رائد الخطيب
اتَّسمَ اللقاء الذي أجرتهُ جمعية تجار بيروت مع وزير المالية علي حسن خليل، بارتفاع منسوب شكاوى التجار والمصدرين وغيرهم من القطاعات الانتاجية، من جراء الوضع الاقتصادي الكارثي، الذي يعيشهُ البلد منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، على وقعِ حروب المنطقة عموماً وسوريا تحديداً، وعلى ايقاع الشغور في سدة الرئاسة اللبنانية. هذا الامر حاول الوزير ان يخفف من وطأته محاولا تبديد هواجس التجار المتراكمة بالقدرِ الممكن، سيما وأنَّ نسبةْ النمو الى تراجع، في مقابل ازدياد نسب العجوز سواء في الدين العام أو في موازنة الكهرباء أو المستشفيات سواها. وهذا ما يؤرقُ التجارَّ والدولة معاً.
على أنَّ القلق الأهم، الذي يتوجسُ منهُ التجار خيفةً، موضوع تراكم القروض المصرفية المستحقة عليهم، وعجزهم عن سدادها. اما وزير الماليةالذي حاولَ أن يعطيْ انطباعاً تفاؤلياً لعمل وزارته ولا سيما من زاوية تحسين الأداء الجمركي، فلم يكن بامكانهِ اغفال حقيقة أن الدولة تعاني عجزاً كبيراً، على المستويين السياسي والاقتصاديْ، في ظلِّ شح الوارادات وتفاقم الديون، معلنا أن وزارة المال وضعت جدولا بالمستحقات على الدولة على ان يكون سداد هذه المستحقات على دفعات (كالمتعهدين والمستشفيات…).
في مسألة الضرائب، قال الوزير انه تمت احالة موضوع الخفض الى لجانٍ تقنية مختصة، كونه لا يمكنهُ لوحده أن يبتَّ بها.
هذه المحاور المتشعبة كانت هدف لقاء الحوار مع خليل في مقر جمعية تجار بيروت، بحضور رؤساء جمعيات ونقابات تجارية واقتصادية وانتاجية من بيروت والمناطق. واشاد رئيس الجمعية نقولا شماس بداية بالدور الايجابي لوزير المال، متحدثا عن مستوى الانحداري المالي للتجار مع ازدياد الأعباء التشغيلية، وقال «إنَّ الحرائق المالية في لبنان باتت كبيرة، إلا أنَّ الماءَ قليل».
بعدهُ، تحدث رئيس مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر (بلوم) سعد ازهري، فدعا الى تضافر الجهود من أجل حماية الاقتصاد الوطني. وقال إن الدولة هي أهم زبون للمصارف التي ، مثلا، اكتتبت بنحو 37،5 مليار دولار في سندات الخزينة وسندات اليوروبوندز، داعياً الى إصلاحيات هيكلية للقطاعات وايجاد موارد من شأنها زيادة الايرادات وبالتالي خفض الدين العام. وقال إن من شأن الإصلاحات أن تخدم الدولة والمواطنين والقطاعات والمؤسسات الاقتصادية والانتاجية للدولة والمواطنين، وتحسين بيئة الأعمال.
خليل
بعده، تحدثَ خليل عن الوضعِ السياسي رابطاً انعكاساته على مجمل الأوضاع العامة ولا سيما الاقتصادية منها، وقال «لا يمكن انتظامُ الحياة السياسية والعامة وتشعباتها الاقتصادية والاجتماعية وضمان الاستقرار في المؤسسات من دون انتخاب رئيسٍ للجمهورية. وهذا الأمر يعوق كافة النشاطات الاقتصادية». ولفت الى أن استقامة الحياة السياسية «تحتاج الى حكومة قوية، لا حكومة كل وزير فيها بامكانه أن يضع فيها فيتو وأن يشعر فيها بأنّه رئيس للجمهورية«، لافتاً الى أن حجم التحديات السياسية والامنية كبير، «إلا أنّه يسجل دور ايجابي للجيش اللبناني والقوى الامنية في عملية تثبيت الاستقرار الأمني، ولولا هذا الجهد الاستثنائي لها، لكانت تداعيات الحروب في المنطقة انسحبت على لبنان، وشلت الحركة التجارية ولااقتصادية فيه تماماً.« وأشار الى أن أحداث المنطقة أحدثت اختلالات في الوضعين الاقتصادي والمالي، و«علينا التنبه من هذا، من خلال كسر الحلقة المفرغة، التي من شأنها زيادة نمو الدين العام«.
وقال: «لا يمكنننا أن نرسم صورة وردية للاقتصاد، من دون أن نلحظ ما يحدث على مستوى المنطقة.. فهناك انعكاسات سلبية، ومن أهمها أزدياد معدلات البطالة والفقر والعجز».
أضاف «هناك حاجة ضرورية للتكامل ما بين المؤسسات الاقتصادية والدولة، في اطار احترامِ القوانين ومن أجل تأمين الاستقرار المالي والاقتصادي، فلا قيمة للدولة أو الوزارة إن لم تكن على تماس مع هموم الناس، والمطلوب أن تكون هذه العلاقة متوازنة، منفتحة وببساطة، علينا الخروج من إطار الكلام والدخول بصيغة وضع مقترحات ومشاريع«.
وقال إن الدولة عاجزة أمام سلة من المطالب ولا سيما سلسلة الرتب والرواتب والكهرباء وغيرها، وهو ما يؤثر سلباً رغم محاولاتها تقليص النفقات في بعض الوزارات، خصوصاً وأن هناك تكلفة تصاعدية لنمو الدين، لافتا الى ان وزارة المال لا يمكنها تحمل الأعباء لوحدها ةوعلى الجميع أن يتكاتف معها.
اضاف «اذا تناولنا اليوم موضوع علاقتنا بجمعية تجار بيروت وكل القطاعات التجارية بما يتعلق بتوسيع مروحة دعم الفوائد والقروض بما يشمل القطاع التجاري. فالمسألة ببساطة قابلة للنقاش كما طرحت على أن تعطى على اساس ركائز الانتاج وليس على الامر التشغيلي بما يعني الانشائي والتجهيزي. هو أمر يلامس المنطق وسيكون موضع عناية اساسية وبدأنا بصياغة اقتراح حول هذه المسألة لأن الامر يحتاج الى تعديل في القانون 715 الذي لحظ الزراعة والصناعة والتكنولوجية والسياحة والحرف، علماً أن الامر تطور خلال السنوات فقد بدأنا بـ75 ملياراً عام 2005 ووصلنا عام 2014 الى 225 مليارا ً والمبلغ المقترح من قبل مصرف لبنان للعام 2015 هو 225 ملياراً، ونحن ندرس هذا الامر«. اضاف « نحن نعد صيغة اقتراح تعديل على هذا الصعيد واذ كان بامكان جمعية التجار أو اي اطار قانوني متصل بها أن يساعد على هذا الامر، فنحن جاهزون لتلقن الامر بإيجابية«.
أما في ما يتعلق بتيسير العلاقات بين القطاعات التجارية والاقتصادية مع الدولة وإداراتها، فأعلن خليل تنظيم ورشة لهذا الغرض مطلع الشهر المقبل، لا سميا مع إدارة الجمارك، للدخول بالتفصيل في عملية حل المعوقات ومقاربة كل الملفات عن قرب. وقال «من غير المسموح توجيه التهم للادارات دون اجراء عمليات اصلاحية لها«.
وأعلن توقيعه للمرسوم التطبيقي 273/2014 الذي هو في غاية الأهمية ولا سيما للذين عانوا عجزاً خلال الفترة الممتدة من العام 2003 الى 2008، كما أنه وجه كتابا الى الحكومة وقد وضع على جدول أعمالها، من أجل تشكيل لجنة وزارية مع المؤسسات الاقتصادية للوقوف على مشاكلها، ومعاينة الملفات عن قرب، والكتاب يطلب أن تتحول هذه الهيئة في حال تشكيلها، الى هيئة رسمية.
وفي رده على تساءؤلات رؤساء التجار والنقابات والمؤسسات، أعلن خليل أنه في الأمور الضريبية يحتاج الأمر الى نقاش هادئ بوجود متخصصين، حتى لا يصدر قرار ويتم التراجع عنه في ما بعد. وقال إن إدارة الجمارك ستعمل على إعادة دراسة الرسم النوعي، أملا باعادة تحريك قانون المنافسة الذي هو من اختصاص وزير الاقتصاد. وأعلن أن «ايدال« دفعت معظم مستحقات التجار عن العام 2013 وبدأت بالدفع عن العام الجاري، وأعلن دعمه لكل ما يتعلق بمشاريع التنمية في طرابلس «فكل ليرة تصرف في الشمال، تعزز وجود الدولة»، لافتاً الى أن هناك مشاريع بـ70 مليون دولار خاصة بطرابلس، لافتاً الى أنه يؤيد انشاء مجالس تنمية لا سيما في الشمال والبقاع.
وشكر امين سر جمعية طرابلس غسان الحسامي، خليل على «الاهتمام بطرابلس وتوقيعكم على صرف 35 مليار للتعويض على الزملاء التجار والمتضررين من جولة العنف الاخيرة»، متمنيا عليه النظر الى حال المؤسسات والمحال التجارية التي احترقت بكاملها، وامكان اقرار اعفاءات ضريبية خاصة بها وعدم تكليفها حقا او العودة يوماً ما لدراسة ملفها المالي، اقله للسنتين الاخيرتين.