رضوان مرتضى
أوقف ضابط ورقيب في الجمارك في ملف تهريب هواتف خلوية. وبالاستناد إلى معلومة من تاجر منافس، ضُبطت الشحنة المهرّبة في محلة الكوكودي بعد خروجها من مطار بيروت. أُخلي السبت سبيل الموقوفين وحُررت الشحنة المضبوطة بعد دفع 150 مليون ليرة غرامة جمركية. ليست هذه أوّل «تهريبة» تُمرّر عبر مطار بيروت الدولي، بل ربما هي الصغرى. لكن الضجة التي أُثيرت بشأنها كانت غير اعتيادية، ما كشف عن صراع عنيف بين التجار بعضهم مع بعض.
في الثاني من الشهر الماضي، كمنت دورية من الجمارك بقيادة العقيد ف. أ. لسيارة تحمل على متنها ١٤ حقيبة تحتوي على ٦٠٠ هاتف خلوي حديث (آيفون وآيفون بلاس ونوكيا). وعلمت «الأخبار» أنّ أحد التجّار في دبي أبلغ تاجر الهواتف اللبناني المعروف ك. أ. بخروج كمية من الهواتف آتية إلى لبنان. وتنقل مصادر أمنية أنّ الشحنة رُصِدت بالتنسيق مع الجمارك. تولّى التاجر المحلي لعب دور الدليل. هكذا جرى توقيف السيارة وصودرت الشُحنة المهربة، بعد دقائق من خروجها من المطار. وأوقف شخصان كانا في السيارة هما ع. س. وج. أ.، جرى اقتيادهما إلى أحد مراكز الجمارك.
فور توقيف الشحنة، بادر أحد المسؤولين في الجمارك إلى الاتصال برئيس الدورية طالباً إليه تسليم الهواتف لأصحابها على أن يُضبط نحو ١٠٠ و١٥٠ هاتفاً فحسب، لكن لم يلبث أن عاود المتّصل الاتصال بعد دقائق طالباً احتجاز كامل الشحنة وتوقيف أصحابها، بعد خروج الخبر إلى وسائل الإعلام. ينقل أحد المصادر أن قائمة المضبوطات دُوِّن عليها ضبط ٥٩٧ هاتفاً، أي لم يُدرج ثلاثة هواتف على القائمة. وهكذا تمت مصادرة الهواتف، وتولى ج. أ.، بصفته صاحب الشحنة، التوقيع على المحضر على اعتبار أنّه استوردهم لمصلحة شركة يملكها م. ز. وتعمل في مجال تجارة الهواتف وتحويل الأموال. تسلّم المدعي العام المالي علي إبراهيم عشر حقائب، فيما كان العدد ١٤ حقيبة في الأصل، ما أثار لغطاً، إلا أن المصادر تفيد بأنّ دورية الجمارك قامت بإعادة تعبئة الهواتف بعد الكشف عليها في عشرة حقائب بدل الأربع عشرة، علماً بأن كل حقيبة كانت تحتوي على ٦٠ هاتفاً خلوياً. وقد قُدّرت قيمة الهواتف المضبوطة بـ ـ١٩٤ ألف دولار. وبعدما سُلِّمت المضبوطات إلى مكتب مكافحة الجرائم المالية، عَمَد الأخير إلى تسليمها إلى النائب العام المالي. وأكّدت المصادر أنّه لدى تفقّد علب الهواتف، تبيّن أن معظمها استُبدل بهواتف خلوية بخسة الثمن من الداخل، إلا ان مصادر قضائية نفت ذلك.
أشار القاضي إبراهيم بتوقيف ع. س. ولم يُطلق سراحه رغم تدخّل مسؤول أمني وإرساله صورة عن ورقة الغرامة أو المصالحة التي تجري مع الجمارك. بعد ذلك، استدعى المدعي العام المالي الرقيب في الجمارك ح. هـ. والعقيد ف. أ. ، علماً بأن الأول، بحسب المصادر، لا علاقة له من قريب ولا بعيد بما جرى. فالرقيب المكلّف بالرقابة يمنحه القانون استنسابية انتقاء الحقائب المراد تفتيشها، لاستحالة تفتيش جميع الحقائب. لكن خلال الاستجواب، جرت العودة إلى كاميرات المراقبة لاستعادة عملية مرور الحقائب. وعمد إبراهيم إلى مواجهة ع. س. والعقيد ف. أ. أثناء استجواب الأول بشبهة دفع رشوة والثاني بقبضها. ولمّا أصرّ الاثنان على الإنكار، أشار بتوقيفهما بعدما استجوب العقيد بشبهة قبول بندقية حربية على سبيل الرشوة من أحد رتباء الجيش. وقد استدعي المذكور، لكن الأخير لم يحضر بناءً على عذر طبي.
إشارة المدعي العام المالي قضت بتوقيف الرقيب بتهمة الإهمال، فيما لم تُعرف التهمة التي أوقف عليها الضابط. وبحسب مصادر قضائية، لم يكن حتى السبت قد تبلور الملف بانتظار مثول الرتيب المستدعى. فلم يُحدَّد الوصف الجرمي للتهمة التي أوقف بسببها العقيد، علماً بأن القاضي إبراهيم، بحسب أوساط أحد الموقوفين، تجاوز إدارة الجمارك في توقيف العقيد، حيث كان يُفترض به أخد إذنها قبل الإشارة بتوقيفه، علماً بأن مقرّبين من الضابط يدّعون أنه جرى توقيفه بعد تدخّل مسؤول أمني رفيع. ونهار السبت، أصدر النائب العام المالي قراراً بإخلاء سبيل الموقوفين، على أن يدعى على الضابط الموقوف بجرم الإهمال. وقام أصحاب الشحنة بدفع غرامة جمركية قدرها 150 مليون ليرة لفكّها من الحجز.
هكذا أُجريت المصالحة. فُكّ الحجز عن الهواتف المضبوطة وأُخلي سبيل الموقوفين بانتظار محاسبتهم بجنحة الإهمال في أقصى الأحوال. أما الملف، فترجّح المعطيات أن يُحفظ لعدم كفاية الأدلة.
يؤخذ على المدير العام للجمارك شفيق مرعي تشهيره بالضابط المذكور بمجرّد ذكر اسمه. وتستنكر مصادر في الجمارك تخلّي الإدارة عن الضابط الموقوف، علماً بأنّه كان من ضبط الشحنة. وتتحدث المعلومات عن علاقة سيئة ومتوترة بين مرعي ورئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد نزار خليل.
وكشفت معلومات من داخل المطار لـ«الأخبار» أنّه بعد ضبط الشحنة بثلاثة أيام، سُهّل مرور٣٠ ألف هاتف خلوي لأحد تجار الهواتف البارزين من دون دفع جمركها. كذلك أُدخل بعدها بأسبوعين ٢٢ ألف هاتف خلوي آخر بلا جمارك. وكشفت المعلومات أن هذه الهواتف الذكية يجرى إدخالها وجمركتها على أنها هواتف نوكيا قديمة (من نوع أبو لمبة أو صينية الصنع)، لافتة إلى أنّه في بعض الأحيان كانت تُدخّل الهواتف على أنّها إكسسوارات.