جون اسفيكياناكيس
من المستحيل ألا نلاحظ التراجع في أسعار النفط، الذي كان بحدود 30 في المائة على مدى الأشهر القليلة الماضية. لكن العوامل المساعدة التي أدت إلى هذا التراجع الحاد على غرار ما حدث في عام 2009، حين لامس سعر النفط 33 دولارا للبرميل، مستبعدة إلى حد كبير. بالمثل، من المستبعد كذلك أن تعود أسعار النفط إلى مستوى 100 دولار للبرميل خلال وقت قريب ما لم تحدث عوامل مهمة تؤثر على العرض والطلب.
يعتقد كثير من المحللين أنه حين يكون سعر النفط بحدود 70 دولارا للبرميل فإن هذا ليس مناسبا للسعودية. أصبحنا معتادين إلى حد كبير على ارتفاع أسعار النفط، كما أن أسعار النفط تتحرك في دورات. لكن من رأيي أنه حين يكون سعر النفط بحدود 70 دولارا فإن هذا ليس سيئا على الإطلاق. لأنه سوف يعمل على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، ويجعله معتدلا، وأكثر كفاءة. لكن الأمر الذي يجب الاحتفال به هو ارتباط الريال السعودي بالدولار. ويجب أن نحمد الله على أن لدينا عملة مرتبطة في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار النفط. هناك أمثلة كثيرة على البلدان المنتجة للنفط من التي تواجه تراجعا في أسعار عملاتها لأنها غير مرتبطة بالدولار.
نيجيريا الآن في وضع صعب وتبذل قصارى جهدها لتتجنب الوقوع في أزمة عملة، في الوقت الذي يراهن فيه المستثمرون، نتيجة تراجع أسعار النفط، على أن نيجيريا، أكبر اقتصاد في إفريقيا، سوف تضطر إلى تخفيض قيمة عملتها. في الفترة الأخيرة كان البنك المركزي النيجيري يتدخل بصورة نشطة لمساندة عملة بلاده، لكن مبلغ المليار دولار الذي أنفقه خلال الأسبوعين السابقين أخفق في وقف انزلاق العملة. خلال أسبوعين خسرت نيجيريا حوالي 2.6 في المائة من احتياطياتها. يشكل النفط (وصادرات الغاز الطبيعي في حالة نيجيريا) حوالي 80 في المائة من احتياطيات نيجيريا. وقد أعلنت نيجيريا منذ الآن أن سعر النفط الذي تم احتسابه لميزانيتها لعام 2015 هو 78 دولارا للبرميل.
منذ أوائل عام 2014 تواجه تركيا ضغوطا على عملتها، واضطرت لحرق 5.9 مليار دولار من أجل مساندة العملة التي كانت تحت الضغط. لكن يعتبر الضغط على العملة التركية وكأنه غير موجود عند مقارنة وضع الروبل الروسي.
تقلصت احتياطيات روسيا من العملات الدولية بمقدار الخُمُس منذ أن وصلت الذروة في السنة الماضية، لأن العملة الروسية غير مرتبطة. خلال الأيام السبعة الأخيرة فقط من أكتوبر، خسرت روسيا 10.5 مليار دولار. ومنذ يناير 2014، استخدمت روسيا أكثر من 80 مليار دولار من أجل مساندة عملتها. بطبيعة الحال من الممكن أن نجادل بأن الأزمة في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا في مارس الماضي دفعت برأس المال إلى الهروب من روسيا، وهو ما عمل على إضعاف الروبل وزيادة التضخم.
إن حدوث اقتران يجمع بين المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والمشاكل في سوريا والعراق وإيران، كان من الممكن أن يشجع المضاربين على دفع الريال إلى الأدنى وخلق التضخم، لو لم يكن الريال مرتبطا. إن إدارة الاقتصاد اليوم محمية بصورة أفضل كثيرا حين تكون العملة مرتبطة، وهي أفضل من أية سياسة أخرى.
لو كانت العملة ضعيفة فإنها ستفتح أبواب التضخم، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الواردات، أكثر بكثير مما هي عليه الآن. وحين تتراجع أسعار النفط تتراجع إيرادات الدولة، ما يؤدي إلى الحد من إنفاقها العام. لكن لو كانت العملة معومة، ستضطر الحكومة إلى إضاعة المال في محاولة لمساندة العملة. ستنفق الحكومة في الوقت الحاضر 100 مليار ريال تقريباً من احتياطياتها فيما لو كانت العملة المحلية معومة وستضطر إلى إنفاق المزيد فيما بعد.