بروفسور جاسم عجاقة-
ثلاثون دولاراً قيمة إنخفاض سعر برميل النفط بين أعلى سعر سُجّل له هذا العام في 20 تموز وحتى يومنا هذا. هذا الإنخفاض بدأ يُشكّل عقبات أمام الدول المُنتجة ويزيد من عجز موازناتها، لكن من جهة أخرى يشكل فرصة للإقتصاد العالمي. فما هي أسباب هذا الإنخفاض؟
لا تتوزع مصادر الطاقة في العالم بشكل عادل أو منتظم ولا حتى في الأماكن حيث الإستهلاك أكبر. وتعلق الإقتصادات العالمية بأنواع الطاقة يختلف من بلد إلى آخر ومن قطاع إقتصادي إلى آخر، وهذا يؤدي إلى توزيع مختلف للطاقة في مناطق العالم بحسب أنواع الطاقة، ما يجعل من سوق الطاقة سوقاً معقّداً ومتغيّراً بشكل ديناميكي بحسب الأحداث في مناطق الإنتاج والإستهلاك.
فعلى سبيل المثال، تحتكر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان ما يقارب الـ 50% من الإستهلاك العالمي للنفط في الوقت الذي لا تنتج فيه أكثر من 10% من الإنتاج العالمي.
واللافت في الأمر أنّ 65% من النفط المنتج هو موضوع تبادل تجاري بين الدول و35% يستهلك في بلد الإنتاج. وحقيقة كون النفط غير قابل للتجديد فإنه يؤدي إلى تداعيات عميقة على التبادل التجاري بين الدول وأهميتها الإستراتيجية (60٪ من احتياطيات النفط الباقية توجد في الشرق الأوسط).
ويختلف الأمر بالنسبة إلى الغاز الطبيعي حيث تحتكر روسيا ودول الشرق أكثر من 65% من الإحتياط العالمي من الغاز، لكنّ هذه الدول تستهلك فقط 25% من الإستهلاك العالمي. وعلى عكس النفط، وبسبب الخصائص الكيماوية للغاز، 30% فقط من الإنتاج يتمّ تبادله تجارياً بواسطة أنابيب (بين روسيا من جهة وأوروبا، كندا والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى).
اما بالنسبة إلى الفحم، فتحتكر الصين والهند أكثر من 50% من الطلب العالمي على الفحم مع العلم أنّ إحتياطاتها لا تتعدى الـ 20% من الإحتياط العالمي. وبالنظر إلى إنتاج هذين البلدين وإستهلاكهما، نستنتج أنهما يتمتعان بشبه إكتفاء ذاتي.
لا شكّ أنّ النفط خطف النجاح من أمام المصادر الأخرى وذلك بسبب طبيعته التي تُسهل نقله بين المصدر وسوق الإستهلاك. وهذا الأمر جعل الإقتصادات العالمية تتعلق به بشكل كبير وأعطته دوراً استراتيجياً يدخل في التوازن الحراري العالمي، وبالتالي التوازن الجيوسياسي العالمي.
فدخوله في صناعة 90% من المواد المستهلكة جعلت من تجارة النفط الاولى في العالم من ناحية الكمية والقيمة ما جعل من الدول المنتجة دولاً غنية من حيث المردود والفائض ولها وزن على الصعيد العالمي.
ولإظهار مدى تعلق الإقتصادات العالمية بالنفط، يُمكن القول إنّ اقتصاداً كاقتصادنا ليس بحاجة الى استهلاك كل مخزون نفطه قبل الانحدار. إذ إنّ نقصاً بين الطلب والعرض ولو بقيمة 10 الى 15 بالمئة كافٍ ليحطّم إقتصاداً يعتمد على النفط كلياً ويحوّل مواطنه إلى الفقر.
ويُشكل النفط العامل الاول في الحسابات الجيوسياسية للدول المتطوّرة نسبة لارتباط اقتصادها بالنفط. إنّ انتاج النفط قد زاد من 31806 الف برميل في النهار في العام 1965 الى 84,820 ألف برميل في النهار في العام 2013 مُظهراً بذلك نسبة الاستهلاك المركزة رئيسياً في عدد من الدول المتطوّرة أو في طور النموّ.
لكنّ إنتاج النفط يواجه اليوم تحدّيين أساسيين:
– التكنولوجيا والتي كلما تطورت قللت من أسعار النفط بحكم التقنيات المستخدمة في إستخراجه وإستهلاكه.
– الإستثمارات التي تظهر كعامل رئيس لتلبية الزيادة في الطلب ومواجهة مشكلة النضوب.
هل سعر النفط مُرتفع؟ منخفض؟
إنّ أسعار النفط تتعلق بثلاثة عوامل: الطلب (الاستهلاك)، التضخم والمضاربة. ويتبع الطلب على النفط الدورات الاقتصادية وبذلك تتبع أسعار النفط الإتجاه نفسه. وإذا قارنا مؤشر الأسهم S&P500 والذي يُعتبر من أهم المؤشرات لسوق الأسهم وأكثرها شمولية، نرى أن لا تجانس بينه وبين سعر النفط ويعود السبب إلى أنّ الاقتصاد الأميركي الذي يُعتبر مؤشراً أساسياً للإقتصاد العالمي- نظراً لحجمه – يعيش في حال ركود لا تؤثر في أسعار النفط بل إنّ هذه الأخيرة تأتي من المضاربة البحتة.
وبالاسلوب نفسه، اذا قارنا مؤشر التضخم ممثلاً بمؤشر الدولار الأميركي الذي يُمثل قيمة الدولار مُقيّماً بحجم التبادلات التجارية مع أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية، نجد علاقة سلبية شبه دائمة. إذ إنه في كل مرة يفقد الدولار من قيمته يعمد منتجو النفط الى رفع الاسعار لتغطية الخسارة الناتجة عن انخفاض قيمة الدولار.
واذا اخذنا معدل التضخم واسعار النفط في العام 1983 مثلاً وحسبنا سعر النفط على اساس التضخم نجد أنّ السعر يجب أن يكون 59 دولاراً أميركياً، لكنّ المضاربة على النفط تخلق تقلبات حول المعدل الوسطي ما يعني انّ سعر النفط في الاسواق هو سعر منصف.
ومما لاشك فيه أنّ تقلبات أسعار النفط في العالم تخضع قبل كلّ شيء إلى المُضاربة. لكن وبما أنّ اليد الخفيّة لـ آدم سميث (Invisible Hand) هي التي تطغى في ظل عوامل مختلفة كلٌ في إتجاه فإنّ العودة بأسعار النفط الى حوالى الستين دولاراً ستكون محتمَلة في ظلّ ضغط سياسي عالمي لعدم رفع الأسعار من قبل المنتجين أو تقليل الكميات لترتفع الأسعار تلقائياً.
وعلى هذا الصعيد، وجّه عدد من الدول المُنتجة للنفط إتهامات للمملكة العربية السعودية التي وبحسب هذه الدول تعمد إلى التلاعب بالأسعار ما يخدم الاقتصاد الأميركي خصوصاً مع وجود علاقات إستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية تتمثل بالمعاهدة الموقّعة بين البلدين والتي تنص على النفط مقابل الامن للمملكة.
وإذا ما أخذنا إحتمال تقليص بعض دول الأوبك لإنتاجها من النفط بهدف رفع الأسعار، فإنّ المملكة العربية السعودية ستعمد إلى رفع إنتاجها من النفط خصوصاً أنها تمتلك القدرة لذلك. كذلك فإنّ إنتاج داعش للنفط من الآبار التي سيطرت عليها في سوريا والعراق والبالغ عددها 11، وبيع هذا النفط بأسعار منخفضة جداً يُساعد في دفع الأسعار نحو الإنخفاض.
وللختام، نتوقّع أن يستمرّ الأمر على هذا النمط إلى حين حصول أمر من إثنين: تسجيل الاقتصاد الأميركي نمواً عالياً في الفصل الثالث والرابع من العام 2014 أو تغيّر إستراتيجي في المعطيات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.