لاحظت عائلة محمد السوسي، الخريج الجامعي، في الأسابيع التي سبقت سفره إلى سورية للانضمام إلى الجهاديين، أنه أصبح أكثر تديناً ولم يعد يتقبل أموراً تعتبر عادية.
يقول والده توفيق، الذي لا يزال يحاول تقبل حقيقة موت ابنه الوحيد الذي قضى في آب (أغسطس) من العام الماضي “لقد تغير كثيراً ولم يعد يشاهد التلفزيون، أو يستمع إلى الأغاني. وإذا دخل البيت ووجد المذياع مشغلاً، يقوم بإغلاقه”.
وفرت تونس، حسب بعض التقديرات، العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب في سورية. لكن المفارقة هي أن الانجذاب للجهاد يبدو أنه لا يقاوَم بالنسبة لبعض الشباب، حتى وهم يعيشون في خضم عملية انتخابية جرى الترحيب بها باعتبارها مثالاً نادراً على التوافق الناجح بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين.
وتشير أرقام حكومية في تونس إلى وجود ما لا يقل عن 2500 تونسي يقاتلون مع مجموعات جهادية في سورية، على الرغم من تشديد المسؤولين على أن هذه الأعداد غير مؤكدة. وقد ذكرت وزارة الداخلية التونسية في شباط (فبراير) أنها منعت ثمانية آلاف آخرين من السفر. ويتحدث مسؤولون عن 400 شخص من الذين عادوا للبلاد، بعضهم أصبح في السجن، وآخرون تحت الإشراف القضائي.
وقتل محمد أثناء قتاله الجيش السوري، بعد ثمانية أشهر من مغادرته منزل الأسرة، حسبما علم والده لاحقا. وقد أخذ مقاتلون تونسيون آخرون جسده لدفنه في سورية وأخبروا عائلته بالهاتف عما حدث له.
ويلقي الوالد باللائمة في تطرف ابنه على عدة عوامل، أولها إمكانية الاطلاع على مواد متطرفة على الإنترنت، وكذلك تأثير مجموعة أنصار الشريعة، وهي مجموعة مسلحة ازدهرت بعد ثورة الربيع العربي في تونس عام 2011.
و”أنصار الشريعة” هي مجموعة تونسية استفادت من الحريات الجديدة التي أتيحت لها للسيطرة على مئات المساجد في البلاد. وقد استخدمت المجموعة التي يقودها مقاتل سابق في القاعدة يدعى أبو عياض، المساجد لإيصال رسائل كان أغلبها عنيفاً حول فرض مجتمع إسلامي يلتزم تماماً بالأحكام الشرعية.
وتم حظر “أنصار الشريعة” في عام 2013، بعد أن اتهمتها الحكومة التونسية المعتدلة بتوجيه أوامر لاغتيال اثنين من السياسيين اليساريين، ما أوقع البلاد في أزمة كبيرة وأثار مظاهرات ضخمة نظمها العلمانيون.
واستمر السياسيون العلمانيون الذين فازوا بالانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي في اتهاماتهم للحكومة بأنها كانت بطيئة تماماً ودون المستوى أثناء التحرك ضد المتطرفين، وأن ذلك وفر لهم الوقت لبناء شبكات ونشر التطرف بين الناس.
لكن إذا كان تأثير المتطرفين هو السبب الرئيسي في تدفق الشباب التونسي إلى سورية، فإن المحللين يشيرون أيضاً إلى شعور الشباب بالاغتراب عن السياسة وفقدان الأمل في استئصال المعدلات العالية من الفقر والبطالة.
وقد وجدت مؤسسة أليرت إنترناشونال الخيرية في استطلاع أجرته بين الشباب التونسي في مقاطعتين فقيرتين، أن نحو نصف المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن أحوالهم المعيشية ساءت منذ ثورة 2011. وقال أغلب هؤلاء إنهم لا يثقون بالسياسيين، لأنهم فقط يهتمون بمصالحهم.
وفي تادامون، وهي واحدة من المقاطعتين اللتين أجري فيهما الاستطلاع، قال أكثر من 12 شاباً، ممن الذين سألتهم “فاينانشيال تايمز” في الأسبوع الماضي، إنهم يعرفون واحداً يقاتل في سورية وإنهم على اتصال به. ويقول حمزة سلامة، مغني الراب، البالغ من العمر 24 عاماً ويشتغل في أعمال العائلة، إنه يعرف على الأقل عشرة من الجهاديين الذي يقاتلون في سورية، وإنه رفض عدة عروض للانضمام إليهم.
ويقول: “هناك مجموعات خفية تعمل على تجنيد الشباب. الشباب في سورية يتصلون عن طريق سكايب والهاتف. قتل ابن عم صديق لي بطلقة في رأسه، ومع ذلك يوجد من الناس من يرغب في الذهاب، وهم ليسوا جميعاً من السلفيين”.
وكثير من الشباب هنا يعبرون بصراحة عن إعجابهم بأصدقائهم الذي انضموا إلى دولة الإسلام في بلاد العراق والشام، وهي المجموعة المسلحة المعروفة باسم “داعش”. ويقول أيمن العاطل عن العمل والبالغ من العمر 24 عاماً “أنا أؤيد الشباب الذي ذهب إلى سورية، إنهم يتبعون ما أَمَر الله. أنا حتى لا أصلي، لكني أدعم هذه الفكرة”.
ويقول ميشيل عياري، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أن أحد أسباب الانجذاب لـ”داعش” هو فيما يبدو أن الناس ينظرون إليها على أنها تقوم ببناء دولة جديدة، وفي الوقت نفسه يعمل وجود التونسيين في سورية على تسهيل جلب الناس إلى تلك البلاد.
ويضيف “يمكنك مقارنة ذلك بالهجرة الاقتصادية، ولكنك إذا حاولت الذهاب الآن إلى أوروبا بشكل غير قانوني فيمكن أن تغرق أثناء عبورك البحر. وإذا ذهبت إلى سورية، فيمكن أن تقول لصديقك أو قريبك إنك أصبحت الآن شخصاً مهماً، وأنك تعطي أوامر للآخرين”.
ويبدو أن المراهق العاطل عن العمل، حسام، الذي يعيش في مقاطعة تادامون الفقيرة، يقع تماماً ضمن هذه الفئة. فهو يقول: “أنا لا أصلي، وأنا أتعاطى الكحول، لكني أتعاطف تماماً مع من يقاتلون لأجل الدفاع عن الدين. أفضل أن أصبح شهيداً في سورية على أن أموت وأنا أشرب الجعة هنا في تونس”.