سعود بن هاشم جليدان
استمر تراجع أسعار النفط الذي بدأ منذ نحو شهرين حتى الوقت الحالي، وقارب الانخفاض في الأسعار 30 دولارا للبرميل. وبدأت أسعار خام برنت تنحدر إلى مستويات تقترب من 80 دولارا للبرميل، بينما تراجعت الأسعار تحت هذه المستويات لمعظم أنواع النفوط العالمية الأخرى، فهذه أسعار خام غرب تكساس الأمريكي تنخفض لنحو 77 دولارا للبرميل، كما انخفضت أسعار خام دبي والزيت العربي الخفيف المصدر إلى آسيا إلى نحو 78 دولارا للبرميل يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني (نوفمبر). وتشير توقعات الأسواق والأسعار المستقبلية فيها إلى بقاء الأسعار قريبة من هذه المستويات خلال الاثني عشر شهرا المقبلة. وتترقب أسواق النفط العالمية نتائج اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط الذي سيعقد خلال أسبوعين تقريبا. وتسيطر دول المنظمة على نحو 60 في المائة من تجارة النفط العالمية، كما تنخفض فيها تكاليف الإنتاج، ويمكنها إضافة إلى ذلك الحد من تدفقات النفط إلى الأسواق العالمية أو زيادته من خلال الالتزام بنظام حصص للإنتاج أو زيادة مستوياته.
وكانت أسواق النفط العالمية خلال السنوات الماضية تفترض أن تقوم أوبك بدور المنتج المرجح الذي يحافظ أو يدافع عن الأسعار. وقد قامت المنظمة خلال السنوات الماضية بهذا الدور والدفاع عن أسعار النفط العالمية، وبهذا تلاشت مخاطر تراجع أسعار النفط على المنتجين الآخرين ما مكنهم من زيادة الاستثمارات في مجالات البحث والتنقيب وزيادة إنتاج النفط الخام من المصادر المرتفعة الكلفة. وكانت الأسواق تتوقع أن تقوم دول المنظمة بخفض إنتاجها النفطي للسماح بزيادة إنتاج النفط الأمريكي. وقد تغاضت المنظمة عن زيادة الإنتاج الأمريكي من خلال عدم زيادة إنتاجها أو خفضه بعض الشيء في أحيان أخرى، ولكنها توقفت أخيرا عن هذه السياسة وآثرت الحفاظ على حصص أعضائها في الأسواق، ما أدى إلى وفرة المعروض العالمي من النفط وتراجع الأسعار. ويبدو أن المنظمة تخلت ولو مؤقتا عن دور المنتج المرجح، وأعتقد أن المنظمة مضطرة للتخلي عن هذا الدور؛ لأن هناك منافسة قوية من إنتاج الولايات المتحدة النفطي وعدد آخر من الدول عند مستويات الأسعار المرتفعة.
وستناقش المنظمة وبدون شك مسألة الدفاع عن أسعار النفط ومستويات الإنتاج في دول المنظمة. وستكون هناك دعوة لخفض إنتاج المنظمة ولكن سينشب خلاف قوي حول تحديد الدول التي ستتحمل عبء هذا الخفض. وستتم مطالبة دول الخليج كالعادة وعلى رأسها المملكة بتحمل عبء خفض الإنتاج، ولكن ليس من المتوقع أن توافق دول الخليج على خفض الإنتاج؛ لأن مستوى الفائض في المعروض العالمي يتجاوز مليوني برميل في اليوم في الوقت الحالي ومن الصعب على دول الخليج تحمله بالكامل، كما سيتم إضافة نحو مليون برميل العام المقبل من خلال زيادة إنتاج الولايات المتحدة إذا عاودت الأسعار الارتفاع. وليس من المتوقع أن تقوم دول الخليج وعلى رأسها المملكة بخفض كبير في الإنتاج، حيث إن عودة الأسعار للارتفاع معناها خسارة المزيد من حصص الأسواق للدول المنتجة والخليجية منها بالذات، وهو ما لا يتواءم مع مصلحة دول الخليج التي تملك احتياطيات كبيرة من النفط ومن مصلحتها طويلة الأجل الحفاظ على هذه الحصص.
من جهةٍ أخرى لن ترتفع أسعار النفط بسرعة حتى لو خفضت دول الخليج إنتاجها؛ لأن الفائض العالمي من النفط هو في النفوط الخفيفة والحلوة، بينما يتشكل معظم النفط الخليجي من النفوط المتوسطة والحامضة، ولهذا لا بد أن تتحمل الدول المنتجة للنفط الخفيف وخصوصا في إفريقيا جزءا كبيرا من خفض الإنتاج. ولن تخفض هذه الدول إنتاجها بسبب ظروفها المالية والسياسية، وخوفها من فقدان حصصها في الأسواق. وقد حاولت المملكة الحفاظ على مستويات أسعار مستقرة وخفضت صادراتها من النفط الخام من نحو 7.5 مليون برميل يوميا في شهر كانون الثاني (يناير) 2014 إلى أقل من 6.7 مليون برميل في اليوم خلال شهر آب (أغسطس) من العام نفسه ولكن هذا لم يمنع تراجع الأسعار الأخير. وبعد ذلك خفضت المملكة من فروقات أسعار نفوطها للحفاظ على مستويات حصصها في الأسواق.
وسيكون هناك الكثير من الحديث عن الأسعار وخفض الإنتاج وستحتد المناقشات حول توزيع خفض كميات الإنتاج في اجتماع “أوبك” المقبل، ولكن ليس من المتوقع أن يتم الاتفاق على خفض الإنتاج، وحتى لو تم الاتفاق على الخفض فسيكون محدودا وقليل التأثير. وتشير الكثير من المصادر إلى قبول دول الخليج بمستويات أسعار قريبة من المستوى الحالي، وقد تكون هذه المستويات الأكثر حفاظا على مصلحة الدول الخليجية.