يحاول سوق الاستثمار المباشر في الشرق الأوسط أن يضع أيام الجموح وراء ظهره مستقطبا مستثمرين دوليين كبارا وذلك للمرة الأولى منذ أن تكبد المستثمرون خسائر فادحة حينما ضربت الأزمة المالية العالمية المنطقة.
وبينما يتركز معظم الاهتمام على دول الخليج العربية المستقرة فإن المستثمرين الغربيين ما زالوا يسعون وراء علاوات مخاطر في أسواق قريبة منهم نظرا لشيوع الاضطرابات وأعمال العنف في أرجاء مختلفة من الشرق الأوسط.
وتحجم شركات خليجية كثيرة أيضا عن السماح لمستثمرين خارجيين بسيطرة كبيرة عليها ولا تزال قيمة الصفقات التي تم استكمالها متواضعة. ورغم ذلك فإن الاهتمام بالقيام باستثمارات مباشرة في الشركات يتزايد عن الاستثمار في أسواق الأسهم في المنطقة.
وبلغ إجمالي قيمة صناديق الاستثمار المباشر التي أعلن عنها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية العام 1.975 مليار دولار ارتفاعا من 1.23 مليار دولار في عام 2013 بأكمله بحسب بيانات من زاوية وهي إحدى وحدات تومسون رويترز.
وتغطي بيانات زاوية الصناديق التي تستثمر ما يزيد عن 50 في المئة من أصولها في المنطقة ولديها مكاتب تمثيل هناك ولذا فإن أنشطة معظم كبار المستثمرين الدوليين تأتي في مقدمة تلك الأرقام.
ورغم ثروات الأفراد الكبيرة وصناديق الثروة السيادية الضخمة فإن الاستثمار المباشر في الخليج لا يزال يخطو خطواته الأولى مشكلا جزءا ضئيلا من سوق عالمية قوامها 3.5 تريليون دولار.
وعادة فإن الكثير من أموال الخليج تتدفق إلى خارج المنطقة مع إتجاه المستثمرين للتنويع الجغرافي حيث ينظرون غالبا إلى الاستثمارات في الأسواق المحلية باعتبارها رهانات عالية المخاطر.
وحتى الآن فإن أنشطة الاستثمار المباشر لا تزال دون المستويات التي وصلت إليها خلال ازدهار ما قبل الأزمة العالمية التي اندلعت منذ ست سنوات. وأظهرت بيانات زاوية أن الأموال التي استقطبتها صناديق الاستثمار المباشر في الشرق الأوسط ارتفعت من 3.91 مليار دولار في 2006 إلى 8.36 مليار دولار في 2008.
لكن كثيرا من تلك الصناديق مني بفشل ذريع ويرجع ذلك بشكل كبير إلى انهيار سوق العقارات وهبوط أسواق الأسهم وهو ما قوض الثقة في قطاع الاستثمار المباشر في المنطقة لبعض الوقت.
وقال بول هارتر رئيس شركة المحاماة جيبسون دانز ميدل إيست لأنشطة الاستثمار المباشر “قبل وأثناء الأزمة المالية..شهدنا فوضى عارمة في صناعة الاستثمار المباشر في هذا الجزء من العالم الذي قام الآن بترشيد نفسه.”
وتواصل عائلات خليجية كثيرة استثمار ثرواتها لكن شركات الاستثمار المباشر النشطة على النمط الغربي انخفضت إلى بضع شركات. وتستغل تلك الشركات المتبقية تحسن الثقة في الاقتصاد الكلي للانتقال إلى مرحلة جديدة في إبرام الصفقات حيث تبيع الأصول التي في حوزتها منذ فترة طويلة وتستخدم حصيلة البيع في استثمارات جديدة.
ورغم زيادة حجم الأموال التي يتم جمعها فإن الاستثمارات لا تزال تستكمل ببطء نسبيا. فمنذ بداية العام تم استكمال 38 صفقة بقيمة 428 مليون دولار. وهذا مقارنة بنحو 71 صفقة العام الماضي بقيمة 1.01 مليار دولار و101 صفقة في عام 2012 بقيمة 917 مليون دولار بحسب بيانات زاوية.
ورغم ذلك فإن الشركات الدولية التي كان نشاطها في إبرام صفقات في الشرق الأوسط ضئيلا أصبحت أكثر نشاطا.
وفي العام الحالي استحوذت واربرج بينكاس على حصة الأغلبية في ميركاتور ومقرها دبي وهي شركة تكنولوجيا الطيران التابعة لمجموعة دبي بينما تحالفت بلاكستون جروب مع صندوق الثروة السيادية البحريني ممتلكات وشركة فجر كابيتال في شراء حصة في مجموعة جيمس التعليمية.
وقال كريم الصلح الرئيس التنفيذي لجلف كابيتال ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة “نمو القطاع غير النفطي والنمو السكاني السريع والإنفاق الحكومي في معظم الدول الخليجية جعل من المنطقة وجهة جذابة جدا للمستثمرين الدوليين في الاستثمارات المباشرة.”
وشهدت الكويت أكبر نشاط فقد رفض عرض بقيمة 3.2 مليار دولار تقدمت به هيلمان آند فريدمان ومقرها الولايات المتحدة لشراء شركة التلفزيون المدفوع أو.إس.إن وتقدمت كيه.كيه.آر وسي.في.سي كابيتال بارتنرز بعرض مشترك لشراء حصة الأغلبية في الشركة الكويتية للأغذية.
ويعتقد فيصل صرخوه الرئيس التنفيذي لكيبكو لإدارة الأصول إن المستثمرين الغربيين كانت طموحاتهم في الكويت مرتفعة جدا قبل الأزمة. كانوا يريدون حصصا لا تقل عن 30 في المئة في شركات لها أنشطة خارجية وتمثيل على نطاق كبير في الإدارة وهو ما قلص بشدة من خياراتهم.
وقال صرخوه “هناك الآن مزيد من تلك الشركات التي لها أنشطة خارجية وتشكل أنشطة أعمال جيدة متاحة.”
لكن هناك شيئا لم يتغير ويتمثل في علاوة المخاطر التي يريدها المستثمرون الدوليون نظرا للحرب أو عدم الاستقرار السياسي في عدة دول في المنطقة خارج منطقة الخليج.
وقال هاني حسين رئيس إدارة الأصول لدى إتقان كابيتال ومقرها السعودية في مؤتمر عن الاستثمار المباشر في دبي إنه بينما تستهدف الصناديق عائدا محليا 20 في المئة في أوروبا أو الولايات المتحدة فإنها تتوقع 25-30 في المئة في الشرق الأوسط.
ويفتقر المستثمرون الدوليون في الاستثمار المباشر غالبا إلى مكاتب محلية وهو ما يعوق أنشطتهم في المنطقة حيث يعد إبرام الصفقات وجها لوجه أمرا مهما ويسود الحذر من سيطرة الشركات الغربية.
وهذا هو الإتجاه السائد بين قدامي رجال الأعمال من العائلات المحلية الذين يرغبون في بيع أصول وهم يخططون للتقاعد.
وبينما قال ستيف كولتيس رئيس مجلس الإدارة المشارك لسي.في.سي الشهر الماضي إنه يستهدف صفقات بنحو 700 مليون دولار فإن المستثمرين المحليين يتطلعون إلى صفقات دون هذا المستوى.
وقال الصلح إن الشركات الدولية في حالات كثيرة تقوم باستكمال عمل المستثمرين المحليين من خلال شراء استثمارات قامت شركات خليجية بتنميتها وتتطلع الآن لبيعها.