عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
مثلما نرى فإن أسعار النفط لا تتوقف عن التراجع، فهي قد وصلت إلى ما دون 80 دولاراً حتى الآن، وهذا يثير اهتمام الدول المصدرة والمستهلكة، أي تقريباً كافة بلدان العالم، ولذلك نرى ارتدادات الصدى ليس فقط من خلال تحليلات المتخصصين والباحثين أو وسائل الإعلام وإنما أيضاً عبر تعليقات قادة العالم، فتعالوا نناقش ردود الأفعال تلك بتقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين.
المجموعة الأولى ينضوي تحتها أنصار نظرية المؤامرة، وهؤلاء كالعادة يعتقدون أن هناك توجهاً مقصوداً لخفض أسعار النفط، ولكنهم لا يتفقون فيما بينهم على الهدف من وراء التخفيض، فهناك من يشير إلى أن الولايات المتحدة تحاول إثارة المتاعب أمام روسيا بسبب دورها في أوكرانيا، ولكن أصحاب هذا الرأي لا يوضحون كيف سيتسنى لأميركا معاقبة روسيا من دون أن تلحق الضرر بنفسها، فإنتاج الغاز الصخري الذي خفف من اعتماد الولايات المتحدة المتزايد على واردات الطاقة يصبح إنتاجه غير مجدٍ عندما تنخفض أسعار النفط بشكل كبير، فمثلما نعلم فإن الولايات المتحدة كانت تستورد 60% من احتياجاتها للطاقة عام 2005، ولكن مع بدء إنتاج الغاز الصخري فإن هذه النسبة انخفضت عام 2010 و2013 إلى 45% و40% على التوالي، ولكن إذا تراجعت أسعار النفط إلى 50 دولاراً، وهو ما تشير إليه توقعات وزارة الطاقة الأمريكية، فإن إنتاج الغاز الصخري يصبح غير مجدٍ، فحسب تقديرات جولدمان ساكس فإن متوسط سعر تعادل إنتاج الغاز الصخري هو عند 75 دولاراً للبرميل، وعلى هذا الأساس فإن هناك من يتهمنا نحن في المملكة بالسعي لخفض أسعار النفط بهدف إزاحة منتجي مصادر الطاقة الجديدة من السوق وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعتبر من أكبر مستوردي النفط من المملكة ومن المنافسين في الإنتاج.
أما المجموعة الثانية فهي ترى أن تراجع أسعار النفط مردها عوامل اقتصادية، وعلى رأسها يأتي تراجع النمو الاقتصادي في البلدان التي تستهلك الطاقة بشكل كبير مثل الصين، كذلك فإن ارتفاع سعر صرف الدولار يصب في نفس الخانة، وفي هذا الجانب يجب أن لا ننسى فيض إنتاج النفط، فرغم أن أصابع الاتهام دائماً ما تتجه نحو أعضاء الأوبك فإنه يتم غض الطرف عن زيادة الإنتاج في البلدان التي لا تنتمي إلى المنظمة.
وعلى ما يبدو فإن الجانب الاقتصادي هو العامل المهم هنا، ففي ظل انخفاض معدلات النمو فإن تراجع أسعار النفط إلى 70 دولاراً من شأنه أن يمنع تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني إلى ما دون 7% وأن يساهم في نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2%، ورغم ذلك فإنه لا يمكن تجاهل الجوانب الجيوسياسية، فاصطفاف العالم وفقاً لما لدى البلدان من ثروة والنفط من أهمها يضع على بلدنا، في ظل الظروف الراهنة، عبئاً إضافياً، فالمملكة باعتبارها تملك أكبر احتياطي للنفط في العالم وصاحبة أضخم قدرة إنتاجية له لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج وهي ترى الخلل في ميزان الطاقة العالمي، فظهور مصادر الطاقة البديلة وإنتاج النفط غالي التكلفة ما كان له أن يتم لو لم ترتفع أسعار النفط إلى المستويات التي وصلت اليها سابقاً.