كتب طوني أبي نجم
“الجنون هو أن تفعل الأمر نفسه مراراً وتكراراً وأن تنتظر نتائج مختلفة”!
ألبرت أينشتاين
منذ حوالى الربع قرن والعماد ميشال عون يحاول أن يصل الى رئاسة الجمهورية.
في العام 1988 نجح في دخول قصر بعبدا كرئيس حكومة انتقالية مهمتها محصورة بتأمين إجراء الانتخابات الرئاسية. طاب مناخ بعبدا لقائد الجيش فحوّل مهمة حكومته الى الاستئثار بالسلطة ومنع إجراء انتخابات رئاسية لا تؤمن وصوله شخصياً. وكانت الفاتورة على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً مكلفة جداً: 3 حروب عاشتها المناطق المسيحية المحررة في عامين، تدمير مصادر القوة العسكرية والاقتصادية المسيحية، إضافة الى اضطرار المسيحيين التنازل عن صلاحيات كثيرة في اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً جديداً للبلاد. والأسوأ أن المسيحيين تكبّدوا آلاف الضحايا إضافة الى مئات آلاف المهاجرين الى بلاد الله الواسعة… كل ذلك لأن استراتيجية العماد ميشال عون قضت بمحاولة تأمين وصوله الى رئاسة الجمهورية بأي ثمن كان!
مشهد مماثل يتكرّر بعد ربع قرن. العماد ميشال عون يفعل أي شيء ليعرقل الانتخابات الرئاسية. الفارق الأساسي هذه المرّة أنه يستقوي بسلاح “حزب الله” وليس بسلاحه. المعادلات نفسها تتحكم باللعبة: إما يتم انتخاب “الجنرال” رئيساً وإما لا انتخابات رئاسية.
لا همّ الأثمان التي قد يدفعها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً. مع “الطائف” انتقلنا في مجلس النواب من 54 نائباً مسيحياً و45 نائباً مسلماً الى المناصفة، مع تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية تكاد تبلغ حدّ التجريد من الصلاحيات. واليوم التلويح بالمثالثة يتم بكل وضوح، وكل تركيز الجنرال على كرسي بعبدا!
بين عامي 1988 و1990 فعل الجنرال كل ما هو ممكن. فاوض العرب خصوصا في قمة تونس، وفاوض السوريين تحديداً، وأرسل عشرات الموفدين الى دمشق نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر السادة فايز قزي، ألبير منصور، الراحل نديم سالم وغيرهم… ورغم كل ذلك لم يتمكن من تحقيق هدفه.
ويبدو أن التاريخ يكرّر نفسه مع “الجنرال”، ولو تغيّرت الظروف. فبعد 25 عاما بالتمام والكمال (1989-2014) ها هو يحاول محاورة الجميع. استلقى بين أحضان “حزب الله” الى درجة “التكامل الوجودي” والى حد أن أصبحا “جسداً واحداً”. ورغم إصداره كتاب “الإبراء المستحيل” إلا أنه انفتح على تيار المستقبل وقصد باريس ملهوفاً للقاء الرئيس سعد الحريري. كلّه يهون على طريق بعبدا. لا مشكلة لديه في تعطيل الانتخابات الرئاسية سنوات، ولو أدى ذلك الى ضرب الصيغة والوصول الى المثالثة…
لا، لم يتعلّم العماد عون من دروس التاريخ. فتاريخ لبنان لم يشهد زعيماً بشعبية مؤسس حزب “الكتائب اللبنانية” الشيخ بيار الجميّل الذي لم يصبح رئيساً للجمهورية. حتى “فتى العروبة الأغرّ” الملك كميل شمعون حظي بشعبيته بعد الرئاسة وليس قبلها. فؤاد شهاب أصبح زعيماً بأدائه خلال الرئاسة. ريمون إدّه كان زعيماً ولم يحالفه الحظ بالوصول الى الرئاسة. المفارقة أن أياً من هؤلاء الزعماء لم يفرّط بمكتسبات المسيحيين ولم يتزلّف للوصول الى أي منصب، وأيا منهم لم يغامر بمجتمعه من أجل كرسي أو منصب…
إنه الأداء نفسه يعيده “الجنرال” مراراً وتكراراً… وهو يتأمّل في نتائج مختلفة!
كم كان محقاً أينشتاين…