مع تزايد الارتفاع في حرارة الأرض، ستصبح موجات الحرارة وغيرها من الأحداث المناخية التي لا تحدث حاليا إلا مرة واحدة كل عدة مئات من السنوات، إن وقعت أساسا، هي “الواقع المناخي الجديد” ليصبح العالم حينئذ أكثر اضطراباً . وستكون العواقب وخيمة على التنمية حيث ستنخفض غلة المحاصيل، وتتبدل الموارد المائية، ويرتفع منسوب سطح البحر، وتتعرض معايش ملايين البشر للخطر، كما يؤكد تقرير علمي جديد أصدرته مجموعة البنك الدولي أمس .
يوضح تقرير اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد أن آثار تغير المناخ كموجات الحرارة المتطرفة ربما لا يمكن الفكاك منها الآن . لأن نظام الغلاف الجوي للأرض في طريقه لأن يصبح بحلول منتصف القرن أكثر حرارة بمقدار 5 .1 درجة مئوية عن المستويات السائدة قبل الثورة الصناعية . ويضيف التقرير أنه حتى إذا اتخذت تدابير شديدة الطموح للتخفيف من الآثار اليوم فلن تغير هذا الوضع .
مسار لا يمكن تفاديه
وعن هذا التقرير يقول رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم “يؤكد تقرير اليوم ما يقوله العلماء وهو أن الانبعاثات الماضية قد حددت مساراً لا يمكن تفاديه للاحترار خلال العقدين المقبلين، وهو ما سيؤثر في سكان العالم الأشد فقراً وأكثر ضعفاً أكثر ما يؤثر . . ونحن نشهد بالفعل درجات حرارة تتجاوز المستوى القياسي بشكل متكرر، وتزايد كثافة الأمطار في بعض الأجزاء، وزيادة الجفاف في مناطق معرضة للجفاف مثل حوض البحر المتوسط” .
وتابع كيم قائلاً “تزيد هذه التغيرات من صعوبة الحد من الفقر وتعرض للخطر موارد رزق ملايين البشر . . ولها تبعات خطيرة أيضا على ميزانيات التنمية، وعلى مؤسسات مثل مجموعة البنك الدولي، حيث يجب الآن بناء القدرة على الصمود في استثماراتنا ومساندتنا وخدمات المشورة، ومساعدة المتضررين على التكيف” .
تزايد مشكلات الفقر
ويكشف التقرير الذي أعده لمجموعة البنك الدولي معهد بوتسدام لبحوث آثار المناخ والتحليلات المناخية كيف أن ارتفاع درجات حرارة العالم سيعرض صحة أشد فئات السكان ضعفا وموارد رزقهم لمخاطر متزايدة ويزيد بدرجة كبيرة من المشكلات التي تكافح كل منطقة للتغلب عليها اليوم .
والتهديد المشترك في المناطق الثلاث هو المخاطر التي تمثلها موجات الحرارة . إذ تظهر النماذج المناخية الحديثة أن موجات الحرارة المتطرفة “غير العادية للغاية”، كما حدث في الولايات المتحدة عام 2012 وفي روسيا عام ،2010 تزداد بسرعة عند ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية .
ويكشف أيضاً أن مخاطر تراجع غلة المحاصيل وفقدان الإنتاج في المناطق محل الدراسة تزيد سريعا مع ارتفاع الحرارة 5 .1 درجة ودرجتين مئويتين . ويشير التقرير إلى أن التراجع في الإنتاج الزراعي سيكون له آثار أيضاً خارج مناطق الإنتاج الرئيسية حيث ستكون هناك تبعات قوية على الأمن الغذائي، وربما يؤثر سلباً في النمو الاقتصادي والتنمية، والاستقرار الاجتماعي والرفاه .
انخفاض غلة المحاصيل
يؤكد التقرير فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الزيادة الكبيرة في موجات الحرارة التي تصاحبها زيادة في متوسط درجات الحرارة ستخلق ضغوطاً حادة على الموارد المائية وتسفر عنها عواقب ضخمة على الأمن الغذائي للمنطقة . وفي الأردن ومصر وليبيا، قد تنخفض غلة المحاصيل نحو 30 في المائة مع ارتفاع الحرارة ما بين 5 .1 درجة ودرجتين بحلول عام 2050 . وربما تؤدي الهجرة والضغوط ذات الصلة بالمناخ على الموارد إلى زيادة مخاطر نشوب صراعات . ويحذر التقرير أيضاً من أنه إذا استمر الاحترار الحالي من دون أي تدابير لوقفه، فقد يثير هذا تغيرات لا تُمحى على نطاق واسع .
وفي شمال روسيا، سيهدد الموت التدريجي للغابات وذوبان المنطقة دائمة التجمد بزيادة الاحترار العالمي مع إطلاق الكربون والميثان المختزنين إلى الغلاف الجوي ما يخلق دائرة مغلقة من الارتفاع الذاتي للحرارة . وقد تزيد انبعاثات الميثان ما بين 20 و30 في المائة في أنحاء روسيا عند ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين بحلول عام 2050 .
وفي هذا الصدد تقول رايتشل كيت، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي والمبعوث الخاص لشؤون تغير المناخ “يوضح التقرير بما لا لبس فيه أنه ليس بوسعنا مواصلة المسار الحالي من الانبعاثات المتنامية بلا قيد . ويجب على القادة اتخاذ القرارات الضرورية وتعزيزها بشأن كيفية إدارتنا الاقتصاد كي نصل إلى نمو نظيف وتنمية تتسم بالقدرة على الصمود . . إن التغير التكنولوجي والاقتصادي والمؤسسي والسلوكي العاجل والملموس ضروري لنعكس الاتجاهات الحالة” .
آثار مدمرة
يفيد التقرير الجديد بأن التغيرات المناخية الشديدة والأحداث الجوية المتطرفة تؤثر بالفعل في سكان العالم، فتدمر المحاصيل وتهدد السواحل وتعرض للخطر الأمن المائي . غير أنه مازال بالإمكان تجنب كثير من أسوأ الآثار المناخية عن طريق الحفاظ على مستوى الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين، كما يذكر التقرير .
الحلول متاحة
يقول جيم يونغ كيم “الخبر السار هو أنه بوسعنا القيام بتدابير تحد من معدل تغير المناخ وتعزز النمو الاقتصادي، مما يبطئ تحركنا على هذا المسار الخطير ثم وقف رحلتنا عليه في نهاية المطاف . . وعلى زعماء العالم وصانعي السياسات أن يعتمدوا حلولا ميسورة التكلفة مثل تسعير الكربون وخيارات السياسات التي تنقل الاستثمارات إلى النقل العام النظيف والطاقة الأكثر نظافة والمصانع والمباني والأجهزة الأكثر كفاءة في استخدام الكهرباء” .
إن تقرير اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد هو تحليل للآثار المحتملة للوضع الحالي (8 .0 درجة مئوية) وارتفاع الحرارة درجتين مئويتين و 4 درجات مئوية عن المستوى السائد قبل الثورة الصناعية على الإنتاج الزراعي والموارد المائية والخدمات الإيكولوجية وأوجه ضعف السواحل في أنحاء منطقتي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأجزاء من منطقة أوروبا وآسيا الوسطى .