IMLebanon

متطلبات وضع ميثاق لنمو الاقتصاد الأميركي

AmericanEconomy2
غلين هوبارد( الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وعميد كلية كولومبيا لإدارة الأعمال)

مرة أخرى تحظى أميركا بحكومة منقسمة، مع احتفاظ الديمقراطيين بالبيت الأبيض وسيطرة الجمهوريين على مجلس الكونغرس. ولكن هذا لا يعني بالضرورة هيمنة الجمود وتبادل الاتهامات على العامين الأخيرين من رئاسة الرئيس باراك أوباما.
ولا شك أن بعض العوامل ومنها رغبة الناخبين في التغيير وخشيتهم من استمرار النمو البطيء، والتي يسرت للجمهوريين الانتصار في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ستظل دوماً تحفز المناقشات حول خيارات سياسية جديدة تخص زيادة النمو وفرص العمل والدخل.
وبطبيعة الحال، قد تدفعنا تجربة أميركا مع الحكومة المنقسمة إلى التشاؤم حول قدرة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على التنازل أو التوصل إلى حلول وسط، ولكن كما أثبتت المكسيك مؤخراً عندما اتفقت أحزابها الثلاثة الكبرى على ما سمي “ميثاق من أجل المكسيك” الداعم للسوق، فإنه حتى الأحزاب السياسية المتخاصمة يمكن أن تتغلب على شكوكها في سبيل دفع الإصلاحات اللازمة.
والواقع أن قائمة الإجراءات السياسية المحتملة التي قد تستفيد منها الولايات المتحدة من قبيل تحرير التجارة وإصلاح الهجرة والتعليم تظل طويلة للغاية. غير أن اثنتين من هذه السياسات واعدتان بشكل خاص بالنسبة لأي ميثاق من أجل أميركا، وهما الإنفاق على البنية الأساسية الاتحادية، وإصلاح ضريبة الشركات. ومن شأن تعزيز إنفاذ هذه الإصلاحات أن يجعل الجميع طرفا فائزا.
الحواجز الأيدولوجية بين اليمين واليسار
ولكن مثل هذا الإجماع من جانب الحزبين يتطلب إزالة الفواصل الأيدولوجية بين اليمين واليسار ولو بشكل مؤقت على الأقل، إذ يعكس انشغال اليسار بالتحفيز “الكينزي” (الذي يتفق مع آراء الاقتصادي البارز جون كينز) سوء فهم واضح لمدى توفر التدابير (المشاريع الجاهزة للعمل) ومدى كونها مرغوبة (مدى قدرتها حقاً على تغيير توقعات الأسر والشركات).
والحقيقة أن مواجهة العقلية التي تشكلت في الأزمة المالية الأخيرة تتطلب أن تكون إجراءات الإنفاق أطول أمداً إذا كان لها أن تنجح في رفع توقعات النمو في المستقبل، وبالتالي تحفيز الاستثمار وتشغيل العمالة في الوقت الحاضر.
ومن جانب آخر، يتعين على جناح اليمين أن يعيد النظر في هوسِه بالتخفيضات الضريبية المؤقتة للأسر والشركات. ذلك أن التأثير الذي تخلفه مثل هذه التخفيضات على الطلب الكلي تكاد تكون متواضعة، وهي لا تتناسب مع التوقعات المتغيرة بشأن التعافي الاقتصادي والنمو في فترة الركود التي تلت الأزمة المالية.
وتعمل السياسة على زيادة الأمور تعقيداً، لأن التركيز القصير الأجل حصرا على التأثير المالي المترتب على الإنفاق والعائدات يتصادم مع السياسات التي تتراكم فوائدها بمرور الوقت. ورغم أن مثل هذه الفوائد قد لا تظهر على شكل تحفيز، فإن تأثيرها المتصاعد يخدم بشكل أفضل هدف رفع توقعات الطلب والنمو.
ولكن مخاوف الجادين -سواء من اليسار أو اليمين- لا تختلف كثيرا، فهل يتسارع النمو بما فيه الكفاية لتعزيز نمو الوظائف والدخل؟ وهل يمكن إزالة الحواجز التي تحرم العديد من الأميركيين من الاستفادة من التعافي وتحقيق الازدهار مستقبلا؟
الإنفاق على البنية التحتية وضريبة الشركات
لا بد أن يكون الإنفاق على البنية الأساسية الاتحادية وإصلاح ضريبة الشركات على رأس قائمة السياسات القادرة على ضمان تأييد الحزبين، وذلك لأن مثل هذه الإجراءات تَعِد بمكاسب الإنتاجية والدخل والعمالة على الأمد البعيد، كما أنها تدعم النمو على الأمد القريب.
ومن شأن الالتزام ببرنامج متعدد السنوات للإنفاق على البنية الأساسية الاتحادية أن يعزز الطلب والاستثمار الخاص وتشغيل العمالة، على الرغم من أن المشاريع قد لا تكون متاحة بشكل فوري.
والواقع أن مثل هذا البرنامج الذي يقترحه الديمقراطيون في العادة، يمكن -بل لا بد- أن يوضع بطريقة كفيلة بنيل موافقة الجمهوريين أيضا.
ولتحقيق هذه الغاية، من الضروري أن يعطي برنامج البنية الأساسية للولايات والسلطات المحلية دوراً أساسياً في اختيار المشاريع التي ستتولى تمويلها، ولا بد أن يكون لهذه الوحدات الحكومية يد في الأمر عبر تمويل جزء من التكاليف.
ويتعين على صناع السياسات أيضاً أن يفكروا جدياً في الإصلاحات التنظيمية التي من شأنها أن تقلل من تكلفة المشاريع الجديدة وأن تضمن إنجازها في الوقت المحدد.
وينبغي لبرنامج البنية الأساسية المصمم على النحو المذكور في مقابل المشاريع الجاهزة للبدء والتي تتسم بالنفعية السياسية، أن يكون قادراً على حشد دعم المحافظين. ولا بد أن تقدم مشاريع البنية الأساسية الممولة من الحكومة الاتحادية فوائد كبيرة للأميركيين من ذوي الدخل المتدني إذا تم تنفيذها على النحو الصحيح.
فعلى سبيل المثال لن تسهم إقامة البنية الأساسية الأفضل في مجال النقل على خلق الوظائف فحسب، بل ستكون كفيلة بخفض تكاليف الانتقال إلى العمل أيضاً. كما يقدم إصلاح ضريبة الشركات فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق بين الحزبين، خاصة أن أوباما وزعماء الكونغرس من كلا الفريقين أعربوا عن اهتمامهم بالموضوع.
مكاسب إصلاح ضريبة الشركات
ورغم أن المكاسب المترتبة عن إصلاح الضريبة الأساسية -وبعبارة أخرى الاستعاضة عن النظام الضريبي الحالي بضريبة استهلاكية عريضة القاعدة- كبيرة (نحو نصف نقطة إلى نقطة مئوية كاملة سنوياً من النمو على مدى عشر سنوات)، فإن إصلاح ضريبة الشركات من شأنه أيضاً أن يعزز النمو.
إن خفض معدل الضريبة على الشركات بشكل كبير وإزالة مزايا ضريبية محددة للشركات وتوسيع القاعدة الضريبية للشركات يمكن أن يرفع من الاستثمار وأجور العمال. كما قد يعزز الاستثمار وفرص العمل داخل أميركا، السماحَ للشركات المتعددة الجنسيات بإعادة أرباحها في الخارج من دون سداد ضريبة إضافية.
ولأن الدراسات الحديثة تُظهِر أن قسماً كبيراً من العبء الضريبي المفروض على الشركات يتحمله العمال في هيئة خفض للأجور، يتعين على الديمقراطيين أن يتبنوا الإصلاح الضريبي كوسيلة لدعم نمو الدخل. وبوسعنا أن نضيف إلى مثل هذا الإصلاح المزيد من الدعم لصالح الأميركيين من ذوي الدخول المنخفضة، عبر زيادة ائتمان ضريبة الدخل المكتسب للعمال العزاب.
وانطلاقاً من أهدافهم السياسية المعلنة، بوسعنا أن نزعم بأن المحافظين سيدعمون برنامج البنية الأساسية الاتحادية إذا وضع بشكل جيد، وأن الليبراليين سيؤيدون إصلاح ضريبة الشركات، ولكن التغيرات الطارئة على العملية السياسية من شأنها أن تساعد في تحريك الأمور إلى الأمام.
قياس فوائد الإصلاح وحشد الدعم السياسي
ولأن الفوائد المترتبة على الإنفاق على البنية الأساسية والإصلاح الضريبي لا تتناسب تماماً مع إطار موازنة تستمر لخمس أو عشر سنوات، فإن قياس الفوائد المترتبة على مثل هذه السياسات أمر بالغ الأهمية لاجتذاب الدعم السياسي.
وعلاوة على ذلك، فإن أي زيادة في الإنفاق على البنية الأساسية، أو أي خسارة في العائد نتيجة للإصلاح الضريبي، لا بد من تعويضه في مكان آخر. فمثلا يمكن خفض نمو استحقاقات الضمان الاجتماعي المستقبلي أو خفض الخصم الضريبي على فوائد الرهن العقاري بالنسبة للأفراد الأكثر ثراء، والواقع أن تعديل الخصم الضريبي على فوائد الرهن العقاري في المملكة المتحدة، والذي بدأ خلال إدارة مارغريت تاتشر، يشهد على ذلك.
من الواضح أن الاقتصاد هو الهم الأكبر للمواطن الأميركي، ويتعين على قادة أميركا أن يستجيبوا لهذا الهم بأجندة تركز على حفز النمو الآن ودعمه في المستقبل. ولكن هذا من غير الممكن أن يحدث إلا إذا أزال العدد الكافي من المشرعين من كلا الحزبين -ومعهم الرئيس- الحجب الفكرية والسياسية التي تمنع عنهم الرؤية حتى يتسنى لهم التوصل إلى التسويات الطويلة الأجل اللازمة لإنشاء وظائف وزيادة الدخول، ولقد حان الوقت لإبرام ميثاق من أجل أميركا.