IMLebanon

الأغذية الفاسدة: ألغام صحية للمستهلك اللبناني!

RotenMeat
ماجد منيمنة

ضبط مواد غذائية فاسدة ومعلّبات منتهية الصلاحية عناوين إعتدنا عليها وهي تثير قلق المستهلك اللبناني. المشكلة لاتتوقف عند الغش المقصود إنما تنسحب أيضا وبشكل واسع على الأساليب الخاطئة  في التعامل مع الغذاء، بما يعرّضه للتلوث والفساد، إعتباراً من مصدره من المصانع ومروراً بنقله إلى الأسواق وانتهاء بطريقة عرضه وحفظه قبل أن يصل إلى المستهلك. تعددت أنواع الفساد وتمددت حتى صار لها ألف ذراع يلفنا من كل جانب، فمع إنتشار الفساد السياسي والإقتصادي والمالي الذي تكاد لا تبرأ منه أي مؤسسة برز كذلك الفساد الغذائي الذي هو أشدّ خطراً على المواطنين لأنه يمس حياتهم ومناطق نبضهم المباشر. هو أمر مقلق حتى لاولئك غير العابئين بالصخب والجدل الدائر من حولهم من قضايا سياسية وإجتماعية وإقتصادية لأنه يضرب العصب الحي ويهدد صحتهم بشكل مباشر مما قد يودي بِهم إلى أزقة العلاج في المستشفيات التي لا يخلو شبر منها من فساد إداري وطبي وكله يصب فى مفهوم دولة الفساد. من أخطر أنواع الغش هو الفساد الغذائي لارتباطه بشكل مباشر، بصحة وسلامة المواطن، ما يستدعي إعطاءه الأهمية الكبرى، بما يتناسب مع حجم الضرر الناتج عنه. إنّ أغلب المواد الغذائية معرّضة للغشّ بأساليب مختلفة، وبمستويات متنوعة، وأضرارها ونتائجها السلبية واحدة، وإن اختلفت في تأثيراتها، فمنها ما يكون ذا تأثير مباشر يؤدي إلى الموت، ومنها ما يؤدي إلى الأمراض المستعصية والأمراض السارية والمعدية. إنّ الأضرار الناتجة عن هذه الظاهرة تنوّعت وشملت الأضرار الإقتصادية والمادية والإجتماعية والصحية، وإن المناطق الشعبية الفقيرة هي الأكثر إستهلاكاً للمواد الغذائية المغشوشة بسبب قلّة الوعي، وتدنّي المستوى المعيشي، وضعف الرقابة.
فإشكالية سلامة الغذاء، باتت مقلقة، بعد تواتر الأخبار عن إغلاق مؤسسات غذائية، إثر ضبط لحوم فاسدة ومواد غذائية غير صالحة للإستهلاك البشري، ومخالفات سافرة لأبسط تعليمات السلامة الصحية. الفساد الغذائي، يضرب صحة اللبنانيين دون رحمة، فالمسألة لا تتوقف عند المطاعم على مختلف درجاتها السياحية، إنما بالاستهتار الذي بات كالطاعون يطول كل ما يستهلكه المواطن من مواد غذائية ولحوم واسماك ودواجن، تدخل بيوت اللبنانيين بفسادها وتلوثها وتهدد صحتهم وتعرضهم إلى مخاطر التسمم باحيان كثيرة دون أن تتعرف عليها السلطات المعنية قبل انتشارها إنما بعد أن تقع الفأس بالرأس لتبدأ الترجيحات والبازارات السياسية. في السؤال عن حجم فساد المواد الغذائية في الأسواق، لا تجد إلا جوابا واحداً يتكرر على ألسنة المعنيين إلا أنها «غير مطابقة لمواصفات الصحة العامة» وذلك لوصف حالة الفساد التي تعدت كل الحدود العادية للعلاقة بين التاجر والمواطن نحو تهديد حياتهم بالموت. فقضايا الفساد الغذائي لا متناهية، بين الفترة والأخرى تطل علينا فضيحة غذائية من نوع وشكل جديد. تشتد موجة الغضب والهلع، إعلامياً وشعبياً، بعد كل فضيحة غذائية، إلا أنها تبقى كغيرها من الأمور موجة وتعبر، وكأن شيئاً لم يحصل فعلاً. كما أننا لم نسمع في الإعلام يوما عن إحالة تاجر أو مالك مطعم متورط ببيع مواد غذائية فاسدة للمواطنين بتقديمه للقضاء وزجه بالسجن وحسب المقتضيات القانونية. هي باختصار إشكالية عدم التناسب بين الجريمة والعقاب، ما يزيد من المخاطر التى تهدد صحة المواطن وامنه الغذائي. الغِش يطال العديد من الأصناف الغذائية، بل إنه يكاد يمتزج بكل ما نأكله أو نشربه حتى أصبح يجري فى عروق المواطنين الفقراء منهم والميسورين الذين لا يتخيلون أبداً أن هنالك من يدس لهم سماً زعافاً في ما يأكلون ويشربون ليجني الرِبح السريع على رفات صحتهم، فالفساد الغذائي يبدأ بشربة الماء الملوث ومياه الشفة التي تؤمنها المؤسسات الرسمية هي أيضاً قد تكون غير آمنة ولا نقية ولا خالية من الجراثيم تماماً فبعضها ملوث وتكاد تكون أكثر خطورة من مياه الآبار. وكنا قد سمعنا بأن الفساد قد مر بدوره بالحليب واللبن ومشتقاته الذي من المفترض أن تكون عملية ليس فيها أي تدخل كيميائي ولا أي إضافات ولا يتعدى أن يكون الإنسان فيها مجرد وسيط ومحفز لعملية ميكانيكية طبيعية وهي عملية حلب الأبقار، ولكن تطورت العملية لتشمل مرحلة تسميم الحليب وهي المرحلة التي يضاف فيها إلى الحليب مواد على شاكلة الفورملين والبنسلين حتى يزيد عمره ولا يتخثر ويا للسخرية أن بعض المواد المضافة إلى الحليب تستخدم فى تحنيط الجثث!! والأشد خطورة أن الذين يضعون تلك السموم يعلمون مدى خطورتها بل يضعونها بغرض إبقاء الحليب ساعات طويلة دون أن يفسد! ولا ينتهي الفساد والغش عند هذا الحد بل يطال بعض الأحيان رغيف الخبز الذى تضاف اليه بعض المواد كمادة برومات البوتاسيوم التى تعد سبباً مباشراً للإصابة بالسرطان فنأكله شهياً مشبعاً ليتسرب مرضاً إلى أجسادنا. أما فى إطار اللحوم فحدث ولا حرج وما أدراك ما هي الهرمونات وباكتيريا الكولي! فالمستهلك البسيط قد لا يفرق بين لحم الكلاب ولحم البقر لأنه لا يتوقع أبداً أن يصل الغش إلى هذه الدرجة. ولن ننسى تلك الفترة التى تفشت فيها ظاهرة إنفلونزا الطيور فقاطع المواطنون الدجاج وأبنائه وإلتفتوا إلى الخضار والتي بالطبع لا تخلو بدورها من التلوث بسبب الري بالمياه الآسنة. فكثير من الخضروات تنمو متورمة بإضافة المواد العضوية إليها حتى تتضخم وتأخذ شكلاً مغرياً يحمل بداخله الموت المحتم. كميات المواد الغذائية الفاسدة التي يكشف عن ضبطها عادة تأتي بالصدفة، هي جزء بسيط من كميات المواد التي تكون قد عرضت في الاسواق للبيع أو التي وصلت الى بطون المواطنين، ما يعني أن الجريمة ليست عادية، وفي عملية حسابية بسيطة، فإنها تكون وصلت إلى مئات آلاف من المواطنين الذين استهلكوها دون أن يعلموا لتبدأ المشاكل الصحية في منازلهم وتنتهي بالمستشفيات إذا حالفهم الحظ.
بعيداً عن كل ما يقال في ملف الرقابة الغذائية، فيبدو فعلياً أن هناك منظومة متكاملة تتحكم في إنتاج الفساد الغذائي، بدءاً من أصغر حلقات الدورة التجارية إلى أكبرها، ربما أن المجال هنا لا يتسع للحديث بمكاشفة أكثر عن الاطراف المنتجة للفساد الغذائي، ولكن المسألة لم يعد من الممكن السكوت عليها. ويأتي التزوير مكملاً لمسلسل الفساد والغش الغذائي الذي تطول حلقاته المملة، من تزوير تواريخ الصلاحية للمواد الغذائية والتفلت من قبضة الرقابة لتصل إلى المستهلك وتباع على أنها لا زالت سارية. ورغم أن القانون الجنائي قد إحتوى بنوداً تكفل الرقابة الغذائية ويحاكم مرتكبيها كمجرمين إلا أن هذا لم يعد يكفي لردع الظاهرة فلا زال المجال فضفاضاً ومصدراً للعبث.
عموماً، فإن التصدي لمخاطر الفساد الغذائي، يبدأ من تعديل قانون الغذاء والدواء، والبحث عن مداخل لتحديد معايير ضابطة وموضوعية لأسس الرقابة الغذائية، فإن استمرار الحال على منواله، يطرح علينا السؤال :ماذا نأكل وماذا نشرب ؟ لم نعد ندري من نخاطب؟ وممن نستوثق؟ وبمن نستجير؟ بالضمير الذى أثقلته الأسقام فمات دون أن تقام له سرادق عزاء؟ أم الجهات الرقابية التى تنام قريرة العين تاركةً حبل الفساد على غارب الفاسدين؟ وأين القانون الذى يقطع بسيف من عدل؟ ومن سيقوم بتهدئة روع المواطن البسيط حتى يأكل ويشرب وهو مطمئن أنه لا يتجرع سماً قاتلاً؟
كل ما يتطلب هو اعتماد مشروع وطني خاص بمكافحة الغش الغذائي بصورة خاصة، واعتماد أساليب متعددة لهذا الغرض، منها التوعية والتثقيف والرقابة والإشراف وإصدار قوانين وتشريعات جديدة صارمة وشاملة تستوعب جميع مجالات الغش الغذائي، خاصة في مثل هذه الظروف، وعدم جعل الأزمة ذريعة للتهاون، إضافة إلى إيجاد أجهزة تنفيذية كفوءة لتنفيذ العقوبات وتطبيق القوانين الصادرة بهذا الخصوص، وتجهيزها بجميع الإمكانات المادية والمعنوية، وكذلك تفعيل زيادة كفاءة المختبرات الفاحصة للمواد الغذائية، ورفدها بأجهزة حديثة ومتطوّرة وخبرات علمية ذات كفاءة عالية، والتأكيد على دور أجهزة الجمارك والحدود في منع دخول المواد الممنوعة وغير المستوفية للشروط الصحية والنوعية بصورة غير شرعية إلى داخل البلاد. إن باطن الفساد أخطر بكثير من ظاهره وهو يدب بأقدامه في كل موقع ولا يستثني موقعاً ولا يرحم أحداً ولا أدل على ذلك مما يحدث في مستشفياتنا حيث سرقة الدواء وتوزيعه على المحسوبين وانتشار الفيروسات والحشرات الضارة في غرف المرضى وغياب النظافة الحقيقية وسوء معاملة المرضى وقلة الاهتمام بهم والضعف المهني عند أطبائنا وغير ذلك كثير.
إننا نقاوم  اهتراء الدولة وضعف الإقتصاد والتدمير الممنهج لمرافق الدولة وسرقة أموال الخزينة وازدياد الفقر والقهر الدائم من عدم توفير الكهرباء والمياه النقية وغياب الأمن و الأمان، وفي الوقت نفسه يجب أن نقاوم السماسرة واللصوص واللامسؤولين، يد تبني ويد تقاتل، هذا هو أحد مقومات الأمم التي انتزعت إستقلالها وكرامتها. اليوم مسؤوليتنا التي تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية ومشروعيتها من الدستور، هي فوق الجميع تحتم علينا أن نقاوم ونستميت لأجل إرساء دولة الحق والقانون، من خلال تفعيل آليات المحاسبة التي يجب أن تبدأ بتعليق المشانق للمرتكبين ومن دون تغطية من السياسيين الفاسدين!