كتبت نايلة تويني في “النهار”: في 5 تشرين الثاني 1989 انتخب رينيه معوض رئيساً للجمهورية اللبنانية، الاول في مرحلة ما بعد اقرار اتفاق الطائف، وفي 22 منه اغتيل اثر استقباله المهنئين بعيد الاستقلال. لم ينل فرصة لتنفيذ ما كان يطمح اليه، لكن الاكيد انه اراد تنفيذ اتفاق الطائف من دون تعطيل أو تحوير. وقد أودى به ذلك، لأن سلطة الوصاية التي لم يعجبها الاتفاق ارادت تعطيله من الداخل، تماما كما حولت قوات الردع العربية عن مسارها فاذا بها تصير سورية وقوة احتلال، فقد عالج الطائف مشكلة العلاقة مع سوريا ورسم معالم اعادة تنظيمها تمهيدا لاعادة انتشار جيشها قبل الانسحاب الكامل من لبنان في أيلول 1992. وهذا الامر لم يرق القيادة السورية التي أشرفت على أمن الرئيس الجديد الذي لم يبلغ قصر بعبدا، ويروى ان ضابط المخابرات السورية جامع جامع كان يسير دائماً في طليعة موكب الرئيس المنتخب، متقدما سيارته نحو 200 متر. وعند حصول الانفجار قرب ثانوية رمل الظريف كان جامع قد وصل الى محاذاة منزل الرئيس سليم الحص، فتابع سيره وكأن شيئاً لم يكن.
ليس الهدف نبش القبور وتنفيذ محاكمات علنية، على رغم أن كل ملفات الاغتيالات السياسية عالقة أمام المجلس العدلي، ولا يتقدم التحقيق فيها، بل ربما لا يجرؤ أحد على سبر اغوارها، لانه قد يلقى المصير نفسه فيما لو أمسك بأدلة تشير الى القاتل أو ادواته، الامر الذي احتاج الى محكمة دولية خاصة بلبنان قامت اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، اذ كان طفح الكيل من الجرائم التي ترتكب من دون امكان الوصول الى حقيقة ما. أما الغاية من اثارة الموضوع اليوم فهي اولا تذكر الرئيس الشهيد الذي دفع ثمن وطنيته، وتذكره قد يكون عبرة للمرشحين الذين باتوا يضحون بالبلد من أجل الحصول على المقعد، لا العكس، فلا يتوانون عن تعطيل الحياة السياسية والديموقراطية والوطنية، بل لا يتوانون عن تعطيل الوطن وجعله عرضة لكل تدخل اجنبي ولأفكار مشوشة تهدف الى ضرب الصيغة الفريدة التي قام عليها، والتي تتعرض لتجويف يومي، حتى اذا ما استمرت، صارت هيكلاً فارغاً من كل مضمون، محكوما بالاكثريات وبقوة السلاح والمال.
اليوم نقف على أبواب عيد الاستقلال، عيد استقلال يعيدنا الى الوراء، بل نواجه الاستحقاق الصعب من اغتيال الرئيس معوض، لان الدولة تحتفل باستقلال معلق ومنقوص، فهي بلا رأس، والاغتيال يطاولها في بنيتها مهما قيل عن الصلاحيات التي تمارسها الحكومة مجتمعة، وعن تشريع الضرورة في مجلس النواب. انها محاولات الاغتيال تتكرر. عام 1989 اغتالت الرئيس قوة خارجية لمنع انطلاق مسيرة السلم الاهلي، واليوم تغتال الوطن قوى داخلية تنقاد او تنسجم مع مآرب تحققها قوى خارجية.