أكدت مصادر سياسية مطلعة لصحيفة ”السياسة” الكويتية أن قوى “8 آذار” المرتبطة بالمحور السوري – الإيراني انتقلت عملياً إلى مرحلة المواجهة العلنية مع إعلانها العماد ميشال عون “مرشحاً وحيداً” لها، ما يؤشر على مرحلة جديدة من فصول الصدام الداخلي، يثير مخاوف من انعكاساته على المستوى الأمني، خاصة إذا ما أضيفت إليه ارتدادات الشهادات السياسية التي سيتم الإدلاء بها أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اعتباراً من اليوم الاثنين.
أما قوى “14 آذار” فتواصل التمسك بمبادرتها لجهة استعدادها لسحب مرشحها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لصالح التوصل إلى توافق على مرشح تسوية، وهي تسعى جدياً لإنهاء الفراغ الرئاسي لأنها تخشى مخططاً من “حزب الله” لإيصال لبنان إلى مؤتمر تأسيسي تُفرض من خلاله المثالثة (بين الشيعة والسنة والمسيحيين بدلاً من المناصفة القائمة بين المسلمين والمسيحيين).
لكن هذه القوى في النهاية لا تستطيع تغيير الواقع وإجبار نواب “حزب الله” وتكتل “التغيير والإصلاح” على النزول إلى مجلس النواب للمشاركة في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.
وباستثناء حدوث سيناريو أشبه بالمعجزة من خلال توافق اقليمي – دولي فجأة، أكدت المصادر أن لبنان أمام ثلاثة سيناريوهات في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، هي:
– السيناريو الأول يتمثل باستمرار الفرقاء، سيما “8 آذار”، في ربط الاستحقاق بشكل كامل بتطورات الملف النووي الإيراني وبمسار العلاقات بين طهران والرياض، ما يعني أن الانتخابات ستبقى رهن المستجدات في هذين الملفين، وبالتالي يمكن للفراغ أن يطول أو يقصر بحسب التطورات.
وأوضحت المصادر أن هذا السيناريو دونه مخاطر كبيرة لأن المفاوضات للتوصل إلى تسوية نهائية بشأن الملف النووي قد تطول لأشهر عدة، سيما أن المعلومات تفيد بإمكانية إبرام “اتفاق إطار” بين طهران والدول الكبرى بحلول 24 نوفمبر الجاري، يمهد لاتفاق شامل في وقت لاحق.
أما بالنسبة لمسار العلاقات السعودية – الايرانية، فأكدت المصادر أنه لا توجد أي ضمانات بأنها ستسلك مساراً إيجابياً خلال الفترة القريبة المقبلة، كما أنه في حال بدء الحوار بين البلدين لا يتوقع أن يؤدي إلى حلول فورية لأنه سيتناول في مرحلته الأولى العلاقات الثنائية قبل الانتقال إلى الملفات الاقليمية التي قد لا يكون الملف اللبناني على رأسها، خاصة في ظل الأوضاع المتفجرة في اليمن والحرب المستمرة على “داعش” في سورية والعراق.
وتوقعت المصادر أن يستمر الفراغ الرئاسي حتى منتصف العام المقبل وفقاً لهذا السيناريو.
– السيناريو الثاني يتمثل بربط الاستحقاق جزئياً بالتطورات الاقليمية، حيث توافق قوى “8 آذار” على الانتقال إلى مرحلة البحث مع قوى “14 آذار” عن مرشح تسوية بعد سحب مرشحها ميشال عون، بناء على كلمة سر إيرانية لـ”حزب الله”.
وفي هذا الإطار، أوضحت المصادر أن هذا السيناريو يحتاج تدخلاً اقليمياً ودولياً لدى إيران لإقناعها بأن الفراغ الرئاسي يهدد الاستقرار في لبنان، وبالتالي فإن من مصلحتها انتخاب رئيس جديد يكون حلاً وسطاً بين حليفها “حزب الله” وخصومه في “14 آذار”.
وأشارت إلى أن هذا السيناريو ليس مستبعداً لكنه مرتبط بشكل أساسي بموقف “حزب الله” الذي قرر الذهاب بعيداً في دعم عون بإعلانه أنه مرشحه “حتى قيام الساعة”، وبالتالي فإن “نزوله عن الشجرة” يتطلب وقتاً، وربما يكون هدفه من الإعلان الأخير هو الحصول على أكبر ثمن ممكن من الفريق الآخر.
– السيناريو الثالث يتعلق بقبول الفريقين الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية ضمن ضوابط يتم الاتفاق عليها سلفاً، بحيث يحضر جميع النواب إلى البرلمان، ويقف الوسطيون على الحياد أو يختارون مرشحاً ثالثاً غير عون وجعجع، بهدف حصر المنافسة بينهما.
وفي هذه الحالة يمكن لأحدهما الفوز بفارق ضئيل جداً عن الثاني لا يتعدى بضعة أصوات، نظراً للتقارب الشديد في أعداد النواب بين “8 و14 آذار”.
لكن السؤال بحسب المصادر، هل يمكن أن يقبل “حزب الله” بجعجع رئيساً في هذه الحالة، وهل يمكن أن يقلب الطاولة? وهل يمكن أن توافق “14 آذار” على عون رئيساً وما هي خياراتها?
ولفتت المصادر المطلعة إلى أن هذا الخيار ديمقراطي 100 في المئة لكنه لا يصلح في بلد مثل لبنان، لأن انتخاب عون سيكون عملياً بأصوات الشيعة وبعض المسيحيين فيما انتخاب جعجع سيكون بأصوات السنة وبعض المسيحيين، وبالتالي فإن كليهما سيكون مرفوضاً من مكون أساسي (الشيعة يرفضون جعجع والسنة يرفضون عون)، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة.
واستناداً إلى ذلك، أكدت المصادر أن هذا السيناريو صعب التطبيق وإن كان غير مستبعد بشكل كلي، وخلصت إلى التحذير من تكرار سيناريو 2008 عندما أدت أحداث 7 ايار إلى تسوية الدوحة ووصول ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية.