Site icon IMLebanon

هبوط أسعار النفط يخفّض من العجز في لبنان؟

EnergyCostsLeb
بروفسور جاسم عجاقة
يتعلّق الاقتصاد اللبناني بشكل كبير بالنفط. وهذا التعلق هو نتيجة الهيكلية الإستهلاكية لهذا الاقتصاد حيث لا يوجد تقريباً أيّ نشاط إقتصادي في لبنان لا يستخدم النفط بشكل أو بآخر. والمُلفت للنظر أنّ الاقتصاد اللبناني لا يستخدم النفط في صناعات تحويلية إلّا بنسبة ضئيلة والسبب يعود إلى غياب الصناعات الثقيلة التي تستهلك كثيراً من الطاقة الحرارية.

وهنا نرى أنّ الإستخدام يقتصر على الإستهلاك النهائي حيث يتعلق بعض القطاعات بشكل شبه حصري بالنفط كقطاع النقل الذي يعتمد كلياً على النفط وقطاع الكهرباء الذي يُشكل النفط 70% من إستهلاكه وهو إستهلاك لا يتمتع بالكفاءة الحرارية التي تتمتع بها معامل توليد الطاقة العالمية.

هذا الإستهلاك يُكلّف لبنان ما يوازي 5 مليارات دولار سنوياً حيث يتأثر لبنان وبشكل كبير بتقلب أسعار النفط بنسب تزيد عن الـ 30% أحياناً! وبغياب أيّ تنويع في مصادر الطاقة وتعلق قطاعَي الكهرباء والنقل بالنفط، نرى أنّ التغيرات في أسعار النفط تؤثر بشكل تلقائي في الكلفة على الاقتصاد خصوصاً في مرحلة صعود الأسعار حيث إنّ ارتفاع أسعار المشتقات النفطية لا يُبرَّر بإرتفاع أسعار النفط العالمية وذلك بسبب وجود كارتيلات النفط.

والأن ومع هبوط الأسعار بنسبة 30% عن أسعار تموز الماضي، من المفروض أن تقل الكلفة الحرارية على لبنان وبالتالي فإنّ عجز شركة الكهرباء الناتج من إستيراد الفيول – والذي يُشكل 70% من كلفة إنتاج الكهرباء – سيقلّ حُكماً.

وإذا بدأ المواطن يلحظ تدنّي الأسعار على محطات الوقود، فإنّ هذا الإنخفاض ليس بالحجم المنتظَر والسبب يعود إلى طريقة حساب هذه الأسعار والتي تعتمد على معدل الأسعار في الأسابيع الثلاثة الأخيرة, والمشكلة أنّ الفواتير التي تبرز هي فواتير المنشأ ولا تدقيق للدولة فيها ما يجعلها عرضة للتلاعب.

يستورد لبنان ما يقارب الـ 5.5 ملايين طن سنوياً من المشتقات النفطية مع سعر متوسطي يبلغ 687 دولاراً أميركياً للطنّ الواحد خلال الأعوام الأربعة الماضية. وهذا السعر هو سعر مُرتفعٌ جداً نسبة إلى بلدان أخرى كالصين التي يبلغ معدل السعر فيها 777 د.أ. أما في فرنسا مثلاً فقد بلغ سعر الطنّ الواحد 950 د.أ. في العام 2012 مقارنة بلبنان 900 د.أ مع الأخذ بعين الإعتبار كلفة النقل والإستخدام المكثَف للنفط في الصناعات التحويلة في فرنسا والإستخدام الإستهلاكي النهائي في لبنان.

التداعيات على الخزينة العامة…

وبالنظر إلى حجم تحاويل الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2013 وإذا ما اعتبرنا أنّ 70% من الكلفة تذهب إلى الفيول، نرى أنّ الكلفة الحرارية الإجمالية بحدود الـ 1.5 مليار دولار. ومع هبوط أسعار البترول بنسبة 30% في الأشهر الستة الأخيرة يكون التوفير الإجمالي المُتوقَع على الخزينة بحدود 250 مليون دولار. بالطبع هذا لا يأخذ بعين الإعتبار الدعم على المازوت الأحمر.

وعلى رغم أنّ هذا المبلغ محدودة إلّا أنه من المفروض أن يخفف الأعباء على الخزينة العامة في وقت أصبح فيه العجز يتخطى الـ 6 مليارات دولار سنوياً أيْ ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي حال إستمرّ هذا الإنخفاض على الوتيرة نفسها لفترة تفوق السنة فإنه من المفروض أن يصل التوفير على الخزينة الـ 700 مليون دولار مع نتائج إيجابية في الاقتصاد عامة- ولو بشكل محدود نظراً لغياب الصناعات التحويلية والثقيلة. كيف يُمكن الإستفادة من هذا التوفير…

ممّا لا شكل فيه أنّ قطاع الكهرباء يستنزف الخزينة اللبنانية. هذا الإستتزاف يُمكن وقفه عبر إنشاء معامل حديثة عن طريق إستخدام الأموال التي يتمّ توفيرها من إنخفاض أسعار النفط. فكلفة بناء معمل توليد للكهرباء مع طاقة بحدود 1000 ميغاوات هي بحدود الـ 400 مليون دولار أميركي، ما يعني أننا قادرون على بناء المعمل الأول في غضون سنة واحدة.

والأمر لا يتوقف هنا، فتشغيل المعمل الجديد سيسمح بتوفير كلفة الفيول والتشغيل في المعمل الذي سيتمّ توقيفه ما يعني البدء ببناء معمل أخر وهكذا دواليك ليتمّ في النهاية بناء 5 معامل تؤمّن ما لا يقل عن 3500 ميغاوات. هل ستسمح كارتيلات النفط بهذا الأمر…

أظهر التاريخ أنّ قوة كارتيل النفط في لبنان كبيرة حيث رفضت الحكومة السابقة منذ بضع سنوات العرض القطري بإنشاء معمل توليد كهرباء مقابل إستيراد الغاز من قطر. وإذا كان السبب الرسمي لهذا الرفض غير واضح إلّا أنّ التحليل يُظهر أن المستفيدين من إستيراد الفيول رأوا في هذا المشروع ضرباً لمصالحهم وبالتالي قاموا بإستخدام نفوذهم لوقفه.

لذا من غير المُتوقع أن يؤدي التوفير الناتج عن الدعم لشركة كهرباء لبنان إلى نتيجة في قطاع الكهرباء وسيتمّ إستخدام الأموال في الموازنة في بنود إنفاقية أخرى.

في الختام لا يُمكن إلّا أن نتساءل عن مدى كفاءة إقتصاد تُشكل فيه الفاتورة الحرارية أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي نسبة إلى بلدان كفرنسا التي لا تزيد فيها الفاتورة الحرارية عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي ما يطرح السؤال عن: أولاً مدى صوابية الخيارات الاقتصادية التي يقوم بها لبنان وثانياً مدى تغلغل الفساد في أماكن صنع القرار. فهل تنظر الحكومة اللبنانية إلى هذا الملف على أنه ملف حيوي أو تعتمد سياسة الـ Laisser-faire؟