بدا الواقع الداخلي في لبنان مقبلاً على ارتباك واسع في إعادة ترتيب الأولويات الرسمية والسياسية، في مطلع مرحلة، من شأنها ان ترسّخ المناخ السياسي والأمني السائد حالياً حتى إشعار آخر يصعب التكهّن بمداه الزمني.
واذ عكستْ عودة السجالات الإعلامية بين بعض القوى الداخلية الى مستويات عالية من الحدة هذا الارتباك، عقب التمديد لمجلس النواب الذي بات ساري المفعول اعتباراً من، امس، مع نشْر قانون التمديد في الجريدة الرسمية، فان ثمة انطباعات ومعطيات متجمعة لدى أوساط واسعة الاطلاع، تشير الى ان 4 عناوين أساسية ستشغل المرحلة الطالعة داخلياَ، وتتلخص بالآتي:
اولاً: يجري العمل خلف الكواليس وعلى أيدي بعض الوسطاء المحليين الأساسيين، على عدم تفويت فرصة المرونة التي لاحت أخيراً بين «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) و«حزب الله» عبر تبادُلهما رسائل مباشرة حول الاستعداد لإحياء حوار بينهما، ظلّت معالمه أقرب الى رسائل حسن نيّات، ولم تُترجم بعد بأي خطوة عملية ملموسة.
وتذكر الاوساط لـ«الراي» ان هذا المسعى، يجري التشاور في شأنه على نار هادئة، من دون أوهام كبيرة في إمكانات نجاحه، لئلا تصطدم هذه الجهود بجدار الحساسيات والخلافات العميقة المستحكمة بين الفريقين، ولكنه مسعى قد يشكل في حال إقلاعه اختراقاً مهماً للغاية، بعدما تقاطعت مصالح الجانبين في أكثر من مفصل داخلي، انطلاقاً من تشكيل الحكومة الحالية، ووصولاً الى التمديد لمجلس النواب، رغم الخلافات الجذرية حول غالبية الملفات الداخلية والاقليمية.
ثانياً: يبدو واضحاً، ان ثمة اتجاهات لتطبيع مرحلة انتظار طويلة اضافية مع أزمة الفراغ الرئاسي التي عادت لتشكل نقطة خلط للأوراق الداخلية من دون اي جدوى. ذلك ان التصعيد السياسي والإعلامي الذي برز في المواقف الأخيرة للعماد ميشال عون تجاه «تيار المستقبل» والردود التي صدرت عليه من بعض النواب في كتلة الرئيس الحريري، عكست من دون اي شك، سقوط كل المناخ المرن بين الجانبين، بما يُفسَّر يأساً من جانب عون في رهانه على موقف ايجابي لـ «المستقبل» من ترشحه للرئاسة الاولى.
وإذا كان من مؤشرات هذا اليأس ايضاً انعدام الرهان على حلحلة في الملف الرئاسي راهناً لان فريق«8 اذار» لا يبدي اي استعداد للتراجع عن دعم عون، فان الاوساط الواسعة الاطلاع تبدو جازمة بأن لا شيء يدعو الى التفاؤل بإمكان تحقيق اختراق في الأزمة الرئاسية في المدى المنظور. وتبعاً لذلك سيجري العمل على المسارين النيابي والحكومي ببرْمجة مزدوجة، الاولى تتعلق بإحياء اللجنة النيابية المكلفة درس قوانين الانتخاب المطروحة على مجلس النواب، والثانية تتصل بتزخيم العمل الحكومي في شأن الكثير من القضايا الملحة العالقة اجتماعياً واقتصادياً وإنمائياً.
ثالثاً: الأزمة الناشئة بين البطريركية المارونية والطبقة السياسية في لبنان في ضوء ملف التمديد للبرلمان الذي اعتبره البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «غير دستوري وغير شرعي» وهجومه اللاذع على النواب الذين ساروا بالتمديد واولئك الذين رفضوا ولم يستقيلوا، اضافة الى الموضوع الأهمّ بالنسبة الى الكنيسة «وهو استمرار الفراغ الرئاسي، وسط توقعات بان تشهد بكركي سلسلة لقاءات في الايام المقبلة مع اقطاب مسيحيين في محاولة لاحتواء(عاصفة التمديد) وإبلاغ البطريرك ما يشبه التحفظ عن(مساواة) جميع النواب بمعرض الحديث عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر الكثير من النواب المسيحيين ان المسؤولية فيه تقع بالدرجة الاولى والأخيرة على العماد عون الذي يقاطع ومعه نواب(حزب الله) جلسات الانتخاب بحجة رفض انتخاب غيره رئيساً، في حين ان قوى( 14 اذار) طرحت مبادرة واضحة أبدت فيها استعدادها لمرشح تسوية من خارج فريقها وخارج فريق( 8 اذار)، معلّقة بذلك ضمناً ترشيح رئيس حزب (القوات اللبنانية) الدكتور سمير جعجع».
رابعاً: على المستوى الأمني الذي يظلّ الأولوية الأساسية في البلاد، تفيد الاوساط نفسها، انه رغم الارتياح الواسع لإنجازات الجيش اللبناني المستمرة بوتيرة يومية في تعقب الإرهابيين وتوقيف أعداد كبيرة منهم، فان العين تبقى مفتوحة على احتمالات حصول اختراقات واستهدافات جديدة على الحدود الشرقية الجنوبية مع سورية وفي الداخل. ذلك ان احتدام المعارك في أنحاء شتى من الحدود الشرقية والجنوبية لا يسمح باي استرخاء أمني وعسكري داخلي، بل ان القيادات العسكرية والأمنية اللبنانية تتحسّب لإمكان تطوير التنظيمات الارهابية أساليبها المباغتة في استهداف لبنان، وهي لا«تنام على حرير» المكاسب والإنجازات التي تحققها القوى العسكرية والأمنية رغم الأثر الكبير والفعال الذي تركته هذه الحملات في إضعاف خلايا هذه التنظيمات وضعضعتها الى حدود كبيرة.