Site icon IMLebanon

محاكمة افتراضية لرئيس البنك المركزي الأوروبي !

MarioDragui1

جيتا جوبيناث (أستاذة في الاقتصاد في جامعة هارفارد وهي باحثة زائرة في بنك بوسطن للاحتياطي الاتحادي وباحثة مشاركة في المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية.)

تقليل تكاليف الاقتراض
تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي في صيف 2012 بعمل ما يلزم من أجل إنقاذ اليورو بما في ذلك شراء كميات غير محددة من سندات الحكومات المتعثرة. إن هذه الخطوة والتي أصبح يطلق عليها “خطوة دراغي” قللت على الفور تقريبا من تكاليف الاقتراض لإسبانيا وإيطاليا حيث يشار إليها على نطاق واسع على أنها الخطوة التي أنقذت منطقة اليورو من حافة الكارثة بدون الحاجه للجوء لبرنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات.
يبدو أن ذلك كان نجاحا مبهرا، فالإعلان فقط عن برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات كان كافيا لإنهاء أزمة الاتحاد النقدي، لكن طبقا لمحكمة دستورية ألمانية فإن هذه السياسة تنتهك معاهدات الاتحاد الأوروبي وهو حكم تتم مراجعته حاليا من قبل محكمة العدل الأوروبية. لكن الجدل الحالي المتعلق ببرنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات يتجاهل جوهر الموضوع.
فالسؤال الذي يجب أن يطرحه القادة الأوروبيون ليس ما إذا كان تفويض البنك المركزي الأوروبي يسمح له بالتدخل في أزمة ديون بل ما إذا كان من المفترض أن يحصل على مثل هذا التفويض.
موقف البنك المركزي الألماني في هذا الخصوص معروف للجميع، ففي مذكرة للمحكمة الدستورية في العام الماضي والتي تم تسريبها أعلن البنك بشكل لا لبس فيه أنه “ليس من واجبات البنك المركزي الأوروبي إنقاذ البلدان المتعثرة”, لكن هناك أسباب قوية للسماح للبنك المركزي الأوروبي بالتصرف كمقرض وذلك كملاذ أخير.
إن أحد أوجه الجدل الرئيسة من أجل إجبار البنوك المركزية على التقيد بأهداف التضخم الصارمة هو التخلص من الإغراء باستخدام “التمويل النقدي” (شراء السندات الحكومية) بشكل غير متوقع سواء من أجل تحفيز الاقتصاد أو التقليل من الديون عن طريق التضخم.
وعلى أي حال فإن مثل هذه الإجراءات نادرا ما تكون ناجحة، فالأسواق تتوقعها وترفع من أسعار الفائدة من أجل تعويض المقرضين عن التضخم المتوقع، والنتيجة هي تضخم مرتفع ونفقات اقتراض مرتفعة كذلك.
التمويل النقدي واقتراض الحكومات
وطبقا للطرح نفسه فإن الأسوأ هو توقع أن التمويل النقدي سوف يدفع الحكومات للاقتراض بشكل مبالغ فيه, وهذا يمكن أن يولد حلقة مفرغة من الديون المتراكمة والتضخم الذي لا يمكن التحكم فيه، مع عواقب وخيمة. إن هذه الطروحات مقنعة لكنها تفشل في أن تأخذ بعين الاعتبار عاملا حيويا واحدا وهو السياق التاريخي.
فلو كانت أزمة اليوم ناتجة عن تبذير الحكومة وسوء إدارتها بدلا من فشل السوق فإن من الصواب ألا يتدخل البنك المركزي, لكن لو كانت الأزمة ناتجة عن فشل في التنسيق بين المستثمرين عندما يرفض كل مستثمر أن يمدد الدين الحكومي خوفا من أن يفعل الآخرون الأمر نفسه، مما يؤدي إلى التخلف في السداد فإن السياسة المالية يمكن أن تلعب دورا مهما.
إن وضع حد أدنى لسعر الدين السيادي وأي تضخم مصاحب له يعني أن تدخل البنك المركزي سوف يخفض القيمة الحقيقية للدين ويسهل السداد.
وكما أظهر الإعلان عن برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات فإن الوعد الذي يتمتع بالمصداقية من أجل استخدام التمويل المالي في حالة وقوع أزمة يمكن أن يمنعها من الوقوع في المقام الأول مع عدم وجود حاجة لاتخاذ إجراءات تضخمية.
ومن دون تدخل البنك المركزي فإن تنبؤات المستثمرين المذعورة كانت ستصبح حقيقة، وسيؤدي ذلك أيضا إلى ارتفاع في تكاليف الاقتراض مما يعني استحالة تمكن الحكومات من سداد دائنيها.
بعبارة أخرى، فإن منع البنك المركزي من التصرف كمقرض الملاذ الأخير يمكن أن يدفع الاقتصادات القادرة على السداد لأن تقع في أزمة ديون بدون داع, مما يقوض الإنتاج والتوظيف. وحسب معظم التقارير فإن هذا ما حدث بالضبط لإسبانيا وإيطاليا سنة 2012.
قرار دراغي يمكن الدفاع عنه
في هذا السياق، فإن خطوة دراغي كانت خطوة يمكن أن ندافع عنها بقوة، فلقد كان سيصبح من الصعوبة بمكان تبرير رفض النظر في أي مبالغ من أجل التمويل النقدي والاستمرار بالتقيد بأهداف صارمة للتضخم.
وفي الحقيقة فإن تدخل البنك المركزي ليس الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأزمات المفتعلة في منطقة اليورو، فالتحويلات المالية والتي تتضمن قيام دول في منطقة اليورو بتوفير التمويل إلى نظيراتها المتعثرات يمكن أن يشكل حلا كذلك ولكن هذه المقاربة أقل عملية, وهكذا أقل مصداقية.
إن معارضي تدخل البنك المركزي محقون في ما يتعلق بشيء واحد وهو أن التمويل النقدي ينطوي على مخاطر جمة, ومن أجل التحقق من أن هذا التمويل آمن وفعال قدر الإمكان فإنه يجب أن يستخدم بشكل رئيسي في أزمات الديون المفتعلة.
من الناحية المؤسساتية، فإن من الأمثل للبنك المركزي أن يلتزم بالمحافظة على إبقاء التضخم منخفضا في الأوقات العادية، وأن يكون مستعدا للتدخل في حالة وقوع أزمة. إن استخدام البنك المركزي الأوروبي برنامجه لشراء السندات يلبي هذين المعيارين.