إيفا الشوفي
18 اسماً جديداً أضاف أمس وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى «اللائحة السوداء»، واعداً المواطنين بأسماء أخرى كلّما وصلت إلى الوزارة نتائج عينات جديدة. أثناء المؤتمر الصحافي كانت قوى الأمن الداخلي قد تسلمت تعميماً بالمؤسسات المخالفة، وبدأت تحركها بإقفال الأقسام التي تحتوي على أطعمة فاسدة، حتى تصحيح وضعها، فكانت الحصيلة تنظيم 32 محضرا من أصل 39 لوقف العمل في الأصناف غير المطابقة، والعمل جار لاستكمال ما تبقى من مؤسسات مخالفة.
البكتيريا التي وُجدت في بعض الأصناف هي الـ»إيشيريشيا كولاي»، «سالمونلا»، «ليستيريا»، «بكتيريا لا هوائية مختذلة للكبريت» و»مكوّرة عنقودية ذهبية». يشرح رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو أن الـ «ليستيريا» هي الأخطر، وتعلن الدول من جرائها حالة الطوارئ. مصدر هذه البكتيريا الماعز، ويمكن أن تنتقل بسهولة بين الحيوانات لتصل إلى الألبان والأجبان وتسبب الإجهاض للحوامل. أما «الإيشيريشيا كولاي»، فهي المرادف العلمي لمياه المجارير والبراز، و»السالمونلا» مصدرها ريش الدجاج والعظام. يقول برو إن تكرار تناول هذه البكتيريا يؤدي الى أمراض السرطان، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية الى أن حالات الوفاة نتيجة الاصابة بمرض السرطان ارتفعت في لبنان بنسبة 40% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كما أن حوالى 80% من أسباب دخول المستشفيات تعود الى الجهاز الهضمي. الغريب في الأمر أن مجلس الوزراء تطرّق عرضيا إلى كل هذه المخاطر، ولم يفتح ملف السلامة الغذائية جدّيا، بل إن مصدرا وزاريا قال إن وزراء الصحة، الاقتصاد والسياحة اتفقوا فيما بينهم على الاجتماع يوم الاربعاء المقبل لمناقشة الموضوع.
أبو فاعور الذي تعرّض لانتقادات كثيرة على الاسلوب الذي اعتمده، قال انه لن يرتدع عن إعلان أسماء كافة المؤسسات المخالفة، وأعلن بصراحة أنه لن يؤخذ «بترهيب أو ترغيب أو زجر أو صوت عال أو أموال. إننا ننفذ القانون ومستمرون في الحملة حتى النهاية. وإذا تدخل أحد لمنع قوى الأمن من القيام بعملها فسأكشف ذلك للجميع». كلامٌ مهم وجريء، إلاّ أن الجميع يعلم -وأبو فاعور أيضاً- أن اللوائح التي أُعلنت (وستعلن) تستهدف فئة من الناس لديها نفوذها ومرجعياتها الحزبية والطائفية التي لن تقف مكتوفة الأيدي، وما تصريحات بعض الوزراء سوى دليل واضح على أن الأمور لن تُكمل على ما هي عليه.
عندما قرّر أبو فاعور نشر أسماء المؤسسات المخالفة، تقصّد فضحها كي لا تحصل أي عمليات تهرّب، أو على الأقل كي يعلم الرأي العام أنها مخالفة حتّى لو تمكن البعض منها من الإفلات من العقاب. فهو وجّه أسئلةً للوزراء الذين رأوا أن ما فعله تشهير قائلاً «هل يعلم البعض أن هناك مؤسسات أنذرناها ثلاث مرات، وأغلقنا أقسامها المخالفة، ولم نصل إلى أي نتيجة، لأنها أقوى من الدولة؟ هل يعلمون كمية اللحوم التي وجدت في النفايات في اليومين الأخيرين؟ هل المطلوب أن تطعم بعض المؤسسات الناس أطعمة فاسدة، ولا يشهّر بإحداها؟». من هنا تبدأ التساؤلات عن الطريقة التي اتبعها أبو فاعور في كشف الفساد، وهنا لا نقصد التشهير، إذ إن التشهير يصبح واجباً عندما تتلاعب المؤسسات بصحة المواطن، بل على العكس، أحسن أبو فاعور بفتح باب الحق بالتشهير بالمخالفين، إلا أنه فتح على نفسه أيضاً باباً ضخماً من التشكيك والتدخلات والضغوط السياسية، التي لن يستطيع أن ينفذ منها مهما كان جدياً في خطته، وهو ما سيعرقل الخطوة الجريئة التي بدأ بها. لماذا لم ينتظر أبو فاعور صدور كافة النتائج ليعلنها مرة واحدة، قاطعاً بذلك الطريق على أي تسويات وتدخلات؟ كما أن وجود كميات هائلة من اللحمة المرمية في النفايات نتيجة إعلان اللائحة الأولى، يعني أن هناك مؤسسات تمكّنت من التخلص من أطعمتها الفاسدة، فهل هذا يعني أنها تمكنت من النفاذ من التشهير؟ كان من الأجدى لو أصدر الوزير تقريرا متكاملا يشرح فيه بالتفصيل المنهجية والمعايير والطريقة التي اتبعتها الوزارة، يعلن فيه أسماء جميع المؤسسات المخالفة ويتخذ الإجراءات بحقها، عوض نشر أسماء عدد من المؤسسات كل فترة، ما يفسح المجال على نحو كبير للتشكيك في صحة هذه النتائج والتلاعب بها كما يتهمه البعض. فأغلبية المؤسسات التي ذُكرت على اللائحتين أطلقت عدداً من التساؤلات المنطقية التي يجب الوقوف عندها وتوضيحها من قبل وزارة الصحة: لماذا تقوم الوزارة باختيار عينات عشوائية لفحصها ولا تأخذ عينات من جميع المواد الغذائية، إذا كان يهمّها فعلاً صحة المواطن؟ كيف نُقلت هذه العينات، وهل خضعت للتبريد اللازم عند نقلها، وما المدة الفاصلة بين أخذ العينة وفحصها؟ كيف يكون في بعض المؤسسات صدر الدجاج غير مطابق للمعايير، بينما فخذ الدجاج مطابق، بالرغم من أن الدجاجة قبل تقطيعها آتية من المصدر نفسه، وموضوعة في البراد نفسه؟
الـ «ليستيريا» هي الأخطر وتستدعي اعلان حالة الطوارئ
إذا كان الجميع يعترف بالتلوث الحاصل في مسلخ بيروت وصيدا وبعض المزارع، فلماذا لا يحاسَب المصدر (ولا سيما كبار المستوردين وتجار الجملة)، ويُحاسب تاجر المفرق معا؟ وهو ما طرحه زهير برو بقوله إن «الرقابة آخر السلسلة، بينما الإنتاج السليم هو الأساس، وبالتالي يجب الالتفات إلى مصدر الغذاء، مثل مسلخ بيروت والمزارع «. تحدث أبو فاعور أمس عن أن الخطة ستشمل مسلخ بيروت وغيره من المسالخ من بينها مسلخ صيدا. أما بالنسبة إلى استخدام مياه المجارير في ري الخضر وتلوث المياه، فأشار إلى خطة شاملة سيعمد وزير الزراعة إلى عرضها. كذلك برزت تساؤلات عدة عن مصير بعض أطباء الوزارة في الأقضية والمراقبين الصحيين، الذين اتهمهم أبو فاعور بالفساد والتقصير، حيث أنه إلى الأمس لم يُحل أي منهم إلى التفتيش المركزي، والنيابة العامة. كل هذا يهدّد شفافية اللوائح المعلنة، وخصوصاً مع عدم معرفة أحد عدد المؤسسات المتبقية، بعدما أوحى أبو فاعور في مؤتمره الأول بأن النتائج خارج بيروت اكتملت وأُعلنت، ليتضح أمس أن العينات لا تزال تتوافد من مؤسسات في الشمال والجنوب وبعبدا، وغيرها من المناطق. يبرر الوزير البطء في ورود النتائج بأن المفتشين يرسلون يوميا 200 عينة إلى مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، التي يمكنها استيعاب 150 عينة فقط، إضافة إلى ذلك يشارك معهد البحوث الصناعية في إجراء الفحوص ومصادر من داخل المعهد تشير إلى أن المعهد أصدر نتائج سلبية لمؤسسات مختلفة خلال هذين اليومين، لم يعلنها أبو فاعور إلى اليوم.
يمكن للقضاء أن يؤدي دوراً مهماً في هذه الفضيحة إذا أراد. فالنيابة العامة التمييزية تستطيع اعتبار تصريحات وزير الصحة بمثابة إخبار، لكنها تحتاج الى مساعدة من الجهات المعنية لتشخيص الجرم أو المخالفة الواقعة وتقديم الملف كاملا، وفق المحامي بول مرقص، الذي اوضح أنه إذا تحركت النيابة العامة فهي لن تجري تحقيقاً جديداً بل ستستند الى تحقيقات وزارة الصحة باعتبارها جهة حكومية رسمية، ويحق لها إغلاق المحال المذكورة بالشمع الأحمر كتدبير احترازي حتى صدور الحكم النهائي.