرسوم بحيث تمثل موردا ماليا قانونيا لاصلاح الهياكل المالية للإذاعة والتليفزيون.