فولفجانج مونشاو
إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه صناع السياسة الأوروبيون، فهو أن بقاء اليورو على قيد الحياة لم يعد موضع شك. الوضع الاقتصادي ليس جيدا، لكن على الأقل الأزمة انتهت.
أود أن أتحدى هذا الإجماع. يغلب على صناع السياسة الأوروبيين أن يحكموا على مدى الخطر بدلالة عدد الاجتماعات، التي تستمر حتى وقت متأخر من الليل في مبنى يوستوس ليبسيوس في بروكسل. هناك بالتأكيد عدد أقل من هذه الاجتماعات، لكن هذا يعد مقياسا سيئا.
ليست لديّ أدنى فكرة عن احتمالات تفكك اليورو أثناء الأزمة. لكني على يقين من أن هذه الاحتمالات أعلى في الوقت الحاضر. قبل سنتين كان المتوقعون يرجون حدوث انتعاش اقتصادي قوي. الآن نحن نعلم أن هذا لم يحدث، وليس في سبيله إلى الحدوث. كذلك قبل سنتين كانت منطقة اليورو غير مستعدة لأزمة مالية، لكن على الأقل استجاب صناع السياسة من خلال استحداث آليات للتعامل مع التهديد الحاد.
اليوم لا توجد لدى منطقة اليورو آلية للدفاع عن نفسها ضد الركود الذي يجرجر أذياله. وعلى خلاف ما كان عليه الحال قبل سنتين، لا توجد لدى صناع السياسة اليوم شهية لاستحداث آلية من هذا القبيل.
وكما يحدث كثيرا في الحياة، ربما يأتي التهديد الحقيقي من حيث لا تحتسب – ومصدر الخطر في هذه الحالة هو سوق السندات. أبطال القصة الكبار اليوم ليسوا المستثمرين الدوليين، وإنما الناخبون المتمردون الذين يرجح لهم أن يصوتوا لجيل جديد من الزعماء ممن هم أكثر رغبة في مساندة حركات الاستقلال الإقليمية.
في فرنسا يمكن أن تتوقع فوز مارين لو بان، زعيمة الجبهة الوطنية، في الجولة الثانية مباشرة مع الرئيس فرانسوا هولاند. كما أن بيبي جريلو، زعيم حركة الخمس نجوم في إيطاليا، هو البديل المعقول الوحيد للوقوف أمام ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الحالي. ويريد كل من لوبان وجريلو أن تغادر بلاده منطقة اليورو. وفي اليونان، أليكسيس تسيبراس وحزبه سيريزا يتصدران استطلاعات الرأي. كذلك يفعل حزب بوديموس في إسبانيا، مع زعيمه القوي الشاب بابلو إجليسياس.
والسؤال بالنسبة للناخبين في البلدان التي ضربتها الأزمة هو عند أية نقطة يصبح من المنطقي مغادرة منطقة اليورو؟ ربما يخلصون إلى أن هذا لا يصلح الآن؛ وربما يعارضون التفكك لأسباب سياسية، لكن أحكامهم ستكون معرضة للتحول مع الزمن. وأشك في أن آراءهم ستظل إيجابية في الوقت، الذي يغرق فيه الاقتصاد مسافة أعمق في الركود.
على خلاف الوضع قبل سنتين، لدينا الآن فكرة أوضح عن استجابة السياسة الاقتصادية على الأمد الطويل. التقشف وجد ليبقى. وسياسة المالية العامة ستستمر في التقلص في الوقت الذي تقوم فيه الدول الأعضاء بتلبية الالتزامات بموجب القواعد الجديدة للمالية العامة في الاتحاد الأوروبي. وبرنامج التحفيز في ألمانيا، الذي أعلنه في الأسبوع الماضي، هو أفضل ما يمكن الحصول عليه في هذه الظروف زيادة الإنفاق بنسبة 0.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، التي لن تبدأ حتى عام 2016. فهنيئاً لكم!
ماذا عن السياسة النقدية؟ قال ماريو دراجي إنه يتوقع أن تزداد الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي بواقع تريليون يورو. لم يحدد رئيس البنك هذا الرقم ليكون هدفا رسميا، وإنما باعتباره توقعا– مهما كان معنى ذلك. أكثر تفسير متفائل لهذا الرقم هو أنه ينطوي على برنامج صغير من التسهيل الكمي (شراء السندات الحكومية). هناك تفسير متشائم إلى حد ما، وهو أنه لن يحدث شيء، وأن المركزي الأوروبي سيفوت هدف التريليون يورو، تماما مثلما يواصل تفويت هدفه الخاص بالتضخم. وتوقعي هو أن البنك المركزي الأوروبي سيحقق الرقم المستهدف– وأن هذا لن تكون له آثار كبيرة.
وماذا عن الإصلاحات الهيكلية؟ يجدر بنا ألا نبالغ في تأثيرها. إصلاحات الرعاية الاجتماعية وسوق العمل في ألمانيا، التي تلقت الكثير من الثناء، جعلتها تتمتع بقدرة تنافسية أكثر في مواجهة البلدان الأخرى في منطقة اليورو. لكنها لم تعمل على زيادة الطلب المحلي. وحين نطبق ذلك على منطقة اليورو بأكملها، فإن أثرها سيكون حتى أصغر، على اعتبار أنه لا يستطيع الجميع أن يصبحوا في وقت واحد ذوي قدرة تنافسية أكبر في مواجهة بعضهم بعضاً.
قبل شهرين اقترح دراجي أن تطلق منطقة اليورو النار في ثلاثة اتجاهات في وقت واحد– اتباع سياسات نقدية متساهلة، وزيادة استثمارات القطاع العام، والإصلاحات الهيكلية. اعتبرت أن هذا هو المكافئ الاقتصادي للقصف الجوي العشوائي الشامل. تبدو الاستجابة أقرب إلى كونها المكافئ الاقتصادي لهجوم قوة من الخيالة الخفيفة ضد كتيبة مدفعية متحصنة جيداً.
خيبات الأمل المتتالية لا تقول لنا بصورة قطعية إن منطقة اليورو ستفشل، لكنها تقول إن الركود طويل الأمد أمر وارد إلى حد كبير. بالنسبة لي، هذا يعتبر المقياس الحقيقي للفشل.