إليك قائمة من الأعوام: 1914، 1939، 1946، 1951، 1972، 1974، 2008. ما الأمر المشترك بين جميع هذه الأعوام؟ الجواب هو أنها جميعا كانت سنوات شعر فيها أحد الأشخاص بالذعر علناً من إمكانية أن تعمل أسعار النفط على دفع الاقتصاد العالمي إلى كابوس طويل الأجل من الركود التضخمي وصراع الطاقة.
في كثير من هذه الأعوام، أغلب ظني أن معظم التركيز كان على جانب العرض. فشركات النفط الكبيرة لا تجري عمليات إحلال لإنتاجها بالاحتياطات الجديدة. ولم نكتشف أي “مناطق نفط” جديدة مثل نورث سلوب في ألاسكا، أو خليج المكسيك، أو بحر الشمال. وبعض البلدان لم يبق لديها نفط بالقدر الذي نظن. وجانب كبير من التحليل الذي يتناول التراجع الحالي في السعر يتمحور حول الارتفاع في الإنتاج الأمريكي.
لكن في الواقع الجزء المتعلق بالطلب في المعادلة هو المثير للاهتمام فعلاً. والنمو العالمي البطيء جزء من هذا. فمن الواضح أن الصين تتباطأ: أسعار المواد الكيماوية – التي عادة ما تكون مؤشرا جيدا لاتجاهات النمو العالمية – تُظهر لنا صورة “سلبية بشكل لا لبس فيه”، بحسب شركة فاريانت بيرسيبشن. وأوروبا التي تمثّل سُدس الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقترب من الركود الانكماشي. والولايات المتحدة لا تملك فعلاً الزخم بالقدر الذي تظن.
إذا لم يكن هذا كافياً لجعلك تشعر بالقلق، قد ترغب في أن تجعل عقلك ينجرف إلى التركيبات السكانية العالمية لمدة دقيقة فقط (فالبقاء مع هذا الأمر مدة أطول يبدو مخيفاً جداً): إذا استمرت النساء في العالم في عزمهن على رفض تكريس أكثر من أربعة أعوام متتالية من حياتهن لتغيير الحفاظات، من الصعب معرفة من أين سيأتي مستهلكو النفط المسرفين في المستقبل. حتى هذا لا يعتبر المفتاح الحقيقي للتفكير بشأن مستقبل أسعار النفط. لنعرف فكرة عما هو، دعنا نرى إذا كان بإمكانك الحصول على رسم بياني طويل الأجل للغاية لمجموعة من السلع. أنا لدي واحد يُظهر الحركة منذ عام 1934. لا أظن أنك تعتقد أنه يُظهر ارتفاع الأسعار بثبات. علينا ألا ننسى أن فكرة ندرة الموارد أساسية لعلم الاقتصاد.
العرض محدود، بالتالي حين ينمو السكان والاقتصادات، ينبغي كذلك أن تنمو معها تكلفة المواد المستخدمة لخلق النمو.
هذا يبدو منطقياً، لكنه أيضاً خطأ تماماً. عند تعديل الأرقام بحسب التضخم سترى أنها في الواقع انخفضت بشكل ثابت نسبياً. هناك علامة حادة للارتفاع من عام 2000 إلى عام 2007 (الصين) وأخرى في الأربعينيات (الحرب) وأخرى في السبعينيات (الاندفاع نحو الأصول الحقيقية مع وصول التضخم لمعدلات جنونية) لكن هذا كل ما في الأمر.
ماذا يحدث هنا؟ عندما تصبح السلع نادرة نبحث عن وسائل لإنتاج المزيد منها، أو لاستخدامها باعتدال أكثر، أو لاستبدالها. تلك القائمة من الأعوام جاءت من كتاب بعنوان “أصغر، أسرع، أخف، وزناً، أكثر كثافة أرخص: كيف يستمر الابتكار في إثبات أن علماء الكوارث على خطأ” للمؤلف روبرت برايس. تقريباً لا توجد مشكلة لا تستطيع رأسمالية المشاريع حلها، إذا توافر الوقت. وهذه هي الحال مع النفط.
دعونا ننظر للقليل الأكثر اعتدالاً. معظم المصنعين يجدون وسائل للمبالغة في كفاءة استهلاك الوقود في سياراتهم (السيارة الجديدة المُباعة في أوروبا تستهلك في المتوسط 31 في المائة من الوقود أكثر مما تدّعيه الشركة الصانعة، وذلك وفقاً لشركة سبيريت مونيتور) لكن مع ذلك هناك شيء مدهش للغاية يحدث. شركة إدارة الصناديق، روبيكوسام، تستخدم سيارة فورد موديل F-150، الأفضل مبيعاً في الولايات المتحدة، مثالا.
الأنموذج الأحدث أخف وزناً بـ 300 رطل من الأنموذج السابق. كذلك يستخدم محركها حديد الجرافيت والألمنيوم لتخفيف الوزن، في حين أن إطارها يستخدم الفولاذ عالي القوة الذي يعتبر أخف وزناً وأكثر صلابة من الفولاذ العادي، وجسمها مصنوع من سبائك الألمنيوم. وهذا يجعلها “أخف وزناً، وأقوى وأكثر مقاومة للخدوش”.
النتيجة هي تحسّن بنسبة 30 في المائة في كفاءة استهلاك الوقود. إن استخدام سيارة فورد لكل هذه المواد في السيارة السائدة يعتبر نوعا من الإنجاز الكبير، لكن استخدام المواد خفيفة الوزن لأنواع المكونات كافة (تخيّل الفرامل مصنوعة من الألمنيوم بدلاً من الحديد المصبوب) بدأ يظهر في أنحاء الصناعة كافة.
حتى شركات الإنتاج الأرقى، مثل بي إم دبليو، بدأت تستخدم ألياف الكربون في السيارات التي بإمكان قرّاء “فاينانشيال تايمز” شراؤها اليوم، مثل سيارة BMW i3 الكهربائية. وفقاً لشركة روبيكوسام، سيتضاعف إنتاج المواد خفيفة الوزن المستخدمة في قطاع السيارات بحلول عام 2030. وهذا يعني كفاءة كبيرة في استهلاك الوقود. وهناك شيء مماثل يحدث في قطاع الطيران، حيث تعمل زيادة استخدام ألياف الكربون في المحركات على تخفيض تكاليف الوقود بنسبة تصل إلى 25 في المائة. كما أن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع أجزاء الطائرات، التي تعمل على تخفيض الحاجة للمسامير والبراغي، يعتبر قفزة كبيرة للأمام أيضاً. وتعتقد شركة إيرباص أن بإمكانها إنتاج طيارة أخف وزناً من النماذج الحالية بنسبة 30 في المائة. عليك أيضا النظر إلى الإحلال. في مدريد أسطول شاحنات النفايات بالكامل (إلى جانب بعض الحافلات والرافعات) يعمل على الغاز الطبيعي المضغوط. وهذه هي الحال أيضاً في كثير من ولاية كاليفورنيا، حيث الغاز يؤخذ من مواقع دفن النفايات. في الوقت نفسه، يقول البروفيسور ستيفن تشو، من مركز أبحاث الطاقة، إن الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية على وجه الخصوص هي الآن متطورة جداً بحيث يعتبر فشلنا في استخدامها بشكل صحيح مسألة “قصور ذاتي” أكثر من كونها مسألة عملية. من يحتاج إلى النفط؟ أو بصورة واقعية أكثر، من يحتاج إلى الكثير من النفط؟ هناك حجة قوية يمكن تقديمها لصالح شراء شركات النفط والتعدين المنهكة في الوقت الحاضر، لكن تشير بعض التوقعات إلى أن أعمال الموارد الأساسية التقليدية سوف تخسر 40 في المائة من حجمها أمام المواد الخفيفة، ولأن قطاع المواد الخفيفة ينمو بمعدل 8 في المائة سنويا، إليكم هذه الفكرة الختامية أقدمها إلى مستثمري الأمد الطويل من بينكم.
هناك شركة واحدة فقط بقيت في مؤشر داو جونز للشركات الصناعية في المائة سنة الأخيرة. وبقيت 22 شركة فقط في مؤشر فاينانشيال تايمز 100 خلال السنوات الـ 30 الأخيرة. فما احتمال أن تظل شركات النفط الكبيرة موجودة حين نتطلع إلى الوراء بعد مرور 30 سنة؟
إذا أردتَ الاستثمار في شيء يعكس إمكانية أنها لن تكون موجودة، انظر إلى صندوق روبيكو سام للمواد الذكية الذي يستثمر، من بين أشياء أخرى، في المواد الذكية التي تقطع الطلب بصورة سريعة على منتجاتها. وهذه موجودة على قائمتي من الشركات التي ربما أقوم بشراء أسهمها.
كذلك أنا أتحدث إلى زوجي بخصوص الحصول على سيارة فورد F-150. أعتقد أن هذه السيارة الشاحنة الصغيرة الجديدة ستكون أفضل من سيارتنا الموجودة لدينا منذ عقد، بالنسبة للبيئة وبالنسبة لحركتي في الذهاب إلى المدرسة والإياب منها.