Site icon IMLebanon

ماذا يريد اللبنانيون أن يفعلوا بنفطهم؟

OilDollar
ربيع جميل
يكتنف الحديثَ عن النفط والغاز الكثيرُ من الغموض. غموض لا ينحصر بالجمهور العام، بل يمكن لمسه حتى في صفوف المعنيين من خبراء. يمكن بسهولة ملاحظة الكمّ الهائل من التناقض في تشخيص حجم هذه الثروة من جهة والطريقة الأمثل لإدارة ريوعها من جهة أخرى.

خصص معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي العدد الأخير من دوريته نصف السنوية «السادسة» لتقديم ملف متكامل عن إدارة قطاع النفط والغاز وتأثيراتها على المالية العامة. تُعَدّ هذه الخطوة من المبادرات النوعية التي تنقل الحديث من التفاصيل التقنية المرتبطة بحجم هذه الثروة الموعودة إلى طرح إشكالية أساسية مرتبطة بكيفية إدارتها والاستفادة منها بغض النظر عن التناقضات المحتملة بين المتوقع والحجم الحقيقي لما سيُكتَشف. إذ إن الثابت الوحيد الذي يجدر التعاطي معه هو تحول البلد إلى منتج نفطي.
في هذا السياق، يطرح فاروق القاسم، خبير دولي في شؤون البترول، سؤالاً جوهرياً. ماذا يريد أن يفعل اللبنانيون بمواردهم البترولية؟ ويرى أن الإجابة عن هذا السؤال من الأمور الأساسية، حيث إنهم سيفقدون إمكانية طرح السؤال، أو حتى الإجابة عنه، بعد أن تبدأ عملية استخراج هذه الموارد. خاصة أن نفاذها مرتبط بنحو كبير بوتيرة استغلالها. بمعنى آخر، يرتبط بالنهم الذي سيكون لدى الدولة من جهة، والشركات من جهة أخرى لهضم العوائد النفطية. المفارقة أن السؤال، على بساطته، لا نجد له إجابة عند الجمهور، ولا بين صفوف المختصين من خبراء أو سياسيين. هل ستبتلع حاجات الخزينة العامة هذه العوائد، فتستخدم في خفض عجز الموازنة والتخفيف من عبء خدمة الدين العام؟ أم سيصار إلى توزيعها كتحويلات نقدية مباشرة بالتساوي على عموم اللبنانيين كما طرح الوزير الراحل محمد شطح في إحدى المقالات التي أعاد المعهد نشرها من ضمن الملف؟
الواضح أن الجميع ينظر إلى العوائد النفطية بالعقلية نفسها التي تتعاطى مع التحويلات النقدية للمغتربين. أي مصدر إضافي من النقد المتأتي من خارج العملية الإنتاجية، الذي نستخدمه في تمويل الاستهلاك العام والخاص.

كيف يمكن برلماناً
غير منتخب أن يقرر في مسألة تؤثر بمستقبل الأجيال المقبلة؟

بكل بساطة، لا يوجد أكثر من بعض التعليقات لبعض الخبراء أو المؤسسات الدولية التي لا تخرج عن تشخيص النظام المالي الواجب اعتماده لإدارة العوائد. يتحدث البعض عن ضرورة الاستفادة من هذه العوائد لإصلاح قطاع الطاقة في البلد عموماً، وإعادة تصميم قطاع النقل العام ليرتكز على الكهرباء. هل هذا فقط ما يريد أن يفعله اللبنانيون بالعوائد النفطية؟ أم أنهم يريدونها نقوداً مباشرة يستفيدون منها في المزيد من الاستهلاك وشراء العقارات والمنازل السكنية؟ أسئلة تبقى بلا إجابة واضحة.
مرة جديدة تنكشف عورة النظام السياسي والنخب الاقتصادية في البلد. هذه المرة من باب الثروة النفطية الموعودة. فالجميع يفتقر إلى رؤية استراتيجية تنموية للبلاد. قد يكون هذا مفهوما لدى السياسيين، فمصالحهم الوجودية تتناقض مع تطوير استراتيجيات تنمّي البلاد وتحدّثها. إلا أن الغريب هو غياب الاقتصاديين والخبراء، مع بعض الاستثناءات، عن بلورة رؤية استراتيجية وطنية تعطي الجواب الشافي عن سؤال بسيط جداً. كيف سنستثمر العوائد النفطية لإحداث تنمية تضمينية؟ سؤال قد لا تتوافر إجابته إذا لم يتولّ أحد مسؤولية العمل الجدي لتطوير استراتيجية كهذه. هذا ما يحتاج إلى عودة الاقتصاديين إلى ممارسة التنظير الاقتصادي الاستشرافي. دور كبّله اللهث وراء العقود الاستشارية للمنظمات الدولية ورجالات السياسة.
يحدد القاسم مسألة أخرى أساسية، هي أن القانون الدولي ينص على أن الموارد الطبيعية هي ذات منفعة عامة، والحكومات تقوم بمهمة إدارة هذه الموارد، بما فيها التعاقد مع أطراف ثالثة (كالشركات) أو حتى بيعها بموجب تفويض مباشر من المواطنين. لا بل يشدد على ضرورة أن يشارك الأشخاص المعنيون، أي المواطنون بهذه العملية. يقترح انتداب ممثلين عن «المجتمع المدني». في بلد يمدد فيه مجلسه النيابي لنفسه بنفسه ويستغني عن استفتاء الناس مرة تلو أخرى. وفي بلد تستمر فيه الحياة بشكل طبيعي في ظل خلو سدة الرئاسة، يصبح الوقوف أمام مسألة التفويض أمراً أكثر من أساسي. كيف يمكن مجلساً لم ينتخب أن يقرر بمسألة تؤثر في مستقبل الأجيال القادمة من اللبنانيين؟ تفويض الناس إلى ممثليهم انتهى. ما العمل؟ سؤال برسم الجمهور العام.
من ناحية أخرى، وقبل أن نغرق في الموشحات التي ستركز على أهمية تطوير شراكات مع القطاع الخاص في هذا القطاع، علينا تأكيد بديهيتين أساسيتين: أولاً القطاع الخاص ليس جمعية خيرية أو نادياً ثقافياً قروياً، ثانياً كما يقول اسمه، هو قطاع خاص، أي أنه يمثل مصالح فئة محددة ومتراصة ويجمعها هدف توسيع أرباحها والعوائد المتأتية من أنشطتها الاقتصادية. حين ينتمي القسم الأكبر من العاملين في الشأن العام إلى نادي رجال الأعمال والمتحكمين بالريوع الاقتصادية، يصبح لزاماً علينا التساؤل عن كيفية تحديد المصلحة العامة والدفاع عنها؟ وإذا ما أُشرك ممثلون عن المجتمع المدني في أي مشاورات مقبلة، فهل يمكننا الجزم بأن هؤلاء يمثلون إرادة اللبنانيين الحقة! هل المجتمع المدني أو «ممثلوه» يمتلكون التفويض اللازم للدفاع عن مصالح اللبنانيين في هذه القضية؟
يعرض القاسم الوصايا العشر التي انتهجتها النروج في إدارة القطاع النفطي، والتي ترتكز بجوهرها على «ضرورة السيطرة الوطنية على كل القرارات المتعلقة بمنحى عمليات النفط وزخمها». وينهي بثلاث وصايا محورية للواقع اللبناني، وتقوم على ضرورة تطوير الكفاءات الوطنية، رفع كفاءة الدولة التفاوضية، وضرورة الوقاية من الفساد. أين نحن منها؟