Site icon IMLebanon

أوباما والدولار بعد الخسارة

obama5
الدكتور لويس حبيقة
متابعة للسياسة الأميركية منذ عقود، هنالك مفاجأة حصلت هذه السنة مع خسارة الرئيس الأميركي الانتخابات التشريعية في وقت تحسن خلاله الاقتصاد بشكل كبير. عندما وصل الرئيس أوباما الى الحكم في بداية 2009، كانت الولايات المتحدة في أزمة كبرى تتلخص في ركود قاس وبطالة مرتفعة وغضب شعبي بسبب الحروب والأوضاع. ضخ المال عبر برنامجه المتكامل البالغ 787 مليار دولار، وضخ المصرف المركزي النقد لانقاذ الاقتصاد نجحا. التعاون الكبير المسؤول بين السلطتين المالية والنقدية ساهم في عودة قوية للنمو الأميركي بلغ في آخر فصل من 2014 حوالي 3,4%، كما أنتج انخفاضا للبطالة الى ما دون 6% من 11% في 2009. خلال هذه السنة ارتفع عدد الوظائف الجديدة 230 ألف شهرياً، مقارنة بـ190 ألف شهرياً في سنتي 2012 و 2013. كيف يمكن معاقبة الرئيس الأميركي عندما تكون انجازاته الاقتصادية كبيرة وسريعة؟ لماذا يعاقبه الأميركيون ويدفعونه الى انهاء ولايته الثانية بصعوبة أي بتعاون مفروض ومعقد مع حزب جمهوري يميل أكثر فأكثر الى اليمين؟ هنالك سببان واضحان أو ربما محتملان ساهما في الهزيمة وكانا، في رأي المقترعين والمتغيبين، أهم من الانجاز الاقتصادي الواضح:
أولاً: عدم قدرة الرئيس على التواصل بفعالية وسهولة مع السياسيين من الموالين والخصوم. لم تكن علاقاته سهلة مع القيادات الديموقراطية والجمهورية، بالاضافة الى قطاع الأعمال الجمهوري التوجه عموما. لا ننسى أن أوباما وصل الى السلطة شابا من خارج الطبقة السياسية، كان سيناتورا جديدا يتكلم جيدا وبطلاقة أحبه الأميركيون وذكرهم ب”مارتن لوثر كينغ”. اختار الأميركيون في 2008 الشخص المناقض كلياً لجورج بوش الذي أرهقهم في الحروب وفي الأزمة المالية المعروفة ب”الركود الكبير”. يسهل على الرئيس مخاطبة الشعب الأميركي مباشرة عبر الاعلام كما في اللقاءات المباشرة مع المواطنين العاديين في المطاعم وعلى الطرق وغيرها من الأمكنة العامة والشعبية. هذا لا يكفي في دولة تسيطر عليها المصالح الكبيرة المنظمة المتناقضة، ليس فقط في السياسة وانما أيضاً في الاقتصاد والاجتماع والصحة وغيرها من القطاعات. يصعب على الرئيس التعاون مع “الحيتان” الكبرى، هو الآتي من خلفية فقيرة متواضعة تعلمت كثيراً من أفريقيا وآسيا ومن حياة المواطنين الفقراء هناك. أتى أوباما للخروج من الحروب “البوشية”، وحاول عدم التدخل عسكريا في حروب جديدة في منطقتنا وغيرها. حكما لا تعجب هذه السياسة قيادات المصالح التي عزز وضعها بوش كثيرا.
ثانياً: التردد في اتخاذ القرارات، صحيحة كانت أم خاطئة. يعود هذا التردد الى شخصية الرئيس الذي يرغب في درس المواضيع واكتشاف الأراء قبل اتخاذ القرارات النهائية. لكن هنالك أحيانا قرارات يجب أن تتخذ بسرعة في مواضيع داخلية وخارجية، منها الصحة والعلاقات مع الحكومات الخارجية بما فيها دول المنطقة. هنالك تردد وربما أهم رغبة في ابعاد أميركا عن ساحة القرارات الدولية، أي تحويل الولايات المتحدة من دولة قائدة لكل شيء الى أخرى عادية وهذا ما لا يقبل به أصحاب السلطة أو حيتانها. لم تنتج هذه العلاقات الصعبة مع قوى النفوذ قرارات شعبية يسوقها له الاعلام المتأثر جدا بالمصالح المالية والاقتصادية. “براءة” أوباما السياسية وخبرته المحدودة قبل الرئاسة بالاضافة الى صدقيته في التعامل مع الغير بشفافية أضعفته، بل ربما أسقطته عبر هذه الانتخابات القاسية.
الآن حصلت الخسارة وأنتصر الجمهوريون في المجلسين التشريعيين. هل يعني هذا سقوط الرئيس؟ ليس بالضرورة، اذ إنَّ الجمهوريين يعرفون تماماً أن التعاون معه ضروري لهم لأنَّ الانجازات اذا تحققت سيستفيدون هم منها أيضاً. الفشل المقصود في التعاون مع الرئيس سينعكس سلباً عليهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2016، وبالتالي سينتصر الديموقراطيون عندها رئاسيا مع “هيلاري كلينتون” أو غيرها. هنالك مصلحة جمهورية في التعاون مع أوباما وتوظيف النتائج في المعركة الرئاسية الكبرى بعد سنتين. تصريح السيناتور “ميتش ماكونيل” منذ أيام وهو المرشح لقيادة الجمهوريين يشير الى هذه الرغبة خاصة وأن الأميركيين اختاروا لنفسهم حكم متناقض أي ديموقراطي في الرئاسة وجمهوري في التشريع. لذا فالنتائج الاقتصادية المقبلة ستعتمد الى حد بعيد على قدرة السياسيين الأميركيين على التعاون لمصلحة البلاد والشعب والا سيحصل العقاب القاسي مجددا في سنة 2016.
مشاكل أميركا الاقتصادية كبيرة بدأ من عجز الموازنة وارتفاع الدين العام أكثر من الناتج المحلي الاجمالي الى عجز ميزان الحساب الجاري وغيرها والتي لا تعالج بسحر ساحر، وانما عبر القرارات الصحيحة النابعة من تعاون السلطتين الكبيرتين. كيف سينعكس هذا الواقع الجديد على الدولار في الأسواق العالمية؟
أولاً: هنالك حقيقة وهو أن وضع الدولار لم يتأثر بأزمة أميركا المالية. حصة الدولار من الاحتياطي النقدي العالمي تبلغ 62% كما أن المستثمرين يحملون في محفظتهم 5,6 ألف مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية، ارتفاعا من ألف مليار دولار في سنة 2000. هنالك ثقة عالمية كبيرة مستمرة واضحة في القيادات والمؤسسات المالية والنقدية الأميركية. اللجوء الى أميركا نقدا وأصولا يعتبر لجوءا الى الأمن والآمان النادران جدا في عالم اليوم.
ثانياً: الثقة ما زالت كبيرة في مؤسسة الاحتياطي الفيديرالي الأميركي التي تأسست في سنة 1913، فانتقلت هذه السنة من ادارة “بن برنانكي” الى ادارة “جانيت يللين”. ربما يبقى الدولار النقد العالمي الأساسي ليس بفضله وانما بسبب غياب الخيارات الأخرى العملية والمقبولة شعبيا ومن قبل المؤسسات المالية والنقدية والمصرفية العالمية.
ثالثاً: الخبرة النقدية الموجودة في أميركا لا مثيل لها عالمياً. هذا لا يعني أنَّ وضع السياسة النقدية المناسبة هو أمر سهل، بل على العكس تماما. اختيار تحريك الفوائد في النسبة والاتجاه والتوقيت هو في غاية الصعوبة بالرغم من الخبرات الكبيرة والتجارب الغنية والتقنيات الحديثة المتوافرة. كما أن مهمة الرقابة المصرفية تبقى صعبة في اقتصاد معولم واسع يسمح للجميع بالاستفادة من فرصه ومخاطره المتزايدة.
رابعاً: من التحديات الكبرى المفروضة على الأميركيين القبول بتوسيع الدور الصيني في المؤسسات الدولية القائمة أي مؤسسات “بريتون وودز” من بنك دولي وصندوق نقد، والا لجأت الصين الى تأسيس مؤسسات جديدة منافسة تساهم في اضعاف الجميع. لن تقبل الصين بالاستمرار بالوضع الحالي الذي يعطي دولا غربية كبريطانيا وفرنسا دورا اقتصاديا عالميا اكبر منها، وهي الدولة المرشحة للفوز على أميركا اقتصاديا قبل انتهاء العقد الحالي. لا زال الغرب يهمل المطالب الصينية، ربما مراهنا على مستجدات لا نعرفها بعد. ما نقوله عن الصين، يسري أيضا على الهند.
خامساً: هل هنالك فرصا للـ”بيتكوين” في الفوز مستقبلاً بجائزة النقد الأهم عالمياً؟ وضع هذا النقد الجديد في سنة 2009، لكن سعره يتقلب كثيراً ما يضعف الثقة به. هنالك حوالي 13 مليون وحدة متداولة، وهنالك سقف موضوع بـ21 مليون لا يمكن الوصول اليه قبل سنة 2140 وبالتالي العرض محدود ومضبوط تقنياً. من ميزات الـ”بيتكوين”، تكلفة التبادل بواسطته عبر الحواسب منخفضة كما أن سريته مضمونة تقنيا بحيث لا يمكن تعقب المستثمرين لهدف الضرائب. من مساوئه التقلب الكبير وغياب الرقابة الفاعلة بالاضافة الى امكانية تعرضه للمضاربات والخرق من قبل المخلين بالاستقرار والأمن.
أخيراً، يمكن التفكير بالـ”بيتكوين” كاداة استثمارية جديدة أكثر منه نقد جديد.