في موازاة معركة التمديد التي ظلت “معركة صامتة” على امتداد أسابيع، اندلعت خلافات على طاولة مجلس الوزراء بين وزراء أمل والتيار الوطني الحر، ولكن جرى تطويقها على وجه السرعة وساهمت زيارة العماد ميشال عون الى عين التينة في تبريد الأجواء ووضع هذه الخلافات في إطارها بوصفها خلافات تقنية وليست سياسية.
وأشارت صحيفة “الأنباء” الكويتية إلى أنه بعدما وضعت معركة التمديد أوزارها، انفجر الخلاف بين عون وبري مباشرة وصار من الصعب إعطاؤه طابعا تقنيا، فالخلاف سياسي بامتياز وتعكسه طبيعة المآخذ والانتقادات المتبادلة:
٭ الرئيس نبيه بري أزعجه أمران: الأول أن عون أخل بالتزام وتعهد قطعه له في لقاء عين التينة بأنه سيحضر جلسة التمديد وسيصوت ضده. وهذه المقاطعة وضعت الجلسة أمام خطر فقدان ميثاقيتها لولا مشاركة نواب “القوات” و”المردة”.
والأمر الثاني أن عون لم يجد مشكلة في عدم حصول التمديد النيابي، معتبرا أن الحكومة تبقى وتستمر بصلاحياتها بعد التمديد ولا تكون مشمولة بحالة الفراغ. وهذا الموقف اعتبره بري موجها ضده بحيث انه لا مشكلة لدى عون في فراغ السلطة التشريعية وفي انتهاء ولاية ودور رئيس المجلس النيابي.
٭ العماد ميشال عون أزعجه أيضا أمران: الأول أن بري أعطى “القوات اللبنانية” إمتيازا ميثاقيا، بمعنى أنها مخولة ومؤهلة لإعطاء غطاء مسيحي للتمديد، وبما يعني من جهة الاعتراف بالقوات قوة سياسية أساسية على الساحة المسيحية، ومن جهة ثانية الاستغناء عن عون وكتلته وخدماته السياسية بحيث لم يعد ممرا إلزاميا في معادلة المشاركة والميثاقية.
وتردد أن حزب الكتائب انزعج أيضا من بري لأنه قال إن الميثاقية لا تتأمن إلا من خلال مشاركة القوات أو التيار الوطني الحر متجاهلا حزب الكتائب وموقعه، فكان أن قرر مقاطعة الجلسة بعدما كان يتجه الى الحضور مع التصويت ضد. أما الأمر الثاني الذي أزعج عون فكان تجاهله التام من جانب بري الذي لم يعر موقعه أهمية واكتراثا وأدار الظهر له في أثناء إعداد “طبخة التمديد” والبحث عن مخارج.
فقد كان عون ينتظر أن يسأل عن مرحلة ما بعد التمديد وأن يتم التعويض عليه عبر قانون الانتخابات أو الاستحقاق الرئاسي.
خرج العماد عون من معركة التمديد “جريحا” بالمعنى السياسي للكلمة وهو يحمل بري جزءا مما أصابه ولحق به من “أذى سياسي ومعنوي”، ولكنه يوقف الأمور عند هذا الحد ويقول: “أنا لا أريد التصعيد مع الرئيس بري لأن أحدا لا يربح من ذلك، ولأن مشكلتي ليست معه بل في مكان آخر”.
اختار عون وجهة أخرى لمعركته السياسية هي “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري، فأعلن توقف الحوار الذي انطلق مع حكومة سلام وتعثر عند عتبة الاستحقاق الرئاسي ووضع عون حدا لحواره الرئاسي مع الحريري معترفا بأنه لم يصل الى نتيجة وأن رهانه على الحريري كان خاطئا.
ولكن عون يعلن من حيث يدري أو لا يدري انسحابه من معركة الرئاسة بعدما كان قدم نفسه رئيسا وفاقيا مشترطا الحصول على “الصوت السني” وطالبا من “حزب الله” عدم تبني ترشيحه علنا حتى لا يفقد هذه الصفة (الوفاقية) وفرصته في الوصول الى قصر بعبدا.
وجاء إعلان السيد حسن نصرالله أن العماد عون هو “مرشحنا الفعلي والطبيعي” كتعويض معنوي له عن التمديد، ولكن ليشكل أيضا إعلانا أن فترة الانتظار و”السماح” التي أعطاها “حزب الله” لحوار عون الحريري قد انتهت. والآن حان دور حوار “حزب الله” مع الحريري.
وما يخشاه عون ويتحسب له أن يكون هذا الحوار في صلبه وأساسه “حوارا رئاسيا” أي حوارا حول رئاسة الجمهورية وأن يتكرر سيناريو العام 2008 وأن يكون للرئيس بري دور من وراء الستارة وبالتنسيق مع جنبلاط في تحريك عملية “الرئيس التوافقي” وتحت غطاء قنبلة دخانية هي “إعادة فتح ملف قانون الانتخابات”.