المخاوف بشأن النمو العالمي وحالة عدم اليقين بشأن السياسة النقدية الأمريكية جعلت موجة صعود الدولار تتراجع طوال تشرين الأول (أكتوبر). لكن البنوك المركزية أعادت إشعال الاندفاع، مع انعكاسات بعيدة المدى على أسعار السلع والتدفقات الاستثمارية العالمية.
التوسع الياباني الجريء في برنامج التحفيز، بعد يومين من إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نهاية التسهيل الكمي وبدء العد التنازلي لأول ارتفاع في أسعار الفائدة، أحدث صدمة في أسواق العملات. هذا التباعد في السياسة النقدية دفع بالين إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ نهاية عام 2007، وهناك مجال لمزيد من الضعف.
ألان راسكين، وهو محلل استراتيجي في دويتشه بانك، يقول إن الشركات اليابانية والمستثمرين “من المرجح أن تطاردوا السوق”، وأن وضع الين باعتباره أفضل عملة لتمويل صفقات الشراء بالاقتراض مطمئن. ويعزز صندوق المعاشات الوطني في اليابان هذا الاتجاه، كما أنه ينقل النسبة الأعلى من حصصه إلى الأصول الأجنبية.
وفي الوقت نفسه، يبلغ الدولار أعلى ارتفاع له منذ أربع سنوات مقابل سلة من العملات، وهو ما يعكس تكهنات بأنه سيكون لزاما على البنوك المركزية الأخرى اقتفاء أثر البنك الياباني. وربما يشعر المنافسون التجاريون في آسيا، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، بالحاجة إلى ضعف العملة ليظلوا قادرين على المنافسة. ويمكن للبنك المركزي الأوروبي – الواقع أصلاً تحت ضغط لإطلاق مشتريات واسعة النطاق من السندات الحكومية – أن يشعر بالحرارة إذا أدى الين الضعيف إلى تفاقم الضغوط الانكماشية في منطقة اليورو.
وبحسب بول مايكل، الاستراتيجي في HSBC: “ستتساءل السوق قريبا عن أي البنوك المركزية الذي سيكون التالي في اتباع خطوات بنك اليابان وتخفيف السياسة”. ويضيف: “الواضح بالنسبة لنا هو أن هناك مستفيدا صافيا واحدا فقط – الدولار الأمريكي”.
لكن في حين أن الحجة الداعية إلى دولار أقوى تبدو واضحة لكثير من متداولي العملات، إلا أن مدى ارتفاعه والآثار المترتبة على فئات الأصول الأخرى قد يكون من الصعب التنبؤ بها. فبمجرد أن يبدأ الدولار في التحرك، يمكن لهذا الاتجاه أن يكون كبيرا ومستمرا: انخفض أكثر من 25 في المائة في فترة الضعف التي استمرت من عام 2002 حتى بداية الأزمة المالية. ومنذ عام 2011 استعاد أقل من نصف تلك الخسائر – وهو ما دفع كثيراً من المحللين إلى المجادلة بأن الدولار في سبيله إلى حركة صاعدة لفترة طويلة.
وارتبطت فترات سابقة من قوة الدولار مع تفوق أداء الأسهم الأمريكية – ارتفاع العملة يعزز من جاذبية الأصول الأمريكية بالنسبة للمستثمرين الأجانب – ومع هبوط أسعار السلع الأساسية للمعادن الثمينة بشكل خاص، ولكن أيضا للمعادن الأساسية والطاقة والسلع الزراعية. وفي الثمانينيات والتسعينيات غذى الدولار القوي الأزمات في الأسواق الناشئة، في الوقت الذي تقطعت فيه روابط العملات بالدولار وارتفع عبء الديون المقومة بالدولار.
هذا يبدو منسجما مع الاتجاهات الحديثة. فقد انخفضت أسعار السلع منذ الصيف. ورافق الارتفاع الأخير للدولار ارتفاع قياسي في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 وتراجع سعر الذهب إلى أدنى مستوى له منذ عام 2010. وزادت الضغوط على الأسواق الناشئة مثل البرازيل وروسيا، التي رفعت أسعار الفائدة استجابة للاضطرابات السياسية وضعف أسعار السلع الأساسية.
لكن محللين في بنك باركليز يحذرون من افتراض أن اتجاه الدولار سوف يتبع أي نمط “أنموذجي”. مسار الاقتصاد الصيني على الأقل ذو أهمية بالنسبة للسلع وأسهم الشركات المرتبطة بالموارد مثل أهمية الدولار، كما يقولون.
العلاقة بين الدولار القوي والأداء المتفوق في مؤشر ستاندرد آند بورز لم تعد موجودة. فقد أبقى تحفيز بنك الاحتياطي الفيدرالي على ضعف الدولار، بينما عمل على تعزيز الأسهم الأمريكية. واحتمال تشديد السياسة النقدية قد يعزز الدولار، لكنه سيلقي بثقله على الأسهم – خصوصاً في الوقت الذي تكافح فيه الشركات المتعددة الجنسيات مع تباطؤ النمو العالمي.
وبحسب ديانا تشويليفا، الاقتصادية في لومبارد ستريت للأبحاث: “الخطر يكمن في أن الضعف في مكان آخر [في العالم] يتسبب في ارتفاع الدولار بسرعة كبيرة”.
وعلاوة على ذلك، فإن أسعار السلع الأساسية الضعيفة تؤدي إلى تفاقم التضخم المنخفض الذي يؤثر في الاقتصادات المتقدمة كلها تقريبا – بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي. ويقول محللون إن الولايات المتحدة ستكون متسامحة نسبيا مع سعر صرف قوي، لأن اقتصادها يعتمد على الاستهلاك – الذي سيتلقى دفعة قوية – بشكل أكثر بكثير من اعتماده على الصادرات.
لكن صناع السياسة لفتوا النظر إلى أن هناك خطراً في أن يعمل ارتفاع الدولار على إخماد التضخم الضعيف أصلا، لأن المزيد من الارتفاع في قيمة الدولار يمكن أن يحد من معدل رفع أسعار الفائدة.