Site icon IMLebanon

لماذا تواجه المؤسسات والمنشآت العمومية التونسية وضعية صعبة؟

TunisEcon

غايل رابالاند

أصدرت مؤخرا وحدة متابعة أنظمة الإنتاجية بالمؤسسات والمنشآت العمومية بتونس تقريرا مجمعا حول أداء المؤسسات العمومية بين عامي 2010 و2012. ويمثل هذا التقرير حدثا مهما حيث إنه الأول من نوعه منذ عام 2007، كما أنه أول تقرير يُنشر على الموقع الإلكتروني لرئيس مجلس الوزراء.

إلا أن ما يؤسف له عند الاطلاع على هذا التقرير تدهور وضعية المؤسسات والمنشآت العمومية خلال الفترة بين عامي 2010 و 2012 (مع تحسن طفيف في عامي 2011 و2012). وفي الفترة بين عامي 2010 و 2012، تراجعت الإيرادات الإجمالية لنحو 95 مؤسسة ومنشأة عمومية بنسبة 30 بالمائة، وحققت صافي خسائر في عام 2012 يزيد على 200 مليون دينار (مقابل صافي أرباح قدره 1.1 مليار دينار في 2010). ومن أصل 95 مؤسسة ومنشأة مدرجة في التقرير، سجلت 52 خسارة صافية في 2012 على رأسها الشركة التونسية للكهرباء والغاز (STEG)، وشركة نقل تونس (Transtu)، والخطوط الجوية التونسية (Tunisair)، والشركة التونسية للبنك (STB) والمجموعة الكيماوية التونسية. وبالتالي، باتت كبريات الشركات التونسية الآن تعاني من وضعية صعبة. وفي الفترة نفسها، ارتفعت نفقات الدعم التشغيلي من 2.5 مليار دينار في 2010 إلى أكثر من 6 مليارات دينار في 2012.

ويرجع السبب في ذلك إلى تضافر عدة عوامل منها انخفاض الإنتاج وارتفاع التكاليف وخاصة فاتورة الأجور (زيادة قدرها 600 مليون دينار بين 2010 و 2012). كما ارتفع عدد العاملين حاليا في المؤسسات والمنشآت العمومية إلى نحو 180 ألف شخص مقابل أقل من 120 ألفا في 2010.
يبدو إذن أن التكلفة التي تتحملها الدولة فيما يتعلق بالمؤسسات والمنشآت العمومية آخذة في التزايد. كيف يمكننا تفسير ذلك؟

ووفقا لتقرير صدر مؤخرا عن البنك الدولي، يبدو أن ثمة حلقة مفرغة قد ترسخت في تونس في السنوات الأخيرة تؤدي إلى غياب الكفاءة في المؤسسات والمنشآت العمومية واستشراء ممارسات الفساد (الشكل 1). ويظهر ذلك الوضع كيف تؤدي منظومة الحوكمة التي تقوم على أسس واهية وتتضمن حوافز سلبية في النهاية إلى سوء إدارة الموارد العمومية، مما يدفع السلطات إلى تعزيز أشكال المراقبة التي تعفي، في الوقت نفسه، مديري هذه المؤسسات والمنشآت بشكل كبير من المساءلة. وفي الواقع، لم تُطبق أية إصلاحات رئيسية في قطاع المؤسسات والمنشآت العمومية منذ تسعينيات القرن الماضي (بخلاف الحال في المغرب على سبيل المثال). وفي غياب إصلاحات عميقة للنظام برمته، فإن الوضع الحالي مرشح بقوة للاستمرار مما سينعكس سلبا على الدولة التي سيتوجب عليها توفير المزيد من الدعم المالي (في شكل إعادة رسملة أو دعم تشغيلي).
ويعاني الإطار القانوني الحالي لتونس، الذي تم إعداده مع بدء عملية الخصخصة في نهاية الثمانينيات، من العديد من المشاكل الرئيسية رغم تعديله في 1996 ثم في 2002. لذا، يبدو أنه من المهم أن يواكب هذا الإطار التوجهات الرئيسية السائدة حاليا في مجال حوكمة المؤسسات العمومية، وخاصة ما يتعلق بتعيين المديرين التنفيذيين أو عمل مجالس الإدارة. وتتمثل المشكلة الآن في أنه كثيرا ما يُنظر إلى المشاركة في مجلس إدارة أية مؤسسة على أنه فرصة “لزيادة الدخل” أكثر منه دفاعا حقيقيا عن مصالح الدولة.

علاوة على ذلك، بالرغم من تعدد الجهات المكلفة بتتبع عمل المؤسسات والمنشآت، فإنها تعاني من قلة عدد العاملين مما يحد بالتالي من قدرتها على متابعة التأثير الاقتصادي والمالي لهذه المؤسسات. وأخيرا، فإن نشر البيانات بانتظام وتحسين عملية رفع التقارير هما أمران ينبغي الاهتمام بهما.

إن تكاليف هذه المؤسسات والمنشآت العمومية آخذة لا محالة في الارتفاع نظرا لاستغلالها خلال السنوات الأخيرة في توفير فرص العمل (وهو أمر مرشح للاستمرار). غير أنه في ظل أوضاع الاقتصاد الكلي الحالية الصعبة، فإن الاستمرار في تقديم دعم بواقع 6 مليارات دينار إلى المؤسسات والمنشآت العمومية أمر لا يمكن استمراره. لقد حان الوقت إذن للبدء في تنفيذ الإصلاحات بمزيد من الشفافية، كما يتعين أخيرا معالجة نطاق تدخل الدولة، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات والمنشآت التي تعاني من أوجه قصور هيكلية.