كيف تحدد القيمة في البورصة؟
هناك سؤالان يطغيان على الأسئلة الأخرى كافة. الأول، كم يدفع لك السهم – ما هو تدفق الأرباح الذي تقوم بشرائه؟ والآخر، من غيرك سيقوم بشرائه منك؟
هذان السؤالان مبثوثان في المعجزة المستمرة التي هي البورصة الأمريكية، التي بلغت مستويات قياسية على الرغم من الكآبة العميقة وسط الأمة ككل. كما توضّح أيضاً الطريقة التي تتفوق بها الولايات المتحدة على بقية العالم.
مع الانتهاء تقريباً من موسم الإعلان عن أرباح الشركات للربع الثالث، يمكننا أن نرى أن الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قامت برفع أرباحها بنسبة 10.2 في المائة مقارنة بالعام الماضي – وهو رقم جيد. ووجدت شركة تومسون رويترز أيضاً أن الإيرادات ارتفعت بنسبة 4 في المائة – 5.3 في المائة إذا تم استثناء أسهم الطاقة.
وهذا يتناقض مع أوروبا، حيث مؤشر ستوكس 600 في سبيله إلى تحقيق نمو أرباح بنسبة 11 في المائة على خلفية زيادة متواضعة بنسبة 0.1 في المائة في الإيرادات. في أوروبا، الأرباح حتى الآن هي دلالة على جهود خفض التكاليف فقط.
بسبب المخاوف بشأن النمو في شهر أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، خفض المستثمرون تقديرات أرباحهم أكثر قليلاً من المعتاد، وكذلك تمكّنت الشركات من تجاوز التوقعات بأكثر قليلاً من المعتاد. وهذا يُساعد على تبرير الانتعاش في الأسهم خلال الأسابيع القليلة الماضية.
مع ذلك، الأرباح لا تمنح الراحة الكاملة للمتفائلين. فالأرباح المستقبلية تحرك السعر الذي يجب أن يدفعه المستثمرون الآن؛ و”زخم” الأرباح – المعدل الذي يتم على أساسه رفع أو تخفيض نسبة التوقعات – ضعيف. وتحذّر الشركات من أن الأمور لا تبدو جيدة في المستقبل، والتخفيضات تسود.
لذلك الأرباح توفر بعض المبررات للأسهم القوية في الولايات المتحدة، لكن من المشكوك فيه ما إذا كانت تبرر التفاؤل اعتبارا من المرحلة الحالية. إذن، من سيقوم بشرائها؟
هناك مشتر واحد يلوح من حيث الأهمية على المشترين الآخرين كافة. وفقاً لجولدمان ساكس، ستقوم الشركات الأمريكية بشراء 450 مليار دولار من أسهمها هذا العام. وهذا يعادل 50 في المائة أكثر مما ستقوم صناديق الاستثمار المشتركة والصناديق التي يتم تداولها في البورصة بشرائه، وسيعمل على إلغاء تصفية الأُسر الجارية لمقتنياتها من الأسهم المباشرة، بمقدار 430 مليار دولار.
إن ما يفعله الأفراد بأموالهم، وكيف تقوم المؤسسات الكبيرة بتخصيص أصولها، كلا الأمرين له أهمية بالنسبة لأسعار الأسهم. لكن أهميتهما تتضاءل بشكل كبير مقارنة بالشركات. يرى هوارد سيلفربلات، من ستاندرد آند بورز، أن الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قامت بإعادة شراء ما قيمته 155 مليار دولار من أسهمها خلال الربع الثالث. وعلى مدى الأرباع الأربعة الماضية أنفقت 560 مليار دولار، وهو أعلى معدل منذ الأزمة. وهذا يُساعد على تفسير سبب استمرار البورصة في الارتفاع. ومع الديون التي لا تزال رخيصة، المنطق الذي يقوم على استخدام النقود لشراء الأسهم وتقليص تعويم الأسهم، وبالتالي زيادة ربحية السهم الواحد للمستثمرين، يبقى قوياً.
في هذا، الشركات الأمريكية تختلف بعمق عن الشركات الأوروبية. وبحسب باتريك شويتز، خبير الاستراتيجية في جيه بي مورجان لإدارة الأصول، منذ عام 2002 كان تعويم الأسهم يتقلّص بنسبة 0.1 في المائة سنوياً في الولايات المتحدة، في حين أنه يرتفع بنسبة 0.6 سنوياً في أوروبا.
والأداء المتفوّق للشركات التي قامت بمعظم عمليات شراء الأسهم يعتبر أمرا له دلالته. فمنذ حالة السوق السيئة في شهر آذار (مارس) من عام 2009، سجل مؤشر باورشيرز بايباك أتشيفرز للصناديق التي يتم تداولها في البورصة عوائد بنسبة 273 في المائة، مقابل 203 في المائة لمؤشر ستاندرد آند بورز. ومنذ نشأته في عام 2011، كان أداء مؤشر تريمتابز فلوت شرينك للصناديق التي يتم تداولها في البورصة أفضل بكثير، وتغلّب على مؤشر ستاندرد آند بورز بأكثر من 20 نقطة مئوية. لذلك فإن الشركات التي تتعمد تقليص تعويم أسهمها تقوم بقيادة السوق.
لكن هذا التأثير يتراجع وتتخلف مؤشرات هذه الصناديق التي يتم تداولها في البورصة عن مؤشر ستاندرد آند بورز بقليل هذا العام، الأمر الذي يُشير إلى أن المتداولين يعرفون ما هي الشركات التي ستقوم بعمليات إعادة شراء الأسهم الكبيرة، وقاموا باحتساب ذلك في تعاملاتهم. ومن المتوقع الآن أن تقوم هذه الشركات بعمليات إعادة شراء الأسهم. إذا كانت هذه الفرصة لتفوّق الأداء يمكن أن تنتهي، فإن الرسالة لا تزال هي أن عليها تقليص تعويم أسهمها إذا كان بإمكانها ذلك. وبخلاف ذلك، العقاب قد يكون قريباً.
علاوة على ذلك، بما أن التقييمات تصبح أعلى مع ارتفاع البورصة، كذلك عمليات إعادة شراء الأسهم تصبح مُكلفة أكثر، ما يتطلب من الشركات تحقيق تقدّم حقيقي فيما يتعلق بأكوامها من النقود. وبالنسبة للمساهمين، عمليات إعادة شراء الأسهم تصبح مشكوكا فيها بمجرد أن تصبح التقييمات مرتفعة للغاية – ما يعني أن نقودهم الموجودة داخل الشركة يتم استخدامها لشراء شيء يعتبر مُكلفا فوق الحد.
ويُشير شويتز إلى أن الشركات الأمريكية تقوم بإعادة ما بين 80 و90 في المائة من أرباحها إلى المساهمين. وأفضل توقعاته هي أن عمليات إعادة شراء الأسهم سوف تنخفض، لكن ليس بمقدار كبير، بما أن الأرباح مُخيبة للآمال. إذن، الشركات الأمريكية تحقق الأرباح وتمنح الجميع مشتري الملاذ الأخير. وهذا يبرر، أو على الأقل يشرح، الارتفاعات غير المسبوقة لمؤشر ستاندرد آند بورز. لكن هناك أسباب على كلتا الجبهتين تجعلنا نشعر بالقلق بشأن المستقبل.