IMLebanon

العيوب في خطة الإصلاح للأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة

Crisisahead
جون جابر

بعد الفوضى المذهلة، التي اتسمت بها آخر مرة تدافعت فيها الأجهزة التنظيمية والحكومات لإنقاذ المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا، خرجت بخطة للمرة التالية. وهي خطة أفضل من عدم وجود خطة في 2008، لكننا لا ندري إن كانت ستنجح.

تستطيع السلطات إجراء أنواع اختبارات الإجهاد كافة على الهياكل الرأسمالية لأكبر المصارف في العالم، أملا في التنبؤ بمدى قدرة هذه المصارف على تحمُّل الخسائر في حال حدوث أزمة في المستقبل. لكن اختبار الإجهاد الحقيقي الذي تحتاج إليه المصارف فعلا يكون على نفسها – ما إذا كانت ملتزمة بوعدها بالعمل بطريقة سليمة ولطيفة فيما بينها، أم أنها ستعود إلى تفضيل مصالحها الذاتية.

في الأزمات الخطيرة فعلاً – من النوع الذي يغلب عليه أن يقع مرة كل بضعة عقود – أغلب ظني أن الوضع سيظل أن كل مصرف هو الجهاز التنظيمي لنفسه. وهذا لا يعني أن جهود مجلس الاستقرار المالي بلا قيمة، لأن المجلس كشف أخيرا عن خطة للتعامل مع المصارف المعتلة. لكنه يشير فقط إلى واقع لا يمكن أن يمحوه حسن النية مهما كان حجمها.

مارك كارني، محافظ مصرف إنجلترا ورئيس مجلس الاستقرار المالي، صرح بأن النظام وصل إلى “نقطة حاسمة” بعد سنوات من محاولة الأجهزة التنظيمية إصلاح المشكلة. الوضع المفترض الجديد هو أن المصارف ستكون لديها احتياطيات من رأس المال، وسيكون المسؤولون أفضل استعداداً من قبل.

لكن في حين أن المصارف المركزية والأجهزة التنظيمية لديها أدوات قوية وممتازة لإنقاذ المصارف في المرة المقبلة، ستكون حريتها في الحركة أقل بكثير مما كانت عليه. في 2008 استطاعت التصرف بسرعة على أن تواجه الأسئلة في وقت لاحق. في المرة المقبلة، ستكون تحت ضغط حاد – في الولايات المتحدة ستكون ملزمة قانوناً – يمنعها من إنفاق قرش واحد من المال العام على مهمة الإنقاذ.

إذا كان هناك قدر كاف متوافر من رأس المال الخاص – وهو الهدف الذي تريد أن تضمنه خطة مجلس الاستقرار المالي – ربما يتصرف الجميع بصورة لطيفة. لكن إذا كان هناك حتى خطر طفيف في أن ينفد رأس المال، فإن كل بلد سيحاول اقتناص أكبر قدر ممكن منه. وأي مسؤول يسمح بتحويل رأس المال إلى فرع أجنبي لأحد المصارف المعتلة، سيعاني متاعب. حدث هذا من قبل، مثلا، حين تم تقسيم ليمان براذرز إلى أقسام، ثم بيعت بصورة مستقلة. إذا حدث هذا مرة ثانية، فمن المؤكد أن يفرض ذلك نهاية المصارف العالمية والشركات المعقدة العابرة للحدود التي لا تزال تهيمن على أسواق رأس المال والإقراض، على الرغم من كونها مكروهة من الناس إلى حد كبير منذ أزمة 2008.

إذا حدث هذا فلن يبكي أحد عليها. إن إخفاق الأجهزة التنظيمية في فرض قيود على نطاق المصارف الـ 28 “المهمة لسلامة النظام المالي العالمي”، باستثناء تسوير وحماية أصحاب ودائع التجزئة في الولايات المتحدة، وقاعدة فولكر التي تحظر على المصارف الدخول في بعض أنواع استثمارات المضاربة، يعني أن المصارف لا تزال كبيرة بصورة غير مريحة. وأفضل ما يمكن أن نرجوه هو أنها لم تعد كبيرة على نحو يجعل من غير الممكن السماح بانهيارها.

لا تزال المصارف تتصرف بصورة سيئة. الغرامات التي فرضت أخيرا بقيمة 4.3 مليار دولار على خمس منها، من بينها رويال بانك أوف اسكوتلاند ويو بي إس، بسبب التلاعب في أسواق العملات الأجنبية، تبين مدى صعوبة تحسين سلوكها. التلاعب المذكور لم يحدث في كازينو المصارف الاستثمارية، وإنما في الأعمال التي هي جزء من كل مصرف كبير.

لكن تقسيم المصارف على أسس البلدان التي تحمل جنسيتها، من أجل مواكبة هيكل المصارف المركزية والأجهزة التنظيمية، لن يحل هذه المشكلة ومن شأنه أن يضر بالتمويل والتجارة العالمية. وهذا هو السبب في أن مجلس الاستقرار المالي حاول إشراك الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وحملها على الاتفاق على نهج مشترك.

تمكن المجلس من ذلك، على الرغم من التنازلات التي لا بد منها الاعتراضات الأوروبية، والاعتراضات اليابانية، والاعتراضات الصينية (وآخرها أن المصارف من بلدان الأسواق الناشئة تستطيع تجاهل أهم جزء). إلى جانب النسب الأعلى لحقوق الملكية التي فرضتها قواعد بازل 3، وإن لم تكن عالية بما فيه الكفاية، لا بد للمصارف الكبيرة أن تقتني سندات طويلة الأجل يمكن بالقوة استخدامها وبيعها لإنقاذ المصرف.

جوهر الصفقة هو “نقطة الدخول الوحيدة” – أي الفكرة التي تقول إن الجهاز التنظيمي الذي يتبع إليه المصرف الذي ضربته الأزمة سيؤمن ما يكفي من رأس المال لإبقائه على قيد الحياة وفي الوقت نفسه شطب الخسائر في أصوله واستبدال التنفيذيين فيه. ستكون الولايات المتحدة واثقة بما فيه الكفاية في عملية تفكيك تقودها ألمانيا لأحد المصارف العالمية بأنها لن تحجز على أعمال المصرف في وول ستريت.

يمكن لهذا أن ينجح لو كان مصرفا واحدا هو الذي يعاني المتاعب وكانت بقية المصارف مستقرة. سيتصرف الجميع بصورة حسنة، وستكون سندات الإنقاذ الداخلي، التي توضع من أجل طمأنة كل جهاز تنظيمي بخصوص متانة كل قسم من أقسام المصرف، مناسبة للغرض.

لكن إذا وقعت أزمة واسعة، فإن كل شيء سيتعرض للإجهاد. في عملية الإنقاذ العامة، تستطيع الدولة القوية أن تنفق ما تدعو إليه الحاجة من أجل تدعيم النظام. ولا تستطيع أية عملية إنقاذ داخلي أن تصل إلى هذا المستوى – حتى لو اقتنى المصرف رأسمال يعادل 20 في المائة من أصوله بحسب الوزن النسبي للمخاطر، لأن الموارد المتاحة لإنقاذه محدودة.

كذلك عمليات الإنقاذ الداخلي (باستخدام رأسمال المصرف) بالجملة يمكن أن تسبب الإجهاد في أجزاء أخرى من النظام المالي، بين شركات التأمين ومديري الأًصول الذين يقتنون السندات التي يتم تبادلها مقابل أسهم حقوق الملكية. راندال كوزنر، وهو محافظ سابق في الاحتياطي الفيدرالي، يدرِّس الآن في جامعة شيكاغو، يشير إلى أن نقل الخسائر إلى أنحاء النظام المالي لا يؤدي إلى اختفائها.

ستمارس الأجهزة التنظيمية إجراءاتها وسط عوامل لبس، مع علمها أنها لا تستطيع أن تخاطر بإضعاف مصارفها إلى النقطة التي تدعو فيها الحاجة إلى استخدام الأموال العامة لإنقاذها. سيتطلب الأمر قدرا كبيرا من الانضباط من أجل الالتزام بخطة مجلس الاستقرار المالي، والثقة بجهاز تنظيمي أجنبي لضمان أن أنظمتها المصرفية ستنجو من الجيشان دون أن يمسها أذى.

هذه خطوة إلى الأمام، لأن المصارف ستكون مرسملة بصورة أفضل، وسيكون لدى الأجهزة التنظيمية خطة مشتركة. لكنها لن تتعرض للاختبار إلا في حالة وقوع الأزمة، حين يكون النفور من المخاطر في أوجه. وربما لا تكون كافية.