في الوقت الذي حلت فيه الأزمة المالية عام 2008/2007، وترنح النظام المصرفي، ذكّر ميرفين كينج الموظفين بالحفاظ على سجلات المناقشات والقرارات. في عام 2009، تحدث اللورد كينج عن مراجعة أوراق البنك التاريخية ووصف المحفوظات في وقت الهلع بأنها “المكان الذي يمكنك أن تتعلم منه شيئا عن كيفية التعامل مع الأزمة”.
لكن عندما يأتي دور المؤرخين في الكتابة عن الانهيار المالي، هل ستكون هناك سجلات لرواية قصة الانهيار؟
مع اقتراب الأزمة من الذكرى العاشرة لها- تعتبر الأعوام العشرة هي الفترة، التي تحتفظ فيها الشركات في العادة بالسجلات لأغراض قانونية – يشعر بعض الباحثين بالقلق من أن المصارف ربما تدمر المعلومات التي يمكن أن تسلط الضوء على أسبابها وكيفية انتشار آثارها. ويمكن للمعلومات القيمة أن تشمل سجلات القروض والصفقات والتدقيق الداخلي وتقارير إدارة المخاطر.
ووفقا لفيكي ليميو، وهي أستاذة مشاركة في الدراسات الأرشيفية في جامعة كولومبيا البريطانية، عادة ما يختار موظفو المحفوظات نحو 5 في المائة من السجلات التنظيمية – مثل محاضر اجتماعات المجلس والبيانات العامة وأوراق الاستراتيجية – للاحتفاظ بها على المدى الطويل. لكن نظرا للتداعيات والأهمية العامة للأزمة، تقول ليميو: “إن القرار حول أي السجلات يجب أن يتم الاحتفاظ به لا ينبغي أن يكون وظيفة تكنوقراطية يقوم بها أمناء المحفوظات وحدهم، دون بعض التشاور الاجتماعي الأرحب”.
والأكاديميون ليسوا وحدهم الذين يريدون الحفاظ على السجلات. فالرابطة الأوروبية لتاريخ الدراسات المصرفية والمالية، وهي شبكة من المؤسسات المالية، تأمل في إقناع مجالس إدارات المصارف بالحفاظ على السجلات التاريخية المهمة.
ويقول إيناس فان دايك، وهو مختص بالوثائق في البنك المركزي الهولندي، الذي يشارك في الرابطة الأوروبية لتاريخ الدراسات المصرفية والمالية، التي تنظر في التشريعات والتي تؤثر في المحفوظات المالية “تتمثل الخطوة الأولى في ضمان الإبقاء على الأجزاء المهمة من الأرشيف. لكن في الوقت المناسب بعد فترات إغلاق ربما تصل إلى 30-50 عاما، نأمل من المصارف أن تجعلها في متناول الباحثين”.
وفشل المصرف يشكل تهديدا لحفظ السجلات. فالمصارف ليست ملزمة بالحفاظ على المحفوظات المكتسبة من خلال عمليات الاستحواذ، على الرغم من قيام بعضها بذلك، في حين أن المحفوظات التي تيتمت بسبب الإفلاس الصريح هي حتى أكثر عرضة لخطر الإتلاف.
وفي المملكة المتحدة يبقى مصير البيانات والسجلات التجارية التي كانت في 15 أيلول (سبتمبر) 2008 موجودة في أنظمة بنك ليمان التي تتحكم فيها لندن ـ من خلال قبل شركة برايس ووترهاوس كوبرز، الحارس الإداري المسؤول قضائياً عن ليمان براذرز الدولية الأوروبية ـ معلقا في الميزان. توني لوماس، المدير الرئيسي لشركة LBIE التابعة لبرايس ووترهاوس كوبرز، يقول “مؤسسة تعليمية شهيرة” طلبت أن تأخذ عهدة البيانات، بعد أن يتم تفكيك كل شيء. وهو لم يقرر بعد ما إذا كان سيوافق على الطلب أو إن كان سيوجه تعليمات بأن يتم تخزين البيانات لمدة ست سنوات أخرى بعد عام 2020 ـ وهي ممارسة معتادة بعد عمليات الحراسة القضائية المعقدة ـ ومن ثم يتم إتلافها.
والتعهد بتقديم بيانات من مصارف فاشلة لأطراف ثالثة قد يكون “محفوفا ببعض الصعوبات”، خصوصا بسبب بعض القضايا السرية. ويقول لوماس “باعتبارنا شركة للخدمات المهنية، نحن حريصون جدا على التوافق مع قانون حماية البيانات”. ومع ذلك فإن دعاة الشفافية، مثل غودرون جونسين، وهي أستاذة مساعدة في العلوم المالية في جامعة آيسلندا، عملت على تحقيق رسمي في انهيار النظام المصرفي الآيسلندي، تقول إن استبدال أسماء العملاء بأرقام تعريفية فريدة من شأنه التغلب على المشكلة.
وتضيف “السماح للباحثين بالوصول إلى البيانات التشغيلية للمصارف الفاشلة أو المصارف التي تلقت عمليات الإنقاذ التي يمولها دافعو الضرائب، قد يساعد الأجهزة التنظيمية على وضع منهجيات أفضل لاكتشاف نقاط الضعف في النظام المصرفي مثل أنماط الإقراض المحفوفة بالمخاطر”.
وفي الولايات المتحدة، يمتلك بنك باركليز، الذي استحوذ على العمليات الأمريكية لبنك ليمان براذرز، البيانات التشغيلية منذ انهيار الأخير. والسجلات الأخرى للشركة تنتمي إلى التركة القانونية لبنك ليمان، وما بقي من ليمان الذي يتم تفكيكه ببطء في الولايات المتحدة بعد الإفلاس تم إيداعه لدى كلية هارفارد للأعمال، والتي تحتفظ بجزء كبير من الأرشيف.
وتلعب الصدفة دورا في كيفية تذكر الأحداث. ففي بحثه في الأزمة المصرفية لعام 1914 من أجل كتابه، “إنقاذ الحي المالي في لندن”، واجه المؤرخ ريتشارد روبرتس ثغرات في السجل الرسمي. لكن بقاء يوميات باسل بلاكيت، مسؤول الخزانة المنسي إلى حد كبير، واكتشاف وجودها صدفة، عوض جزئيا، من خلال موقعه الجيد لمشاهدة ما كان يحدث، كما يقول البروفيسور روبرتس. ويضيف “في كل ليلة، يقوم بالشخبطة، باستخدام قلم رصاص، على دفتر مدرسة ما كان يحدث في ذلك اليوم ومن قال ماذا ولمن قال ذلك”.
قد تكون مراسلات البريد الإلكتروني نسخة اليوم من اليوميات المخربشة. هوغو بانزيجر، الشريك الإداري في بنك لومبارد أودييه السويسري، ورئيس مجلس إدارة الرابطة الأوروبية لتاريخ الدراسات المصرفية والمالية، يلاحظ أن أنظمة “الاستعادة من الكوارث” تلتقط كل بريد إلكتروني ومسودة تنتج من على أجهزة كمبيوتر الموظفين. وهذا يثير احتمال أن البيانات قد تبقى على قيد الحياة إلى أجل غير مسمى، خصوصا أن تكاليف التخزين ضئيلة، وهو ما يعني وجود منجم ذهب تاريخي. ومع ذلك، ما إذا كان سيتمكن المؤرخون من رؤية المحتويات فهذا أمر غير مؤكد. ويقول بانزيجر “إن إدارة الشركة ستقرر ما إذا كانت ستجعل البيانات متاحة”.
وتفرض التكنولوجيا تحديات أخرى. ففي حين أن المخطوطات، التي يتراكم عليها الغبار على مدى الزمن تتطلب فقط معالجة متأنية، تحتاج السجلات الرقمية إلى تحديثات دورية للبرامج لتبقى عملية الوصول إليها ممكنة، الأمر الذي يعتبر مكلفا.
وفي بعض المؤسسات، مثل بنك بي إن بي باريبا، وإتش إس بي سي، وباركليز، يشغل أمناء المحفوظات برامج التاريخ الشفوية للتوصل إلى تأملات التنفيذيين حول الأحداث. وفي “إتش إس بي سي” البروفيسور روبرتس وزميله المؤرخ ديفيد كيناستون أجريا مقابلة مع رئيس مجلس الإدارة السابق والرئيسين التنفيذيين الحالي والسابق، من بين آخرين، من أجل تاريخ الشركة، بما في ذلك فترة الأزمة.
كريستوفر كوبراك، أستاذ المالية في كلية إدارة الأعمال ESCP، يحذر من أنه بينما تعتبر الشهادة الشفوية مفيدة، إلا أنها قد تتأثر بالذاكرة المتلاشية ووجهات النظر الشخصية، مثلا. لكن ينتج أحيانا أن يتم العثور خلال محادثة على معلومات ثمينة. هارولد جيمس، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة برنستون، يقول إنه عندما كان يبحث في ولادة الاتحاد النقدي الأوروبي، أشار اقتصادي إيطالي إلى أنه شارك في مناقشات استكشافية مع رئيس البنك المركزي الألماني في أوائل الثمانينيات. وهذا التصريح، الذي تحدى الرأي السائد بأن محرك الاتحاد النقدي الأوروبي نشأ في فترة إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، دفع البروفيسور جيمس للبحث عن توثيق ذلك. وقال: “المحادثة ساعدتني حقا”.
وفي حين أن الأزمات المالية ستتكرر، يقول دعاة التعلم من التاريخ إنه لو درس المصرفيون المصائب الماضية، لكانوا قد رصدوا علامات التحذير ولكانوا أقل عرضة للوقوع في مغالطة “الأمر مختلف هذه المرة”، التي أبرزها الاقتصاديان كارمن راينهارت وكينيث روجوف. وبالمثل، فإن صناع السياسة قد يكون لديهم سوابق للمساعدة في تشكيل أنواع الاستجابة.
كل ذلك يعتبر حجة لصالح الاحتفاظ بسجلات جيدة. كما تشير ليميو “السجلات المالية تعتبر الأسس التي تقوم عليها أشياء كثيرة”. وبمجرد أن تختفي، تختفي للأبد.
مخاطر الأرشيف
مثل جميع المصادر التاريخية، يحتوي الأرشيف على عثرات:
أجندات الشركات: محفوظات الأعمال المصممة التي تأخذ في الحسبان احتياجات العمل، بدلا من الفهم التاريخي، ومحتوياتها ربما تعكس هذا.
القرارات المتعلقة بحالات خاصة: في أزمة ما، القرارات التي غالبا ما تتخذ في محاضر الاجتماعات لا تحصل في العادة على الاهتمام الذي تستحقه، وبالتالي يتم تجاوز الأرشيف تماما.
فترات الإغلاق: السجلات الداخلية، مثل محاضر اجتماعات مجلس الإدارة والمراسلات والبيانات المحاسبية التفصيلية، قد تكون مغلقة أمام الجمهور لعدة عقود، أو حتى بشكل دائم ـ الحظر الأنموذجي يمتد من 30 سنة للأوراق الرسمية إلى 100 سنة لسجلات تذكر العملاء.
المحفوظات اليتيمة: المصارف ليست ملزمة بالاحتفاظ بالمحفوظات المكتسبة من خلال عمليات الدمج أو الاستحواذ. والمحفوظات اليتيمة بسبب الإفلاس قد تختفي.
المعضلات الرقمية: يجب أن يتم ترحيل السجلات الرقمية إلى أحدث البرمجيات لتبقى عملية الوصول إليها ممكنة. المؤرخون الذين ينقبون في بيانات بحجم آلاف الجيجا بايت سيحتاجون إلى أدوات بحث قوية ومهارة لفرز الغث من السمين.