لا تظهر القوانين عموماً عيوبها (في حال كان فيها ثمة عيوب) إلاّ عند التطبيق. هذه العيوب تدعو المشترع الى تحديث القانون عبر اضافة بعض التعديلات عليه وفقاً للحاجة. ولكن هذا الامر لم يحصل مع اقرار قانون الضريبة على القيمة المضافة، إذ برزت عند تطبيقه وخصوصا في ما يتعلق بالإيجارات التجارية، عيوب وثغر.
عندما أقر قانون الضريبة على القيمة المضافة في 2002، ظهرت بعض الثغر عند تطبيقه على الايجارات التجارية، يركز الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي على 3 ثغر اساسية منها. الثغرة الأولى هي قانون الضريبة على القيمة المضافة يلزم جميع المالكين على ان يصبحوا تلقائياً تجاراً لكي تستطيع الادارة الضريبية تسجيلهم في هذه الضريبة، علماً أن كثراً من بينهم ليسوا أساساً من التجار ولا امتهنوا التجارة مرة واحدة في حياتهم. كل ما في الامر أنهم بسبب الإرث عموماً تملكوا أبنية أجّروها بواسطة عقود تجارية وهم في مهنهم الاساسية من غير التجّار إذ ان بعضهم (أكاديميون، كتّاب، صحافيون، محامون وغيرهم). هذا العيب الاساسي أخذته فرنسا في الاعتبار، وهي البلد الأم للضريبة على القيمة المضافة، وأعطت المالكين من غير التجار حرية الانتساب الى الضريبة على القيمة المضافة. اي اذ رأوا في هذا الانتساب مصلحة لهم يستطيعون ذلك واذا رفضوا فإنه يحق لهم ذلك ايضاً.
الثغرة الثانية يوضحها يشوعي بالاشارة الى أن فلسفة الضريبة على القيمة المضافة هي ضريبة غير مباشرة تطاول استهلاك السلع الوسيطة والنهائية التي تخضع الى عمليات تحويل. من هنا فكرة القيمة المضافة: اي كل عملية تحويل في مسار انتاج سلعة استهلاكية تعطي قيمة اضافية للسلعة الوسيطة تحتسب وتدفع ضريبة عليها هي الـ TVA. اذاً مسألة هذه الضريبة تفترض تحويل مدخلات الى مخرجات وتحقيق قيمة مضافة بواسطة هذا التحويل.
لذا يسأل يشوعي، أين الايجار التجاري من هذا التحويل؟ وأين هو من فكرة وواقع القيمة المضافة؟ القانون في لبنان تحدث على أن الـ TVA هي ضريبة على انتقال الاموال، واعتبر تالياً ان في الايجار التجاري انتقالاً للأموال يخضع لمثل هذه الضريبة، لكن هذا المفهوم وفق يشوعي انحرف جوهرياً عن فلسفة ضريبة الـ TVA واضاع الهدف من تطبيقها. فإنتقال الأموال لا يفترض في كل الحالات عملية تحويل الى مدخلات من أجل انتاج مخرجات. ويقول “هم افترضوا على خطأ أن عملية انتقال اموال تفترض حكماً عملية تحويل، وتحوي حكماً على قيمة مضافة. وهذا غير صحيح لأن الايجار التجاري لا يخضع لأي تحويل ولا يحقق اي قيمة مضافة، وتالياً اذا ما اردنا تطبيق فلسفة الـ TVA وتحقيق أهدافها الحقيقية فإن كل ايجار أكان سكنيًا أو تجارياً لا يجب أن يخضع لمثل هذه الضريبة فهو على علاقة له بها وهي لا علاقة لها به”.
وتبقى الثغرة الثالثة، فالقانون كما صدر في لبنان لم يعطِ المالك أي سلاح قانوني من أجل تحصيل هذه الضريبة من المستأجر – التاجر، بل على العكس فهو كقانون لا يعرف سوى المالك. وعلى الاخير أن يتدبر شؤونه مع المستأجر وأن يدفع في كل الاحوال هذه الضريبة حتى اذا لم يسددها له المستأجر.
والقرار الاخير للحكومة الذي قضى بإصدار التكاليف خلال 2014، وضع المالكين في مواجهة المستأجرين. إذ يشير يشوعي الى أن الكثيرين من المستأجرين تمنعوا عن دفع هذه الضريبة بحجة أن عقود الايجار التي وقّعوها، لم تتضمن اي اشارة الى وجود هذه الضريبة، علما أن المالكين في غالبيتهم كانوا يجهلون وجودها. من هنا يقترح على الحكومة، أن تصدر ملحقا لقرارها لتوضيح الأمر للمستأجرين وإلزامهم دفع هذه الضريبة للمالك عندما يبرز لهم الشهادة الرسمية لتسجيله في الضريبة على القيمة المضافة، وإلا ستكثر الدعاوى بين الفريقين. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أن كثيرين من المالكين وقعوا عقود ايجارات تجارية مع مستأجرين لفترات طويلة تصل الى 9 سنوات قبل القرار الأخير للحكومة من دون أن يذكروا اي شيء عن الضريبة المضافة في العقد.
إذاً من دون ملحق رسمي للقرار الحكومي، فإن المستأجرين وفق ما يؤكد يشوعي سيمتنعون عن دفعها لمدة 9 أعوام. وحتى في حال تجديد العقود وذكر وجود هذه الضريبة، فما هو السلاح القانوني بين أيدي المالكين لإلزام المستأجرين على دفعها. هذا القانون، برأي يشوعي، قد عين المالكين جباة بالسخرة ووضعهم في مواجهة دائمة ومستمرة مع مستأجريهم.
ويختم يشوعي بالتأكيد على “ان قرار الحكومة مبتور وناقص ويحتاج الى ملحق يوضح الأمور، ويحمّل كل فريق مسؤوليته الحقيقية تجاه فرض هذه الضريبة”.