سليمان الخطاف
انخفضت أسعار النفط بحوالي 30% منذ شهر يونيو الماضى، وسجل خام غرب تكساس 76 دولارا للبرميل وهو أقل سعر منذ ثلاث سنوات، وبدوره سجل خام برنت 82 دولارا وهو أيضاً قاع جديد في 4 سنوات. ويرى بعض المتابعين ان مستوى هذه الأسعار سيحد من منافسة النفوط غير التقليدية ومصادر الطاقة الاخرى مثل السيارات الكهربائية والوقود الحيوى.
وفي هذا السياق صرح أمين عام اوبك مؤخراً ان سعر 80 دولارا للبرميل سيجعل من نصف مشاريع الزيت الصخرى الامريكية غير مجدية اقتصادياً، وبالتالى سيتوقف بعضها. ولكن هنالك من يعتقد ايضاً ان صناعة النفط غير التقليدى فى امريكا بإمكانها تحمل سعر 70 دولارا للبرميل لعدة أشهر وذلك بتقليص بعض تكاليف النقل.
إن انخفاض أسعار النفط قد يساعد الاقتصاد الأمريكى على النهوض والنمو، فلقد أدى تدهور أسعار النفط إلى هبوط سعر جالون البنزين في أمريكا إلى أقل من 3 دولارات لأول مرة منذ 2010م. وتستهلك أمريكا يومياً حوالي 370 مليون جالون بنزين، ولقد وصل معدل سعر الجالون فى عام 2013م الى حوالي 3.5 دولار. وبانخفاض سعر الجالون الى اقل من 3 دولارات، سيوفر مستهلكو البنزين فى أمريكا حوالي 185 مليون دولار يومياً من سعر البنزين هذا عدا الديزل ووقود الطائرات.
ولكن سيؤدي الاستمرار في انخفاض أسعار النفط الأمريكى إلى بعض التردد فى الاستثمار في مشاريع جديدة للزيت الصخرى، لذلك فان استيراد امريكا لنفط اوبك سيرتفع. ولقد فقدت دول أوبك كثيراً من حصصها في السوق الأمريكي لصالح النفط غير التقليدى، إذ انخفضت قيمة صادراتها لأمريكا من حوالي 6 ملايين برميل باليوم في عام 2008م إلى حوالي 3 ملايين برميل باليوم حالياً.
وعلى سبيل المثال، استوردت امريكا فى عام 2010م اكثر من مليون ونصف المليون برميل باليوم من نيجيريا والجزائر، قد تم الاستغناء عنها الان تقريباً بالكامل. واذا استمرت امريكا وكندا بتطوير المزيد من الحقول غير التقليدية فان مستقبل نفوط أوبك في أمريكا يبقى غامضاً. ولذلك فان من مصلحة أوبك ان تسعى لتصدير المزيد من نفطها لأمريكا. وتستطيع اوبك فعل ذلك إذا خفضت أسعار نفطها لتصبح أفضل من أسعار الزيت غير التقليدى المنتج فى تكساس وداكوتا الشمالية وكندا. تقدر كلفة تصدير نفط اوبك الى امريكا بحوالي 20 دولارا للبرميل، تصل كلفة إنتاج نفوط أمريكا الشمالية غير التقليدية إلى حوالي 65-75 دولارا.
لندع السوق يحكم ولندع أساسيات العرض والطلب وتكلفة الإنتاج ترجح كفة نفط أوبك أو النفط غير التقليدى في أمريكا الشمالية.
ولو قارنا ما حصل مع شركات إنتاج الغاز الصخري في أمريكا؛ لأدركنا ما قد يحصل لشركات إنتاج الزيت الصخرى. فلقد ادى الارتفاع الكبير فى انتاج الغاز الصخري في السوق الأمريكية الى تدهور أسعاره في ابريل من عام 2012م الى اقل من دولارين لكل مليون وحدة حرارية وهى أقل بثمانية أضعاف من الأسعار العالمية انذاك.
وهنا بدأت كثير من شركات إنتاج الغاز الصخري بالتحول عن انتاج الغاز؛ لأن هذه الأسعار تعتبر أقل من سعر التكلفة، وأضرت باستثماراتها الهائلة فى هذا المجال. وعلى سبيل المثال فلقد دفعت شركة اكسون41 بليون دولار فى عام 2010م؛ للاستحواذ على شركة XTO التى تنتج الغاز الصخرى غير ان الهبوط الكبير لأسعار الغاز الطبيعى بامريكا اصاب اكسون بالضرر. وبدأ رئيس اكسون يردد أن الأوضاع الحالية تعد خسارة كبيرة للشركة ولصناعة الغاز فى امريكا. وتوقع كثير من المحللين توقف إنتاج الغاز الصخرى بأمريكا؛ إن استمرت الأسعار بالانخفاض. ولكن برودة الطقس وسماح الادارة الأمريكية لعدة شركات بتصدير الغاز الطبيعي المسال الى اوروبا واسيا وقيام الكثير من المشاريع البتروكيماوية؛ أدى إلى تعافي أسعار الغاز، وارتدادها الى مستويات 4 دولارات والتي ما تزال أقل بكثير من الأسعار العالمية.
وهذا ما سيحصل لشركات النفط الصخري إن استمرت الأسعار بالتراجع، ولكن تبقى مشكلة هذه الشركات الكبيرة بأنها لا تستطيع تصدير إنتاجها من الزيت الصخري خارج أمريكا. وكلنا يعلم ان كلفة إنتاج هذا النوع من النفط عالية، وحتى النفط الرملي الكندي لا تقل كلفة إنتاجه هو والنفط المستخرج من القطب الشمالي عن 70 دولارا للبرميل. وأما بدائل الوقود الأخرى مثل الوقود الحيوى فلا شك انها ستواجه أوقاتاً صعبة، وذلك لان متوسط سعر النفط ينافس هذه الأنواع من الوقود العالي التكلفة. وبالتالى ستتوقف الاستثمارات في وقود الطحالب والوقود الحيوى والسيارات الكهربائية.
ويبقى السؤال من هو المتضرر الأكبر من انخفاض أسعار النفط، هل هي دول أوبك أم شركات إنتاج النفوط غير التقليدية أم مصادر الطاقة الأخرى أم أمن الطاقة الأمريكى أم دول خارج أوبك كروسيا والنرويج؟.
وفي حين قد لا يعاني الاقتصاد العالمي من هبوط أسعار النفط، ستعاني أوبك قليلاً من انخفاض الأسعار إلى 75-85 دولارا للبرميل. وأما المتضرر الاكبر فستكون الشركات المنتجة للنفط عالي التكلفة، وقد تذهب أحلام أمن الطاقة الأمريكي أدراج الرياح.
وفي الختام، ستعقد أوبك اجتماعها الدوري رقم 166 في فيينا، في 27 نوفمبر الحالي؛ لمناقشة أهم التطورات على الصعيد العالمى بالنسبة لأسعار النفط. ولا يمكن إلقاء اللوم على دول أوبك لوحدها فى وفرة العرض. ففي حين تنتج أوبك حوالي 30.5 مليون برميل باليوم يصل إجمالي الإنتاج العالمي حوالي 91 مليون برميل باليوم. وتنتج روسيا حالياً اكثر من 10.6 مليون برميل باليوم أي اكثر من ثلث انتاج أوبك، ولذلك فإن التنسيق مع روسيا وهى من أكبر البلدان المصدرة للنفط يعد أمراً استراتيجياً لأوبك.
وستبقى أوبك متهمة سواء برفع الأسعار وخفض الإنتاج، أو بإغراق الأسواق وخفض الأسعار. ولن تستطيع اوبك ان ترضي جميع دول العالم. ولذلك يجب على جميع الدول المصدرة للنفط بما فيها روسيا الالتزام برؤية واضحة لحماية أسعار النفط من المزيد من التدهور، فمن غير المعقول أن تطالب روسيا دول أوبك بخفض إنتاجها وفقدان أسواق وزبائن، وهى تنتج ما تريد. أنتجت روسيا في الفترة 1995م- 2000م -وبحسب تقرير بريتش بتروليوم الاحصائى- ما معدله 6.3 مليون برميل باليوم، وأنتجت المملكة في تلك الفترة ما معدله 9.35 مليون برميل باليوم. والآن وبعد 14 عاما رفعت روسيا إنتاجها بأكثر من 4.3 مليون برميل باليوم وما يزال الإنتاج السعودي عند مستوى 9.5 مليون برميل باليوم.
تغيرت حالياً أوضاع العالم كثيراً مع دخول لاعبين جدد عالم إنتاج النفط، وأصبحت أسواق وزبائن النفط محدودة، ومن حق كل دولة حماية مصالحها.