عصام الجردي
ستمكث اليابان طويلاً في النفق الاقتصادي بعدما كانت قبلة النمو والابتكارات التي أدهشت العالم عقوداً من الزمن، قبل الازمة المالية والاقتصادية العالمية 2008 . انكمش اقتصادها 6 .1 في المئة في الربع الثالث 2014 . يعقب انكماشاً أقوى بواقع 8 .6 في المئة في الربع الثاني من السنة . تراجعان في فصلين تواليا يعني الركود في المنظور الاقتصادي . هذا يجعل اليابان الدولة الأكثر تأثراً بالأزمة العالمية . اقتصاد منطقة اليورو ما زال يحتمل ركوداً بأعشار الواحد في المئة . ويتفاوت بين دولة وأخرى.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 واستسلام الامبراطور هيرو هيتو بصوته على الملأ، واليابان تحت العباءة الأمريكية . الخلافات التجارية والاقتصادية الحادة التي تنشب بين أكثر من دولة آسيوية والولايات المتحدة على حماية الصادرات، وأسعار الصرف وتوجهات الاقتصادات نحو الاستثمار أو الاستهلاك وغيرها، لا نرى نظيرها بين اليابان والحليف الأمريكي . أقصى ما يمكن أن تلجأ إليه الأولى في حالات مماثلة، الاحتكام إلى قواعد منظمة التجارة العالمية وقت الخلاف على مندرجات القواعد تلك . ومن عجب، أن اقتصاد اليابان الذي حاز تنافسية هائلة في الأسواق الخارجية، واكتسب مرونة عالية للتكيف مع التطورات التي أفرزتها العولمة، لم يفلح بعد في استعادة استقراره . على الرغم من الموارد البشرية الكافية، والقاعدة التكنولوجية المميزة التي تتمتع بها اليابان.
شيء ما غير سوي في الإجراءات التي اتخذتها الحكومات سبيلاً للخروج من الأزمة . أو في تنفيذها . فإجراءات حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي كانت شبه ما أقدمت عليه دول صناعية كثيرة لتحريك اقتصاداتها . نعني الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو . قبل نحو عام أطلق آبي خطة اقتصادية حملت اسمه abenomics من ثلاثة أضلع، فيها من التيسير الكمي وخفض الفوائد، والتوسع المالي، والنمو هدفاً نهائياً . كان من المألوف استجابة الاقتصاد بقطاعات الريع على نحو كبير للتيسير الكمي والتوسع المالي . أي للضلعين الأولين من الخطة . ارتفع نيكاي إلى مستوى قياسي في سوق طوكيو المالية . ومعه سعر صرف الين على الدولار الأمريكي بنحو 20 في المئة . الضلع الثالث الأهم العائد إلى النمو لم يتحقق بدليل النمو السالب . هناك من يرد النتائج الى اقدام الحكومة على رفع ضريبة المبيعات سلعاً وخدمات (الاستهلاك) على دفعتين إلى 10 في المئة . ضعف ما كانت عليه . نفذت الجرعة الأولى إلى 8 في المئة في إبريل/نيسان ،2013 بافتراض الثانية في 2015 . حصة الاستهلاك زهاء 60 في المئة من الاقتصاد الياباني وتأثيرها مباشر عليه . إذ بعد الإعلان مسبقاً عن الضريبة، حصل طلب استهلاكي كبير قبل سريان مفاعيلها . فتحقق نمو إيجابي في الفصل الأول من السنة.
الحكومة وقد خفضت ضريبة الأرباح، طمحت إلى زيادة معدلات الأجور الجامدة في اليابان منذ ،2009 لزيادة القوة الشرائية بما يعوض زيادة ضريبة المبيعات من جهة، ويؤمن عائدات للخزانة المنهكة عجزاً وديناً من جهة ثانية . لم تتحرك الأجور، فارتفعت الأسعار وتراجع الطلب الداخلي على الاستهلاك . سياسة التوسع المالي خصصت مليارات الدولارات للبنى التحتية في اليابان . كان نحو ثلثها لإزالة الأعطال التي خلفتها الزلازل الخطرة التي ضربت مناطق واسعة في السنوات الثلاث الأخيرة . كان أخطرها وأقدمها خسائر مالية، التسونامي الذي طال مفاعل فوكوشيما النووي.
أغلق عدداً من المفاعلات التي تولد الطاقة الكهربائية . واستبدل بالوقود التقليدي غازاً ونفطاً بتكلفة عالية فاقمت الأعباء المالية . وبلغت الأضرار قطاعات صناعية ومنشآت منتجة إلكترونيات وصناعات تصديرية . قطاع الكهرباء في اليابان الذي تهيمن الحكومة عليه لأسباب تتصل بادارة المفاعلات النووية،مطروح حالياً على القطاع الخاص للإنتاج من مصانع تقليدية وتحريك الاقتصاد . أما الشق المتعلق بمخصصات الاستثمار في البنى التحتية الذي يتولى القطاع الخاص تنفيذه فأثره الكامل في الاقتصاد يستلزم في العادة نحو ثلاث سنوات.
تكافح اليابان لخفض مديونيتها الأعلى في العالم . ويقدر أن تبلغ في نهاية 2014 بعملتها كوادريليون ين . (14 خانة أصفار بعد ال1) من نحو 10 تريليون دولار أمريكي تمثل نحو 220 في المئة من ناتج اليابان المحلي . (نحو 1 .5 تريليون دولار 2013) تنفق اليابان حالياً من زاد العقود الماضية ومن احتياطات اجنبية تقدر بنحو 3 .3 تريليون دولار أمريكي . ومن استثمار تلك المؤونة في سندات دين وتوظيفات خارجية من الدرجة الأولى . لاتزال تتمتع بثاني احتياط عالمي بعد الصين المقدر أن تكتنز منه في نهاية 2014 ما يربو على 4 تريليونات دولار أمريكي . ما كان مألوفاً من فوائض تجارية لليابان بات متأرجحاً عجزاً وفائضاً، ويضغط على حسابها الجاري . فاتورة النفط ثقيلة جداً . واليابان ثاني مستورد صاف لهذه السلعة.
في اليابان أسلس انتقال حضاري للسلطة . الصحافة اليابانية تتحدث عن احتمال دعوة الحكومة لانتخابات مبكرة لمجابهة أزمة الركود . وفيروس النظام الرأسمالي العالمي يغتال ما سمي يوماً “العجيبة اليابانية”.