عيد بن مسعود الجهني
التاريخ النفطي يسجل أن شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) التي وقعت اتفاقيتها مع حكومة المملكة العربية السعودية عام 1933 وبعد التوقيع على الاتفاقية كونت شركة خاصة للتنقيب عرفت باسم شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أوف أويل (كاسوك)، وفي عام 1936م انضمت شركة تكساس للبترول تكساكو إلى الاتفاقية وحصلت على نصف ملكية كاسوك، وفي عام 1944 تغير اسم (كاسوك) ليصبح شركة البترول العربية الأمريكية (أرامكو) واستمرت الشركة تحمل هذا الاسم حتى أوائل الثمانينيات حيث أصبح الاسم (أرامكو السعودية).
لم يأتِ تملك أرامكو السعودية في لمح البصر، إنما جاء خطوة خطوة مدروسة بحصافة علمية ومهنية غاية في الدقة عن طريق التملك التدريجي، ففي عام 1973 وقعت المملكة مع أرامكو اتفاقية حصلت بموجبها على 25 في المئة من حقوق امتيازها وكذلك ملكيتها، وفي العام التالي 1974 زادت حصة المملكة لتصبح 60 في المئة.
وبعد مفاوضات ماراثونية بين الطرفين بدأت مسيرة اجتماعاتها المتواصلة منذ أوائل السبعينيات تحت مظلة غاية في السرية، ومع بزوغ شمس الثمانينيات (1980) أصبحت المملكة المالكة لشركة أرامكو بالكامل لتفاجأ ماكينة الإعلام العربي والأجنبي بنقل ملكية أكبر شركة نفط على المستوى الدولي كاملة بهدوء تام من الإدارة الأمريكية إلى إدارة وطنية كفاءة ليصبح اسمها شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) ليتحقق الهدف الوطني الكبير الذي سعت إليه الدولة، ضمن اتفاق شهير ضمن للطرفين حقوقه العادلة.
ومع تحول أرامكو إلى ملكية الدولة، جاء تأسيس مركز التنقيب وهندسة البترول ذلك المشروع الهام في تاريخ أرامكو السعودية، فالمركز تجمعت تحت قبته كل الوظائف المتعلقة بالتنقيب وهندسة البترول عالية التقنية في الظهران.. هذه الوظائف كانت تقوم بها الشركات الأربع المالكة السابقة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
هذا العملاق النفطي العالمي، الذي يعد الذراع الأقوى في صناعة النفط، إذ إن المملكة قوة نفطية مهمة ومؤثرة في سوق النفط الدولية، باعتبارها أكبر مصدر ومنتج للبترول في العالم، صحيح أن ملكية الشركة آلت إلى الدولة، لكن بالمفهوم العلمي والإداري والنفطي فإن الاسم تغير من شركة (البترول العربية الأمريكية) إلى (أرامكو السعودية) لكن وظائف الشركة في ميدان التنقيب عن البترول واستغلاله ونقله وتصديره وتكريره.. إلخ لم يتغير أصلاً، فالشركة كان لها موروثها المتميز في الإدارة وعلمها وفنها، وبقي هذا الأداء المتميز بعد انتقال دفة الإدارة من الشراكة الأمريكية لتصبح إدارة سعودية، بل إن عنصر كفاءة الأداء بالمقاييس العلمية والإدارية والبترولية زاد نمواً وتطوراً فاستمرت سفينة أرامكو السعودية تطبق الإدارة الحديثة المتطورة التي تركز على زيادة وتيرة الأداء المتميز ودعم أصول السلامة الفنية، طبقا لأعلى المواصفات الدولية المتعارف عليها.
ومع هذه النقلة وهذا الحدث الكبير – تحول أرامكو إلى ملكية الدولة – بدأت الشركة تتوسع في أدائها وعطائها وزاد نموها وعطائها بدعم قوي من القيادة السعودية.. التي أولت الثروة النفطية عناية واهتمام بالغين منذ عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله – الذي أدار الصمام عام 1939م إيذانا بنقل أول شحنة تجارية من النفط السعودي إلى سوق النفط الدولية، على الناقلة (د. جي سكوفيلد) لتكون تلك الشحنة أول الغيث الذي تدفق بالخير على المملكة والعالم بأسره وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ومع بزوغ شمس التسعينيات وطبقا لدراسات علمية جاء انتقال شركة سمارك إلى أرامكو، وبعد (5) سنوات أكملت الشركة إنشاء معمل إنتاج حقول منطقة الحوطة، ثم جاء دور حقل الشيبة العملاق في الجزء الشمالي الشرقي من صحراء الربع الخالي على بعد (800) كيلو مترا من الظهران في قلب الكثبان الرملية الهائلة الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتنفذ الشركة أعقد إنجاز في علم البترول في العصر الحديث خلال سنوات ثلاث.
لم يتوقف عملاق صناعة النفط العالمي الذي يحتل المركز الأول عالميا بين شركات البترول الدولية، يملك أكبر الاحتياطيات النفطية (265) مليار برميل ورابع أكبر احتياطي للغاز أكثر من (8000) مليار متر مكعب عند حدود حقل الشيبة صاحب الاحتياطي الثابت (15) بليون برميل وتنتج (700) ألف ب / ي، إنما استمر قطار الشركة مندفعاً سريعاً في إنجازاته فتم إنجاز معامل الغاز غير المصاحب في الحوية وحرض وبدأ العمل في إنشاء معمل للإنتاج في منطقة خريص الذي لا يبعد عن عاصمة البطولات والتاريخ الرياض سوى بحوالي 130 كيلو مترا وقد صمم لإنتاج 1.200 مليون ب / ي، وتعمل أرامكو لرفع طاقته إلى 1.5 مليون ب / ي، ليس هذا فحسب فإنجازات أرامكو كبرى يصعب حصرها منها حقل القطيف، ومعامل حقل منيفة المغمور الذي صمم لإنتاج (900) ألف ب / ي.
ومن يرصد إنجازات الشركة في الفترة ما بين 2004 – 2014 يجد أنها طورت ستة حقول عملاقة ليبلغ إنتاجها 3.65 مليون ب / ي، وهذا يؤكد توسع أرامكو في الاستثمار في القطاع النفطي عامة وفي التكرير ذي القيمة المضافة خاصة ومنها مشروع مصفاة الجبيل وينبع للتصدير وإنشاء معمل بترو رابغ المتكامل والعمل على مشروع رأس تنورة للبتروكيماويات الذي يعد أحد أضخم المشاريع البتروكيماوية في العالم.
وعند ذكر اسم أرامكو التي تدير عمليات تبدأ بالتحري والتنقيب والاستكشاف والاستخراج والإنتاج حتى التكرير والنقل والبحوث العلمية في الطاقة وغيرها، نذكر الخزانات الكبرى المصممة لتخزين الغاز الطبيعي، فصهريجا واحدا منها يستوعب أكثر من (1000) طن متري.. وهذا معادل لحجم سفينة تجوب البحار، وهناك ستة مشروعات تقيمها أرامكو للزيت والغاز وتعد الواحدة منها بعلم النفط والغاز أكبر وأغلى برنامج إنشائي في التاريخ النفطي.
إن إبداعات أرامكو لم تأت صدفة لكنها جاءت عبر عقود من الزمن فمنذ توقيع اتفاقية الامتياز في مدينة جدة عروس البحر الأحمر في 4 صفر 1352هـ الموافق مايو 1933 وما طرأ على الاتفاقية الشهيرة من تعديلات ومن دخول شركات بترول جديدة حصلت على حصص في أرامكو (سوكال 30%) (اكسون وتكساكو 30 %) (موبيل 15%) وانخفضت حصص الشركات الأخرى بنفس هذه الزيادة والشركة تشهد عطاء متجددا معتمدا على الإنسان الذي هو أهم من النفط والغاز، فهو الذي – بعد الله – وضع الاستراتيجيات وخطط للإنتاج والتصدير والبناء في حقل الطاقة.. فالشركة العالمية أدركت منذ زمن بعيد وتدرك اليوم أن الإنسان هو محور الإدارة وجوهرها وهو وسيلة الإدارة في تحقيق أهدافها كما انه غايتها وعقلها المفكر.
أرامكو السعودية التي لا يتجاوز عمرها (34) عاما منذ أن أصبحت مملوكة للدولة فهي لا زالت في سن شبابها تزداد بريقا، وهي خرجت من رحم شركة البترول العربية الأمريكية (أرامكو) التي تأسست عام 1944م.. هذه الشركة الوطنية أدركت وتدرك أن الجهاز الإداري هو عامل وأدوات ومكان، وكل عنصر من هذه العناصر الثلاثة له أهمية في أداء العمل وحسن القيام به، فالعنصر البشري هو أحد أهم العناصر الثلاثة – بل أهمها -ولذا فإن تاريخ الشركة المتميز في هذا المجال بلغ الثريا.
لذا فإن تاريخ أرامكو حافل بالإنجازات العديدة في ميدان صناعة النفط .. وهذا النجاح لم يتحقق بين عشية وضحاها ولم يأت من فراغ إنما مهندسه العنصر البشري الخلاق الذي يعكس اليوم قصة بذل وعطاء وتفان وإبداعات منسوبي أرامكو من الجنسين من السعوديين، متضافرين مع المتخصصين من جنسيات أخرى متعددة، جاؤوا من كل حدب وصوب لينضموا إلى قافلة الشركة، هؤلاء المخلصون المتسلحون بالعلم والفكر وراء تحقيق حلم النجاح.. كلهم يجمعهم اسم واحد (أرامكو السعودية) سواء منهم الرئيس أو نوابه أو المدراء أو المرؤوسين.. أو مهندسين وفنيين حفر في حقول الزيت، أو مشغلين في معامل الغاز، أو فنيي صيانة في محطات الزيت الخام.. إلخ.
وبهذا التكامل والانضباط في الأداء الذي تتمتع به أرامكو وموظفيها فإنها تعتبر نموذجاً فريداً في كفاءة الأداء مطبقة دور الزمن في الإدارة الحديثة.. فالزمن نصف الإدارة فما من عمل يؤدى إلا كان الزمن بجانبه، وما من مخلوق حي لا يؤدي عمل ضمن زمن، ولذا فان أرامكو تعتبر من داخلها (خلية نحل) حركة حيوية مستمرة ونشاطا دؤوبا طوال ساعات العمل المحددة لا تضيع دقيقة هباء، كل موظف داخل هذا الكيان الكبير يؤدي عمله المنوط به بجد واهتمام والتزام ودقة متناهية.
هذه المميزات التي تتمتع بها منظومة أرامكو جعل منها مرجعا رئيسا لتنفيذ بعض مشاريع الدولة العملاقة، فالشركة تملك الخبرة الواسعة والسرعة والدقة المتناهية ومهنية المتابعة في تنفيذ المشاريع الكبرى، من الأمثلة الحية لهذا، إنشاء مرافق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إضافة إلى تأسيس القاعدة الأكاديمية وبرامج البحوث العلمية للجامعة وإبرام عقود المشاركة والتعاون مع بعض مراكز البحوث العلمية وجامعات متخصصة في تلك المجالات.
وفي الميدان الرياضي قامت بتنفيذ أحد الملاعب الرياضية في جدة عروس البحر الأحمر ملعب الملك عبد الله بن عبد العزيز (الجوهرة) الذي تم إعداده وتجهيزه على أعلى مستويات الملاعب الرياضية في العالم وفي وقت قياسي وفي تكاليف مقبولة اقتصاديا والذي أصبح أنموذجا لكل مشروع طموح.
هذا جعل الدولة تسند للشركة إدارة (11) استاداً رياضياً ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين لبناء تلك الملاعب في كل من المنطقة الشرقية، المدينة المنورة، القصيم، عسير، تبوك، حائل، الحدود الشمالية، جازان، نجران، الباحة، الجوف، هذا يؤكد حرص الدولة على تنفيذ تلك المشاريع في أوقاتها المحددة ومحققة للأهداف التي أنشأت من أجلها بتكاليف مقبولة لا مغالاة فيها، لكل مشروع طموح.
ولن تكون تلك المشاريع هي الأخيرة فعالم أرامكو الواسع المتسلح بالعمل والفكر والإدارة والدقة في الأداء والخبرة النادرة مفتوح على مصراعيه.. بأيد وطنية ومتخصصين تتعاقد معهم الشركة من دول شقيقة وصديقة خاصة في المشاريع الإنشائية مثل الملاعب الرياضية وما في حكمها ممن لهم خبرات وسابق أعمال مؤهلة ومدربة تدريبا عاليا يندر توفره في هيئات وشركات مشابهة ليس على المستوى الإقليمي بل والدولي.