موريس متى
أقر مجلس الوزراء في جلسته نهاية تشرين الأول 2014، مبلغ 30 مليار ليرة تعويضات لإعادة تأهيل وإنماء المناطق المتضرّرة جرَّاء المعارك التي شهدتها أخيراً مدينة طرابلس، ولكن هذا المبلغ يعتبر ضئيلاً جدا أمام حجم الدمار الذي لحق بهذه المناطق المتهالكة أصلاً والتي تعاني أزمة إقتصادية ومعيشية وإنسانية هي الأصعب مقارنة بما تشهده مناطق لبنانية أخرى.
عاصمة الشمال عانَت ولا تزال من الفقر والحرمان والبطالة وليس الفقر العادي، بل المدقع، إذ تكشف الارقام ان نسبة الذين يعيشون فيها ضمن ظروف صعبة بلغت حوالى 60% من عدد سكان المدينة الذي يتخطى الـ 500 الف نسمة وترتفع الى 80% في بعض الاحياء، فيما تصل نسبة الذين يقبعون تحت خط الفقر، أي الذين يعيشون بأقل من دولارين يومياً، الى نحو 23% من السكان. وقد تعدّت نسبة البطالة في المدينة أكثر من 35%، علماً بأن طرابلس تحتاج سنوياً الى توفير ما بين 2500 و 3000 وظيفة، أما اليوم فلا يتخطى عدد الوظائف الجديدة 400 فرصة عمل سنوياً.
وطرابلس التي قدمت للبنان رؤساء حكومات وعشرات الوزراء والنواب، تعاني منذ أعوام حرماناً إنمائياً وإقتصادياً وغياباً للمشاريع، رغم انها تملك المقوّمات الأساسية التي قد تجعل منها عاصمة اقتصادية ثانية للبنان بعد بيروت ومنها، مرفأ طرابلس ومعرض رشيد كرامي الدولي و”مطار الرئيس رينه معوض” ومصافي النفط، إضافة الى أهمية ما تقدمه على الصعيد التجاري مع الأسواق القديمة وما تحتويه من حرف كسوق النحاسين والعطارين والحلويات والصابون والصاغة والحمَّامات والمفروشات، فضلاً عن طاقات الشباب والمنطقة البحرية المؤهلة لتكون مركزاً سياحياً بامتياز. ولكن رغم كل تلك المقومات، تعتبر طرابلس اليوم من أكثر المدن فقراً على ساحل المتوسط بحسب المنظمات الدولية.
مدينة “أم الفقراء”
تعتبر باب التبانة أكثر المناطق في طرابلس تقدماً ضمن مؤشر الحرمان بنسبة 91 % استناداً الى تقرير الألفية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويعيش فيها أكثر من 56 الف نسمة يتوزعون على 8800 وحدة سكنية، أي بمعدل 7 أشخاص في المسكن الواحد.
وإستناداً إلى دراسة لمؤسسة البحوث والاستشارات، فإن حوالى 73% من الأسر في طرابلس لا تملك أي نوع من التغطية، فيما تبلغ هذه النسبة أقصى مستوياتها في مناطق التبانة، إذ تقدّر بـ90%، وفي وقت تصل الى 83% في أبو سمرا 82% في القبة وجبل محسن و 47% في منطقة الميناء وبساتين طرابلس.
وفي سياق آخر، إنعكست الاوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها أهل المدينة على المستوى التعليمي لسكانها، إذ تشير دراسة أجرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الاسكوا” نهاية 2012، الى أن نسبة الأميّة في طرابلس تبلغ 11%. وتلفت الى أن نسبة 65% من التلامذة يتوجهون الى المدارس الرسمية، و30 % منهم نحو المدارس الخاصة.
واللافت أيضاً، ان نسبة الولادات التي لا تزال تتم في المنازل وتصل الى 10% من إجمالي الولادات في مؤشر واضح الى الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تعانيها المنطقة، والتي يتلقى أكثر من 51% من مواطنيها علاجهم في مستشفيات حكومية و35% في مستشفيات خاصة.
مؤسسات على شفير الافلاس
في مدينة طرابلس أكثر من 14000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة منها حوالى 600 مؤسسة شارفت التعثر المالي والاقفال بعدما أدى تراجع الحركة التجارية في المدينة بأكثر من 20% خلال الأعوام الثلاثة الماضية الى تراكم الديون عليها. وفي غياب الدعم الرسمي، إرتفعت في الأشهر القليلة الماضية نداءات هذه المؤسسات للقطاع الخاص وتحديداً القطاع المصرفي نتيجة للمطالبة بايجادِ برامج تمويلية بفوائد منخفضة ولمدة طويلة الأجل، والعمل على إعادة جدولة بعض ديونها لمنع انهيارها. وتعتبر هذه المؤسسات أن التمويل الذي قد تؤمنه المصارف سيجعلها قادرة على دفع ضريبة القيمة المضافة المستحقة والضرائب والاشتراكات، إذ باتت تشكل ديون المؤسسات للدولة وحدها ما بين 40 و 50% من إجمالي الديون المترتبة عليها.
مؤتمر اقتصادي إتقاذي
جميع الفاعليات الاقتصادية والاجتماعية في المدينة تطالب حالياً بعقد مؤتمر إقتصادي – إجتماعي إنقاذي عاجل لوضع خطة شاملة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لكل مناطق الحرمان في المدينة، وتوفير التعليم وفرص العمل، واستهداف الفقر عبر تحفيز الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمرار، وتحديد المتطلبات التي من شأنها إيجاد بيئة اقتصادية جاذبة للمستثمرين والاستفادةِ من البرامجِ الوطنيةٍ والدولية، والتي من شأنها المساهمة في تنمية بيئةِ الأعمال. كذلك تطالب فاعليات المنطقة بالإسراع في تنفيذ عدد من المشاريع التي أقرتها الحكومة لتأهيل وتنمية عاصمة الشمال ومنها مشروع بقيمة 60 مليون دولار يتضمَّن إنشاء السكة الحديد من المرفأ إلى الحدود السورية، إضافة الى ردم أكثر من 500 الف متر مربع من البحر لإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، وإقامة محطة تسفير في التل. وفي النهاية، لا بدّ من الاشارة الى انه وعبر إعادة إحياء إقتصاد طرابلس وجعلها موقعاً جاذباً للإستثمار، يمكن القضاء ايضاً على أبرز العوامل التي ترفع من نسب التطرف والجريمة والفلتان الأمني، وهي الفقر والحرمان والبطالة، ما يساهم في تدعيم الاستقرار الأمني في المنطقة.