انتقلت سوق العقارات التجارية في لندن من الكآبة إلى الطفرة خلال 18 شهراً فقط ومناطق البنايات العالية هي المستفيد الأكبر. وكشفت سلسلة من الصفقات باهظة الثمن في الأسابيع القليلة الماضية عن شهية المستثمرين لعقد الصفقات، وجعل ملكية الأبراج القائمة تتغير مقابل أسعار قياسية، فضلا عن ظهور مشاريع ناطحات سحاب جديدة من المقرر أن تضيء أفق العاصمة.
وفي الأسبوع الماضي دفع الملياردير البرازيلي جوزيف صفرا 726 مليون جنيه مقابل ناطحة سحاب جيركن، التي تعد أبرز معالم منطقة سكوير مايل (الحي المالي). وكان المبنى قد بيع مقابل 600 مليون جنيه عام 2006.
في الوقت نفسه، برج إتش إس بي سي في منطقة كناري وورف مطلوب مقابل 1.1 مليار جنيه، وبذلك يكون قد تجاوز رقمه القياسي السابق البالغ 1.09 مليار جنيه – الذي جعله عام 2007 المبنى الأعلى ثمنا في بريطانيا. وتحالف مشتر راغب في الحصول على البرج، هو هيئة الاستثمار القطرية، مع شركة بروكفيلد الكندية لإدارة الصناديق، لتقديم عرض جريء يبلغ 2.2 مليار جنيه لشركة كناري وورف الأم، سونج بيرد، لكن العرض كان مصيره الرفض في الأسبوع الماضي. واشترت بروكفيلد أيضاً حصة شركة التطوير، جريت بورتلاند، البالغة 12.5 في المائة في مشروع “بيشوبسجيت 100″، وتنوي البدء ببناء برج جديد في أوائل العام المقبل.
في الوقت ذاته، الموقع المجاور للحي المالي، الخاص بتطوير مشروع بيناكل المتعثر منذ فترة طويلة، من المرجح أن يشهد أخيرا نشاطا في عام 2015 مع اقتراب المطور المُخضرم، السير ستيوارت ليبتون، من التوصل إلى صفقة مع الشركة العربية للاستثمارات وسيدكو، لضخ أموال في المشروع.
وجاء التحول الجذري بسرعة، ما يجعل منه الدورة العقارية الصاعدة الأشدّ على الإطلاق. ويقول دون جورديسون، العضو المنتدب في شركة ثريدنيديل لاستثمارات العقارات: “دورة العقارات الأخيرة استغرقت خمسة، أو ستة أعوام للوصول إلى هذا المستوى. لكن هذه المرة استغرقت 18 شهراً. أنا لم أشهد بقعة بهذا الجمال”.
المؤسسات الدولية والأفراد الأثرياء والصناديق، جميعها تشارك في بحث مستميت عن العوائد، العقارات من القطاعات القليلة التي تقدّم عوائد معقولة. ويقول سايمون باروكليف، العضو التنفيذي في شركة CBRE للاستشارات العقارية: “نحن لم نشهد هذا القدر من الأسهم تحاول الدخول إلى سوق العقارات في لندن”.
وباعتبارها الأبرز في مباني المدينة، تتمتع ناطحات السحاب بجاذبية خاصة لدى المستثمرين الأثرياء. وعلى الرغم من أن أسعارها المرتفعة تعني أن العوائد بشكل عام أقل من عوائد أصول العقارات الأقل سحراً، مثل العقارات الصناعية أو عقارات التجزئة، إلا أن وضعها الرائع في أغلب الأحيان يجعلها بمثابة جوائز للمشترين الذين همّهم الرئيس هو العثور على مخزن آمن لنقودهم.
لكن الانتعاش وصل أيضاً إلى مناطق أخرى من السوق. حول العاصمة، كشفت ديلويت هذا الأسبوع أن المساحات المكتبية قيد الإنشاء بلغت أعلى مستوياتها منذ عشرة أعوام. وببلوغها 3.5 في المائة، تكون عائدات المكاتب في منطق ويست إند قد وصلت إلى مستوى قريب من مستويات عام 2007، فيما بلغت عائدات البنايات المكتبية في الحي المالي إلى 4.4 في المائة، وفقاً لبيانات من MSCI/IPD.
ويقول فيل تيلي، العضو التنفيذي في MSCI/IPD: “سوق المكاتب الصاعدة في لندن كانت المستفيد الرئيس من الانتعاش الاقتصادي في المملكة المتحدة – لكن قلة من الناس كان بإمكانهم التنبؤ بنوع الصفقات التي يجري إبرامها الآن، أو ضغط العوائد الذي نراه الآن”.
لكن مات هودجكينز، رئيس قسم العقارات الأوروبية المُدرجة، في شركة إيه إم بي كابيتال الأسترالية للاستثمار المؤسسي، يقول إن المستثمرين لا يتم تحفيزهم ببساطة من قِبل العوائد. “بالنسبة لكثير من المستثمرين الحفاظ على رأس المال أكثر أهمية من العائد على رأس المال”. ويضيف: “تنوع المشترين، والتمويل الرخيص، وقطاع العقارات الذي أثبت مرونته، عوامل تدفع العوائد إلى الانخفاض في الوقت الذي ترتفع فيه الأساسيات بشكل عجيب”.
ويصف جورديسون، من شركة ثريدنيديل للعقارات، السوق بأنها “مندفعة، لكن ليست غير عقلانية بعد”. لكن المخاطرة تتزايد في الوقت الذي يتطلع فيه مستثمرون يعتمدون على الاقتراض إلى منافسة المشترين الأغنياء بالأسهم، الذين يهيمنون الآن.
وأظهرت دراسة لطلبات الاقتراض أجرتها شركة لاكسفيلد كابيتال الاستشارية، أن طلبات الحصول على الديون ارتفعت 27 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية، مع نمو خاص في الصفقات باهظة الثمن.
وبدأ المستثمرون المؤسسيون منافسة المصارف في مجال الإقراض، وذلك وفقاً لإيما هيوبفل، المؤسِسة المُشاركة في لاكسفيلد. وتقول: “المؤسسات البريطانية في الماضي لم تنتقل بسهولة بين الأسهم والديون، لكن الكثير من المؤسسات الدولية من الولايات المتحدة وآسيا ليس لديها مشكلة مع هذا الأمر”. القطاع المُدرج في البورصة يستفيد أيضاً من الطلب الجامح. فقد كان أداء صناديق الاستثمار العقارية جيداً في ظل تذبذب البورصة الشهر الماضي، ما سمح له بالتفوّق على السوق بنسبة 5 في المائة. ويقول مايكل بيرت، المحلل في ليبيرام: “اكتسبت هذه الأصول مكانتها السابقة بشكل كبير في عقول المستثمرين”.
والسؤال الرئيس هو إلى متى سيدوم التحسّن الذي يقول عنه المحللون؟ إنه في الأساس نبوءة في الاقتصاد الكلي. الوكلاء، والمحللون، والمستثمرون، كلهم يتوقعون زيادة كبيرة في النشاط في الوقت الذي يتدافع فيه المشترون للإنفاق قبل نهاية العام، ومن ثم التراخي في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة المقررة في المملكة المتحدة في أيار (مايو).
وتقول كارولين سيمونز، من “يو بي إس” لإدارة الثروات: “بدأ الناس الآن التفكير في المرحلة المقبلة من الدورة. الانتخابات والاستفتاء المحتمل على عضوية الاتحاد الأوروبي يجلبان عدم اليقين، وقد يبدآن بالتأثير في عقول المستثمرين”.