في الربع الثاني من هذا العام، كان الناتج لكل ساعة عمل في اقتصاد المملكة المتحدة 16 في المائة أقل مما لو كان معدل اتجاه الزيادة من بداية عام 1999 حتى نهاية عام 2007 قد استمر. بعبارة أخرى، العمال البريطانيون أقل إنتاجية بكثير مما كنا نتوقع – وهذا له عواقب كبيرة علينا جميعاً. على المدى الطويل، المعدل الذي ترتفع فيه الإنتاجية هو المحدد الرئيسي لمستوى المعيشة. لكن صنّاع السياسة يتجاهلون إلى حد كبير الآثار المترتبة على هذا الانهيار. هل يمكن أن يكونوا مُحقّين في ذلك؟
بين عامي 1999 و2007 كان الناتج لكل ساعة ينمو بمعدل اتجاه يبلغ 2.3 في المائة. لكن بين الربع الأول من عام 2008 والربع الثاني من هذا العام، انخفض بنسبة 2.2 في المائة. هذا الضعف ليس صحيحاً فقط في صناعات الخدمات، التي انخفض ناتجها لكل ساعة بنسبة 0.8 في المائة. بل صحيح أيضاً في صناعات الإنتاج، التي انخفض ناتجها لكل ساعة بنسبة 4.2 في المائة.
المقارنات بين البلدان تُظهر الأداء الأخير بوضوح أكبر. بين عامي 2007 و2013 انخفض الناتج لكل ساعة في المملكة المتحدة بنسبة 3 في المائة. وهذا كان الأداء الأسوأ بين مجموعة السبع التي تتصدر البلدان ذات الدخل المرتفع. في الولايات المتحدة ارتفع الناتج لكل ساعة بنسبة 7.6 في المائة، وفي اليابان بنسبة 4.8 في المائة، وفي كندا بنسبة 2.7 في المائة، وفي ألمانيا 1.8 في المائة، وفي فرنسا بنسبة 1.3 في المائة. وحتى في إيطاليا انخفض بنسبة 1.3 في المائة فقط.
من الطبيعي للاقتصادات أن تكون أصغر بعد الأزمات المالية مما يمكن أن تُشير إليه الاتجاهات ما قبل الأزمة. كذلك من الطبيعي لمعدلات النمو أن تكون أقل، لكن الركود في الإنتاجية أمر نادر الحدوث. فهل هو مؤقت أم دائم؟ الجواب على هذا السؤال حيوي ويعمل على تحديد الآفاق الاقتصادية في المملكة المتحدة.
بما أن هذه البيانات هي للناتج لكل ساعة، فإن التفسير لا يمكن أن يكون في التحولات من العمل بدوام كامل إلى دوام جزئي. إنتاج النفط المنخفض عامل مهم، كذلك هو الانخفاض في التعويضات في الخدمات المالية في صناعات الخدمات. لكن حتى الإنتاجية في قطاع التصنيع أداؤها ضعيف.
النظرية المتفائلة كانت أن الإنتاجية الضعيفة هي نتيجة مرغوبة لسوق عمل مرنة في سياق الانهيار في الطلب. لكن أداء الإنتاجية الضعيف المستمر في الاتجاه الصاعد يُلحق الضرر بهذه الفرضية. كذلك النظرية التي تقول إن الفشل في نظام الائتمان يُفسر الضعف هي أمر مشكوك فيه، بما أن النظام المالي كان يتعافى. إذا كانت أي من النظريتين تعتبر صحيحة، ربما كان بإمكاننا توقع ارتفاع الإنتاجية في الآونة الأخيرة. لكن بدلاً من ذلك، معدل البطالة انهار، مع انخفاض المعدل من 7.7 في المائة إلى 6 في المائة في السنة المنتهية في 31 تموز (يوليو) 2014.
لماذا تم تجاهل انهيار الإنتاجية إلى حد كبير في النقاش العام؟ بالنسبة للحكومات، الإنتاجية الضعيفة هي عكس استحداث فرص العمل، التي تُشيد بها كأنها دفاعها. الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2014 كان 2.1 في المائة فقط فوق مستوياته ما قبل الأزمة. ومع نمو الإنتاجية الطبيعي، لا شك أن معدل البطالة كان ليتجاوز 10 في المائة بكثير.
بالنسبة لحزب العمال المعارض، التركيز على الإنتاجية، بدلاً من نمو الأجور المنخفض وارتفاع الأسعار، من شأنه تقليل فاعلية حملة “تكاليف المعيشة” للحزب. لكن نمو الإنتاجية المنخفض بشكل لافت للنظر يجب أن يكون التفسير الأهم لما كان يشكو بشأنه – حتى لو لم يكُن هو التفسير الوحيد.
أداء الإنتاجية يطرح تحدّيات للسياسيين، وصنّاع السياسة والشركات. كما أنه أيضاً يشكل تحديا للجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، التي يجب أن تتخذ إجراء من أجل اقتصاد تعتبر قدرته المستقبلية غير مؤكدة بشكل كبير. لقد قرر أن يضل على جانب التفاؤل. هذا هو الخيار الصحيح، ولا سيما مع انخفاض الضغوط التضخمية. ولا يزال على المرء أن يأمل أنه، مع تعزيز الطلب وزيادة الاستثمارات، فإن أداء الإنتاجية سوف يتحسن. إذا كان الأمر كذلك، فإن الطاقة ستُظهر نفسها بأنها أكبر مما يُخشى. سيكون من الأفضل الدخول في هذه المقامرة والتشديد، إذا تبيّن أنها خاطئة، بدلاً من السماح بدخول الاقتصاد في فترة ركود استجابة لنبوءة لازمة من التشاؤم فيما يتعلق بالإنتاجية وسياسة متشددة.
مع ذلك، من الممكن أن يكون شيء ما قد حدث بالفعل للاتجاه العام. لهذا السبب، السياسة التي تدعم الاستثمارات لتعزيز النمو في القطاعين العام والخاص، يجب أن تكون على رأس الأولويات. لا يمكن أن يكون هناك مبرر قوي لركود الإنتاجية طويل الأجل، بما أن متوسط الناتج لكل ساعة في المملكة المتحدة كان 76 في المائة فقط من مستويات الولايات المتحدة في عام 2013 وخلف المستويات في فرنسا وألمانيا (التي كانت 88 في المائة و85 في المائة من مستويات الولايات المتحدة، على التوالي). ويبقى مجال المملكة المتحدة للحاق كبيرا جداً.
الإنتاجية الجامدة سمحت للاقتصاد بالجمع بين النمو الضعيف والانتعاش في معدلات التوظيف، وذلك على حساب التراجع في الأجور الحقيقية. هذا من حسن الحظ. لكن في الوقت الذي تشتد فيه أسواق العمل، لا بد لبريطانيا الآن أن ترجو نهاية الجمود. ويجب أن تفعل أكثر من مجرد الرجاء. لا بد لها أن تسعى لتحويل هذا الرجاء إلى واقع.