ميليسا لوكية
مع استحواذ ملف السلامة الغذائية الذي أثارَه وزيرُ الصحة وائل أبو فاعور على الإهتمامين الرسمي والشعبي، يمرُّ “اليوم العالمي لضحايا حوادث السرّ”، الذي يصادف الأحد الثالث من تشرين الثاني، دون تسليط الضوء على أهميّة تطبيق قانون السير الكفيل بخفض عدد الحوادث، ورفع الناتج القومي المحلّي. وفيما توازي الخسائر الناجمة عن أزمة الكهرباء تلك التي تسبّبها أزمة السير، تبقى الحلول، وإن كثُرت وتعدّدت، قابعة في غرفة الإنتظار علّها تتحرك فتتحركّ معها عجلة الإقتصاد.
عملَت جمعية “كُن هادي” في العام 2010 على تقصيّ معلوماتٍ عن أسباب حوادث السير وأعدادها، فأجرَت إختباراً في منطقة جبيل عبرَ تقديم برنامج معلوماتي متطوّر إلى الصليب الأحمر اللبناني، أظهرَ بعدَ سنة على استخدامه أنَّ 74% من الحوادث سببها السرعة، وهي تالياً السبب الرئيسي لوفاة الشباب. ويشيرُ رئيس الجمعية فادي جبران إلى أنها قدّمت آنذاك إلى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود دراسةً، تُثبت أنَّ إلتزام قانون الحدّ الأقصى للسرعة يساهمُ في خفض عدد الحوادث 35%. وفعلاً أدّى تطبيق القانون لمدّة شهرين إلى خفض نسبتها بنحو 35% تقريباً.
على خطٍّ موازٍ، تبيّنَ أنَّ كلفة حوادث المرور في لبنان تفوقُ 1,4 مليار دولار سنوياً، أي ما يمثل 3,3% من الناتج المحلي في وقت من المتوقّع فيه أن يساهمَ خفض الحوادث في زيادة النمو بنحو 1,5% إضافية وفق الدراسة. ويؤكّدُ جبران في هذا السياق، أنَّ هذه الخطوة ترتقي بالناتج المحلي القومي إلى حدود ٣%، وأنَّ الأعمال للحدّ من الحوادث مستمرّة، إذ إنَّ الجمعية كثّفت جهودها عبر نشر العاكسات الضوئية على الطرق، وإقامة ممرات للمشاة أمام المدارس، فضلاً عن العمل على إنشاء مركز لدعم الضحايا، لتقديم علاج نفسي مجاني لهم ولأهاليهم على السّواء.
قانون السير…تطبيقه معلّق
صدرَ القانون الذي يُفترض أن ينظّمَ السير ويحدُّ من ارتداداته السلبية على حياة الناس أوّلاَ والاقتصاد ثانياً قبلَ أشهر عدّة ، لكنّه لم يسلك طريقه إلى التنفيذ بعد. وفي هذا السياق، يؤكّد عضو لجنة الاشغال العامة والنقل النائب حكمت ديب أنَّ القانون ضخمٌ جدّا ويضمُّ نحو 400 مادّة، تشملُ تأليف وحدة مرورية تهتمّ بتطبيقه، وتنظيم مكاتب تعليم القيادة بشكل أفضل لكي يترجم ذلك نتائج إيجابية على أرض الواقع، إضافةً إلى إدخال مواد لتدريس التلاميذ أموراً تتعلّقُ بالسيارات والإشارات والطرق، حتى تنضج الأفكار في رأسهم قبل أن يصلوا إلى مرحلة تعلّم القيادة وأن يحصلَ حائزو رخص السوق على 12 نقطة، تحذف مع ارتكاب حاملها المخالفات، استناداً إلى حجمها، وصولاً إلى سحب الرخصة. ويعتبرُ أنَّ هذا القانون لن يمنع وقوع حوادث، لكنّه سيخفّض نسبتها بشكل كبير، معتبراً أنَّ عدم تطبيقه مخالفة دستورية ومخالفة للعمل السياسي. واذ سأل عن قانون منع التدخين الذي طبق لفترة قصيرة قيل أن ينسى، حمّل الوزارات المعنية مسؤولية الإهمال في هذا الموضوع، مشدّداً على أهمية تطبيقه لما له من أهمية في تقليص الحوادث.
حلولٌ لتخفيف الأزمة
فيما لم تنل أزمة السير في لبنان القيمة التي تستحقُّها، تبيّنَ أنَّ كلفتها توازي كلفة أزمة الكهرباء، لأنّها سبّبت خسائرَ كان يفترض أن تكونَ قيمةً مضافةً لتحفيز النمو.
في هذا السياق، يؤكّد عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة الحكمة البروفيسور روك – أنطوان مهنّا، أنّه قامَ بدراسة أخيراً مع فريق عملٍ من جامعة شيكاغو، أظهرَت أنَّ الأزمة تكلّف لبنان ملياري دولار سنوياً بفعل الوقت الضائع الذي يخفّف الإنتاجية، وحرق الطاقة، وصيانة السيارات، وإثناء المواطنين عن التسوّق تفادياً لإمضاء وقت طويل في السيارة، ما يولّدُ نموّاً ضائعاً بنسبة 3% وفرصاً ضائعة بقيمة مليار و350 مليون دولار.
على خطٍّ موازٍ، تسبّب اللجوء السوري الكثيف وعدد السيارات السورية الذي يبلغُ نحو 150 ألف سيارة تقريباً في رفع نسبة حوادث السير 20%، كما أظهرت الأرقام أنَّ عدد السيارات في لبنان هائل، إذ يبلغ معدّلها سيارة لكلّ شخصين مقارنةً بتركيا التي يقتصرُ الموضوع فيها على سيارة لكلّ سبعة أشخاص.
أما في ما يتعلّق بالحلول، فيرى مهنّا أنَّ طبيعة لبنان الجغرافية وامتداده على الشاطئ البحري يُفترض أن يساعداه في تخفيف زحمة السير، مشيراً إلى أنَّ شركتين صينيتين تقدّمتا بإقتراحات لإنشاء أوتوستراد بحري في موازاة الشاطئ بكلفة أقلّ من الأوتوستراد الدائري الذي كان مقترحاً في فترة سابقة، فضلاً عن أنّه لا يستوجب إستملاك أراضٍ، محمّلاً الحكومات المتعاقبة مسؤولية إهمال الأمور الأساسية.
من جهتها، أشارَت التقارير التي أصدرها المنتدى الإقتصادي الى أنَّ لبنان يعاني نقصاً في الخبرة والكفاية لدى الرسميين، لذلك لا يهتمّون بهذا الموضوع. من هنا، احتلَّ لبنان المرتبة الأخيرة بين دول الشرق الأوسط قبل اليمن.
ويضيفُ أنّ جامعة “هارفرد” تقدّمت بمشروع “Bus Rapid Transit”، الذي تبلغ كلفته 84 مليون دولار، والذي يرمي إلى توفير حاملات مقطورة في محاذاة السكة الحديد القديمة بين بيروت وجونية، ومن المتوقّع أن تراوحَ مدّة النقل من النقطة الأولى في بيروت وصولاً إلى جونية 30 دقيقة حداً أقصى في ساعات الذروة. يُضاف إلى ذلك إمكان إعتماد سيارات الأجرة البحرية للإنتقال من مكان إلى آخر، ما ينشّطُ حركة السياحية في المناطق الساحلية، ويتيح استخدام المسطّحات المائية لنقل البضائع، إضافة إلى إقامة المواقف العمومية الأفقية خصوصاً في بيروت وضواحيها لركن السيارات بواسطة الماكينات وإتاحة إنشاء مواقف في مناطق لا تدخلُ ضمن عامل الإستثمار لكي لا يكون عدد الطوابق فوق الأرض محدوداً، وتفادياً للحفر تحت الأرض الذي تعتبر كلفته مرتفعة.