عاش اللبنانيون أسبوعاً سياسياً حافلاً تحت عنوان التمديد لمجلس النواب. كان أسبوعاً حافلاً بالمزايدات الشعبوية والحروب الإعلامية على خلفية التمديد الذي كان الجميع اعترفوا علناً بأنه أُقرّ قبل أسابيع طويلة. فحتى أشرس معارضي التمديد في الإعلام العماد ميشال عون كان أكد قبل أكثر من شهرين في مقابلته الأخيرة عبر الـ”OTV” بأن “صفقة التمديد تمّت”. يومها كان يقصد اتفاق الثنائي الشيعي مع تيار المستقبل على التمديد، ولم تكن “القوات اللبنانية” معنية يومها، ولا كان الدكتور سمير جعجع زار المملكة العربية السعودية!
وبعد لقائه الأخير قبل اكثر من شهر مع السيد حسن نصرالله تمّ تسريب معلومات واضحة مفادها أن الجنرال أبدى تفهّمه لضرورات التمديد وإن كان أعلن صراحة أنه لن يصوّت عليه في المجلس.
وبالتالي ثمة أسئلة محقة لا بدّ من طرحها:
ـ لماذا شنّ وزراء ونواب العماد عون هذه الحملة الشعواء على “القوات اللبنانية” في محاولة لتحميلها مسؤولية التمديد؟
ـ ولماذا في الوقت نفسه غضوا النظر عن قيام تيار المردة بشق صفوف تكتل “الإصلاح والتغيير” وحضور الجلسة والموافقة على التمديد، ولماذا غضوا النظر عن تمرّد حزب الطاشناق على قرار التكتل بالمقاطعة فشارك نائبا الحزب في الجلسة رغم تصويتهما ضد التمديد؟
ـ ولماذا التغاضي عن كون “حزب الله” من أبرز الذين مهّدوا وسعوا الى التمديد نظراً لانشغاله في القتال في سوريا؟
ـ والأهم لماذا محاولة استعادة ماضي الحروب المسيحية التي يجهد المسيحيون لنسيانها وطي صفحتها؟
إن العودة للتذكير بمرحلة اتفاق الطائف لا تخدم الجنرال على الإطلاق، فهو اليوم نائب ويترأس كتلة نيابية تشرّع بموجب “الطائف”. وهو اليوم يسمّي وزراء له تحت سقف “الطائف”، لا بل وأيضا يترشّح الى رئاسة جمهورية يحكمها دستور “الطائف”. فبماذا يعيّر سمير جعجع اليوم؟ وألم يكن من الأفضل للبنان، ولمسيحيي لبنان لو قبل العماد عون بـ”الطائف” في العام 1989 وسلّم قصر بعبدا الى الرئيس الشهيد رنيه معوّض وتشكلت حكومة وفاق وطني تضمّ عون وجعجع والشهيد داني شمعون والراحل جورج سعادة؟ ألم نكن لنوفّر على المسيحيين أكثر من ألفي قتيل و300 ألف مهاجر الى بلاد الله الواسعة وخسائر اقتصادية بمليارات الدولارات؟
ولو لم يتولّ عون شنّ حرب الإلغاء وبقيت “القوات اللبنانية” قوية هل كان يمكن لأحد أن يلزمها تسليم سلاحها قبل أن يسلّم “حزب الله” وحركة “أمل” والسوريون القوميون والفلسطينيون أسلحتهم الى دولة “الطائف” برئاسة رنيه معوّض الذي احتفلنا بذكرى انتخابه الـ25 قبل أيام ونحتفل بذكرى استشهاده الـ25 بعد أيام؟
لا، ليس هكذا تتم استعادة التاريخ، وربما من الإنصاف للجميع ألا يحاول أحد أن يقدّم رواية مبتورة ومشوّهة عن الحقبة التي كسرت ظهر المسيحيين بالمعنى السياسي والعسكري بسبب حرب تحرير فاشلة وسباق الى السلطة لم يشهدوا مثيلاً له في تاريخهم القديم والحديث.
إن ما يحتاجه المسيحيون اليوم هو لملمة شتاتهم والمسارعة الى ملء الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية برئيس واقعي يحفظ الحد الأدنى المطلوب من هيبة الرئاسة والدولة، لا أن يعودوا الى نبش القبور والتراشق الإعلامي تنفيساً لأحقاد قديمة في حين تسقط معالم الدولة والجمهورية وآخر المواقع المسيحية في هذا الشرق!
إن التمديد لمجلس النواب بات وراءنا، ومن المفيد وقف كل الحملات المتبادلة اليوم قبل الغد، ومن الواجب على الجميع تقديم المصلحة اللبنانية وأهمية موقع الرئاسة على ما عداه من طموحات شخصية، فيتعظ من يعنيهم الأمر قبل فوات الأوان وقبل أن تسقط القسطنطينية مرة جديدة!