نعمت أبو الصوف
تعاني شركات النفط العملاقة من التأخير المزمن وتجاوز التكاليف في تنفيذ مشاريع النفط والغاز العملاقة التي أصبحت تهيمن على نحو متزايد في أنشطتها الاستثمارية. في هذا الجانب، يشير عدد من الدراسات التي صدرت أخيرا إلى أن تجاوز الميزانية المقررة للمشاريع العملاقة بلغ في المتوسط بين 60 إلى 80 في المائة، في حين أن التأخير في التنفيذ كان بحدود 55 إلى 75 في المائة. إن حجم واستمرار هذه المشكلات يمكن أن يمثلا دون منازع التحدي الأكبر الذي يواجه الصناعة النفطية الآن وفي المستقبل، ويساعد على تفسير الضغوط الأخيرة التي تعرضت لها شركات النفط العملاقة من قبل المستثمرين لكبح جماح الإنفاق والسيطرة على التكاليف.
من الصعب جدا تحديد مدى هذه التجاوزات في التكاليف ومدة التأخير في التنفيذ، حيث تنطوي هذه العملية على منهجيات وبيانات مختلفة، لكن اللافت للنظر هو التشابه في النتائج. لقد نشرت شركة إرنست-يونج (التي تعرف حاليا EY) في شهر آب (أغسطس) الماضي أكبر مسح شامل للمشاريع الكبرى في الصناعة النفطية. شمل المسح نحو 365 مشروعا عملاقا في قطاعات صناعة النفط والغاز المختلفة، وبكلفة لا تقل عن مليار دولار لكل مشروع، ووجدت الدراسة أن نحو 64 في المائة من هذه المشاريع تجاوز على الميزانية المقررة وأن 73 في المائة تأخر عن الجدول الزمني المحدد. شمل المسح مشاريع في جميع مراحل التنفيذ، لكن اللافت للنظر أن المشاريع التي تجاوزت بالفعل قرار الاستثمار النهائي (FID)، تجاوز 65 في المائة منها على الميزانية.
تشير الدراسة أيضا إلى أن التأخير في التنفيذ وتجاوز التكاليف كان سائدا في جميع القطاعات، في جميع المناطق وفي جميع أنواع الشركات – العملاقة، شركات النفط الوطنية والشركات المستقلة – ما جعل هذه المشكلة عالمية بالنسبة للصناعة النفطية. هناك مجموعة واسعة من الأسباب وراء التأخير وتجاوز التكاليف، لكن في النهاية معظم هذه الأسباب ينبع من حجم وتعقيد المشاريع العملاقة التي تتجاوز كلفها الرأسمالية مليارات الدولارات. ووجدت الدراسة أن مشاريع الغاز الطبيعي المسال، المصافي، خطوط الأنابيب والمشاريع الاستخراجية العملاقة، جميعها تواجه مشكلة تجاوز التكاليف، بنسبة تتراوح بين 62و67 في المائة لجميع المشروعات العملاقة ضمن هذه المجموعة الواسعة من القطاعات.
لكن حجم المشكلات في تجاوز تكاليف المشاريع العملاقة يختلف حسب القطاعات، حيث إن المشاريع العملاقة للغاز الطبيعي المسال عادة تتجاوز التكاليف بنحو 70 في المائة، في حين ان مشاريع خطوط الأنابيب أقل عرضة لتجاوز التكاليف، لكن مع ذلك تعد كبيرة، حيث في المتوسط تتجاوز التكاليف بنحو 41 في المائة. لا يوجد أي منطقة في العالم بمنأى عن تجاوز الميزانية، حيث إن غالبية المشاريع العملاقة في أي منطقة من العالم متضررة.
على الرغم من أن هناك وعيا عاما لمشكلات إدارة المشاريع هذه، من الأمثلة البارزة على ذلك تطوير حقل كاشاغان في كازاخستان، ومشروع جورجون للغاز الطبيعي المسال في أستراليا، إلا أن الموازنات الرأسمالية الضخمة الممنوحة لمثل هذه المشاريع التي وصلت إلى 100 مليار دولار قد غطت على مدى تأثير هذه المشكلات.
في الوقت الحاضر هناك إذعان من قبل شركات النفط العملاقة للنداءات التي وجهها المستثمرون بضرورة المزيد من الانضباط في التكاليف الرأسمالية للمشاريع، لكن هذه هي انتقادات موجهة إلى صلب مشكلة المشاريع العملاقة. حيث إن في مواجهة انعدام الفرص الاستثمارية في مشاريع النفط السهلة، اضطرت الشركات إلى التركيز على تطوير المشاريع الأكثر كلفة والأكثر تعقيدا في مصادر المياه العميقة، تشكيلات النفط الثقيل غير التقليدية، الصخر الزيتي ومشاريع الغاز الطبيعي المسال العملاقة.
لكن مع ارتفاع التكاليف لمثل هكذا مشاريع عملاقة، بدأت الشركات البترولية بتبني نهج أكثر تحفظا، حيث بدأت إعادة النظر في تصاميم مشاريع الحقول البحرية العالية التكاليف بهدف تقليصها، وتأخير قرار الاستثمار النهائي لها، وفي نهاية المطاف تأجيل بدء التشغيل. والأمثلة على ذلك كثيرة منها مشروع شركة شتات اويل يوهان، المرحلة الثانية لمشروع برتش بيتروليوم ماد دوك (Mad Dog II) في خليج المكسيك، ومشروع شيفرون روز بانك في المملكة المتحدة، وغيرهما.
وما زاد المشكلة تعقيدا هو الانخفاض الأخير في أسعار النفط. عندما كانت الأسعار ترتفع أو لا تزال عالية إلى حد ما، كان من الأسهل استيعاب الزيادات في التكاليف والتأخير في بدء التشغيل. لكن في بيئة الأسعار الضعيفة، أصبح ذلك أصعب بكثير – في أسوأ الاحتمالات، العدد الكبير من المشاريع العملاقة غير المكتملة يمكن أن يفاقم دورة الاستثمار التقليدية لصناعة النفط. والخطر هو تفاقم المدة الزمنية للتنفيذ وارتفاع التكاليف الرأسماية للمشاريع النفطية على مدى العقد الماضي نتيجة التوسع في تنفيذ المشاريع العملاقة واستراتيجية الاستثمار المركزية للشركات، وخاصة بالنسبة للشركات العملاقة وبعض شركات النفط الوطنية.
بينما اتخاذ نهج أكثر صرامة في التكاليف الرأسمالية للمشاريع قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشاريع العملاقة، إلا أن باقي المشاريع التي تعد أساسية لاستراتيجيات الشركة من المرجح أن تستمر حتى في حالة تدهور الظروف الاستثمارية، ما قد يفاقم من التقلبات في دورة الاستثمار.