IMLebanon

أسعار النفط «لعنة» في كل «الاقتصادات»

OilPriceDollar
بروفسور غريتا صعب
أرسل الانخفاض المفاجئ في سعر النفط موجات متباينة حول العالم ما بين الدول المصدرة للنفط التي شهدت تراجعاً في ميزانيتها، والدول المستوردة التي استفادت من هذا التراجع في الأسعار.

والتراجع العالمي لسعر النفط يعتبر قياسياً حوالى 28 في المئة حتى بلغ سعره حالياً 83 دولاراً، ما يعني انّ الدول المصدرة للنفط والشركات العالمية تراجع ايرادها حوالى 2,8 مليار دولار، وانّ المستهلكين وشركات الطيران تمكّنت من توفير هذه الكمية في الوقت عينه.

هذا هو التفسير المنطقي المبسّط لتراجع أسعار سلعة تعتبر اساسية بالنسبة للعالم أجمَع، اذ ان هذا الانخفاض المفاجئ في اسعار النفط يمكن أن يهزّ عواصم العالم التي ستواجه اختبار تراجع كبير في موازنتها اذا ما استمر هذا الاتجاه، وكثير من علماء الارصاد يشيرون الى ذلك، وسوف يؤثر على موسكو وكركاس ولاغوس وطهران وغيرها من الحكومات التي بدأت تشعر بأثر هذا التراجع في اقتصاداتها.

وهذا ما دفع «قيصر روسيا»، فلاديمير بوتين، الى القول يوم الجمعة الماضي إنّ الاقتصاد العالمي سوف ينهار اذا ما استمر هذا التراجع ولفترة طويلة، وحذّر الرئيس الروسي من انّ هذا الانخفاض يمكن ان يعطّل إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأميركية كما انه سوف يشكّل ضغطاً كبيراً على بقية الاقتصاد العالمي.

لذلك، وحسب بوتين، وهذا منطقي، لن يكون هذا الوضع في مصلحة ايّ من العناصر الفاعلة في هذا الاقتصاد. ويشكّل سعر النفط حالياً ضغطاً كبيراً على الاقتصاد الروسي ويساهم الى حد بعيد في ضرب الروبل ويحرق مزيداً من الاحتياط في العملات الأجنبية في بنك روسيا – في محاولة لدعم العملة – وقد حاول بوتين تفادي التفسيرات المقلقة بقوله انه لديهم ما يكفي لضبط معدّل سعر صرف الروبل اذا لزم الأمر،

لكن تحتاج روسيا والحال هذه الى تعديل الميزانية التي وضعت على أساس 90 دولاراً للبرميل وهذا ما يحدث حالياً، أضف الى ذلك الترددات الجيوسياسية على الوضع الروسي، لا سيّما انّ ارتفاع سعر البترول، وحسب تفسيرات بعض الخبراء السياسيين، ساهم الى حد بعيد في إبقاء بوتين سيّد الكرملين – مبررّين ذلك بقولهم انّ انهيار الاتحاد السوفياتي في العالم سنة 1990 له أسباب كثيرة، منها انخفاض سعر النفط في الصادرات الرئيسية بين عامَي 1980 و1986.

وللعلم لن يكون تأثيره على روسيا وحدها، انما على العالم أجمع، وله تبعات سياسية كبيرة في ظل الركود الحاصل في الاقتصاد العالمي – لذلك، اذا سلّمنا جدلاً انه سوف يوفر على المستهلك حوالى التريليون دولار سنوياً، سوف تكون نتائجه شللاً وتراجعاً في معظم الاقتصادات العالمية وعلى الحكومات التي استخدمت ايرادات النفط الكبيرة في شنّ سياسات خارجية عدوانية، كفنزويلا وايران وغيرهما.

لكنّ المخاطر لن تكون على هذه الانظمة وحدها، انما على السعودية التي أخذت على عاتقها وظيفة المنتج البديل في حال ايّ خلل في اسواق النفط العالمية – وبغضّ النظر عن الازمة الاوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا، فإنّ هبوط اسعار النفط سوف يضرب الاقتصاد الروسي ويؤدي الى ركود، والروبل الى تراجع حسب ما سبق وذكرنا (الروبل اليوم معدّله 41 مقابل الدولار الاميركي وهذا تراجع وجب التوقف عنده) أضف الى ذلك البطالة – كذلك هو الوضع في ايران التي تعتمد على النفط كأكبر عائدات صادراتها، ه

ي التي واجهت مشاكل اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران في برنامجها النووي – لذلك قد يكون الخطر كبيراً في دولة تعتبر رابع اكبر احتياطات النفط – وقد يكون من الصعب التنبؤ ما قد يحدث للاقتصاد الايراني في حال تابع سعر النفط انخفاضه، وهذا ما دفع الايرانيين الى الحثّ على عقد اجتماع طارئ لدول الأوبك مشيرين بأصابع الاتهام الى المملكة العربية السعودية، قائلين انها عمدت الى التلاعب بالمبيعات لإبقاء الأسعار متدنية بهذا الشكل.

وظهر ذلك جلياً في كلام وزير النفط الايراني عندما ألقى اللوم على الرياض قائلاً: «انّ بعضاً من أكبر المنتجين في اوبك يعمدون الى تخفيض مبيعاتهم، وأخذ بعضهم على السعودية انتاجها سياسات صد مصالح المنتجين وتخدم مصالح دوَل الـ 20 (20 G Group).

امّا مواقف السعوديين فيمكن القول إنها غير واضحة تماماً ودوافعهم كذلك، انما وحسب بعض الخبراء فإنّ نظرتهم الطويلة الأجل ترمي الى الحفاظ على حصتهم في السوق للسنوات المقبلة. وللعلم، المملكة هي أكبر اقتصاد في العالم العربي وتضخّ حالياً حوالى 9,7 مليون برميل يومياً، ولديها مخزون يساوي 266 مليار برميل من النفط الخام – لذلك يعتبر أهمّ الموارد الاستراتيجية، ويمكن للحكومة استخدامه وبسرعة لصالحها – لكنّ منتجي الخليج الآخرين فهم أقلّ تعرضاً، كون اعتمادهم على النفط في الميزانية يتراوح بين 73 و 53 للبرميل ما بين الامارات العربية المتحدة والكويت، لذلك قد تكون مساوئه على السعودية أكبر مع زيادة تكلفة مشاريع البنية التحتية وزيادة العجز في الموازنة، والذي يستهلك حتماً احتياط النقد الأجنبي.

والأمر لا يختلف بالمطلق حول فنزويلا، لا سيّما انه مع سعر برميل النفط الذي يضاهي الـ 100 دولار، فإنّ فنزويلا ما زالت تستخدم احتياطياً من العملات الأجنبية. لذلك، انّ سعر برميل يساوي الـ 80 دولاراً سوف يعمّق الأزمة المالية ويهدد باضطرابات اجتماعية وبهروب الرساميل الأجنبية، ما يعني زيادة في التضخم وندرة في البضائع وانخفاضاً في القوة الشرائية، سوف تكون ملازمة لهذا التراجع الاقتصادي، وقد ينسحب على هذه الدول والتي تسمّى حسب بعضهم «محور الشرّ» – وارتداداتها لا تقتصر عليهم بل سوف تتأثر بها دول اوروبا واميركا الجنوبية، التي وإن اعتبر عامل انخفاض الأسعار زيادة في المنتوجية، انما ارتدادته قد لا تكون مؤكدة على النتائج، علماً انّ أوروبا لم تشهد أيّ نمو يُذكر في الربع الثالث، واذا اختلفت نتائج هذا الانخفاض في أسعار النفط وحسب الدول، يبقى القول انّ المستفيد الأكبر قد يكون الدول المستوردة في آسيا، كالصين، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفظ، والهند التي تستورد ثلاثة ارباع نفطها.

ويقول المحللون انّ ذلك قد يساعد هذه الدول في تخفيف عجزها المزمن في الحساب الجاري، كذلك يساعد في تخفيض فاتورة دعم الوقود في الهند، انما قد يشكّل خطراً متنامياً على اليابان وإن كانت مستوردة لهذه السلعة، كذلك على اوروبا، لا سيّما من ناحية انخفاض الاسعار، والذي سيؤدي من دون ادنى شك الى خفض التضخّم، إذ انّ هذا الانخفاض يمرّ مباشرة في انخفاض تكاليف الوقود والكهرباء وأسعار التجزئة، ما يعني تراجعاً اضافياً في مستوى التضخم إن كان في اليابان او في اوروبا، ما يعني عدم توفّر العامل الاساسي في مكافحة الانكماش واستراتيجية النمو المتبعة في اليابان، والتي يحاول الأوروبيون تحقيقها من خلال سياسات نقدية متتالية.

لذك نرى انّ عامل النفط قد يساعد على خلط الاوراق السياسية الى حد ما، الّا انّ آثاره الاقتصادية تبقى الأقوى، لا سيّما ضمن الدول المصدرة والتي تسعى الى تخفيف عجزها وحماية عملتها وضمن الدول المستوردة التي تعاني ركوداً اقتصادياً يبدو من الصعب لغاية الآن الخروج منه. ويبقى القول انّ نتائجه سلبية على جميع الاطراف، مستوردين كانوا أم مصدرين.