تناقلت الأوساط الأميركية الثلثاء، أنباء مفادها أن الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين توصلا، أثناء لقاءات القمة الثلاثة التي عقداها في بكين أمس، على هامش قمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ، الى تفاهم «يقضي بخروج (الرئيس السوري بشار) الأسد من الحكم في سورية، مقابل بقاء نظامه والتحام المعارضة مع النظام للقضاء على التنظيمات الإرهابية».
وذكرت صحيفة «الراي» الكويتية من مصادر واسعة الاطلاع أنه على الرغم من الخلافات التي سادت في كل واحد من اللقاءات الثلاثة القصيرة، والتي استمر كل واحد منها لمدة ربع ساعة، إلا أنها «المرة الأولى التي يتقارب موقف الطرفين الى هذا الحد في موضوع الأزمة السورية».
ودأبت الأوساط الأميركية، في الفترة الأخيرة، على تداول تقارير تفيد أن الاميركيين والروس كانوا توصلوا خلف الكواليس إلى اتفاق لحل سوري، وأن مبعوث الأمم المتحدة الى سورية ستيفان دي مستورا كلف بالعمل على تطبيقه.
وتقول المصادر الأميركية ان التفاهم الأميركي – الروسي يهدف، أولاً، الى البناء «على نجاح التفاهم السابق بين الدولتين في نزع الترسانة الكيماوية للأسد»، وهو نجاح يعتد به أوباما، حسب المقربين اليه، ويحسبه في خانة إنجازاته في السياسة الخارجية.
ثانياً، يبني الأميركيون اتفاقهم مع الروس على «ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن الداعية الى فرض اتفاقات هدنة محلية في المناطق السورية التي تشهد نزاعات مسلحة بين القوات الحكومية وقوات المعارضة كخطوة أولى للقيام بأعمال إغاثة للسكان المنكوبين والمحاصرين في هذه المناطق».
أما الخطوة التالية لوقف إطلاق النار فتقضي بإعادة اللاجئين والعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية للمدن السورية، وهي مهمة يردد كبار المسؤولين في «البنك الدولي» جهوزيتهم على القيام بها بشكل فوري لمنع وقوع كارثة إنسانية، ولمنع التنظيمات المتطرفة من ملء أي فراغ في الحكم في هذه المناطق.
ثالثا، يعتقد المسؤولون الأميركيون ان تطوراً طرأ على الموقف الروسي، سببه انفلات الجبهة السورية من أيدي الأسد والدائرة المحيطة به، وانتقال زمام المبادرة الى إيران وحلفائها.
صحيح ان موسكو وطهران عملتا بتنسيق مشترك على بقاء الأسد في الحكم منذ العام 2011، إلا ان روسيا صارت تبدي قلقها من تحول الأسد الى واجهة لحكم إيراني فعلي في سورية لا نفوذ للروس فيه.
ويقول المسؤولون الاميركيون ان الدليل على انهيار قوات الأسد، وان بقاءه صار مستنداً بالكامل الى قوة إيران، وخصوصاً قوة حليفها اللبناني «حزب الله»، هو الانهيار قبل يومين لقوات النخبة التابعة للأسد التي كانت تسيطر على المناطق الجنوبية القريبة للعاصمة دمشق، أي «نوى» ثاني أكبر مدينة في محافظة درعا الجنوبية. ويتابع هؤلاء انه ما عدا الغارات الجوية، يرتبط امساك الأسد في الأراضي خارج دمشق بوجود مقاتلي «حزب الله» و«قوات الدفاع المدني» التابعة للإيرانيين.
ولأن روسيا تعتقد ان مصلحتها تقضي ببقاء حلفاء لها لا يعتمدون في بقائهم على ايران وحدها، ولأنها تعتقد انه يمكن انقاذ النظام الحالي برحيل الأسد، والدائرة المقربة منه وبقاء اركان النظام والمؤسسات الحكومية بشكل أوسع، ولأن الروس يعتقدون ان وقف العمليات الحربية يعطي النظام فرصة بقاء مستقلاً عن ايران، ولأن وقف المواجهات وخروج الأسد يعني انه يمكن للمعارضة دعم بقاء النظام مستقلاً عن الإيرانيين، كل هذه الأسباب يبدو انها دفعت روسيا وبوتين الى تبني نظرية وقف اطلاق النار والحل السياسي، لكن على عكس المرات السابقة، يبدو أن موسكو تقبل بهذا الحل مع شرط خروج الأسد من الحكم.
واشنطن، بدورها، أكدت للروس أنها موافقة منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات في سورية على حصر أولوياتها بأمور ثلاثة: مكافحة الإرهاب، بقاء النظام والمؤسسات مع خروج الأسد، وحل سياسي انتقالي يلي خروجه ويشمل تشكيل حكومة جامعة لجميع الافرقاء السياسيين السوريين.
النقاط التي صارت تجمع الموقفين الأميركي والروسي، كانت مدار بحث وتوافق بين أوباما وبوتين في الصين، حسب مطلعين على مجريات اللقاء بين الزعيمين. أما كيفية تطبقيها ومدى فاعلية الموفد الدولي ستيفان دي مستورا، فقد تكون مدار بحث بين المسؤولين في واشنطن وموسكو على مدى الأسابيع المقبلة.