ترأس راعي الابرشية المارونية المطران انطوان شربل طربيه القداس الذي دعت اليه “حركة الاستقلال” في اوستراليا برئاسة منسق الحركة اسعد بركات لمناسبة الذكرى ال 25 لإستشهاد الرئيس رينيه معوض ومرافقيه في حضور النائب طوني عيسى والقنصل اللبناني جورج بيطار غانم وممثلي أحزاب وتيارات قوى 14 آذار، أعضاء حركة الاستقلال وآل معوض وحشد من أبناء زغرتا الزاوية والجالية اللبنانية.
والقى المطران طربيه عظة جاء فيها: “القضية اللبنانية ونهائية الوطن اللبناني بدستوره وميثاقه وأنظمته وفقا للاصلاحات السياسية التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن إتفاق الطائف، كانت برنامج عمل الرئيس الشهيد رينيه معوض وهمه الأول، وكان قد أعلن عنها تباعا خلال الثمانية عشر يوما من حكمه للبلاد”.
وأضاف: “الهم الآخر الذي ناضل من أجله فخامة الرئيس الشهيد كان قيام الدولة القوية القادرة، وبسط سلطة الشرعية بقوتها الذاتية على كل شبرٍ من أرض لبنان وجمع كل سلاح خارج القوات المسلحة الشرعية اللبنانية ووضعه بتصرف الجيش اللبناني لأن الدولة هي الضامنة والحامية للجميع” .
وتابع طربيه:”هم الوطن الحر السيد المستقل وهم الدولة القوية والقادرة حملهما الرئيس الشهيد طوال حياته وعمل جاهدا من أجل تحقيقهما”، معتبرا “أن المصالحة الوطنية بين اللبنانيين والولاء الأول والنهائي للبنان يشكلان المدخل إلى المرحلة الجديدة من حياة وتاريخ لبنان. “فالمصالحة لا تستثني أحداً فهي ملكٌ للجميع وتتسع للجميع” كما قال رحمه الله”.
واعتبر ان “المصالحة وتنقية الذاكرة الوطنية هما المدخل إلى المرحلة الجديدة، لأنه من دونهما ومن دون الولاء الصادق والحقيقي للبنان والتفاهم بين اللبنانيين، سيستمر المشهد على ما هو عليه، ويبقى المجال واسعا لأعداء لبنان ولقوى الظلام للتحكم بنا، تارة بإغتيال رئيس منتخب للجمهورية وطورا بتعطيل إنتخاب رئيس جديد للدولة اللبنانية. ولكن نحن كلنا إيمان بأن الكلمة النهائية هي ليست لقوى الشر والظلم، انما هي للحق، والحق سينتصر طالما أننا ثابتون في مطالبتنا به، ومستمرون بحملِ رايته أينما كنا وحللنا.
وأضاف طربيه:”نجدد معكم أيها الأحباء وباسمكم التعزية إلى اللبنانية الأولى الأسبق السيدة نائلة التي أخذت على عاتقها حمل شعلة هذا الإرث الوطنيّ ومتابعة المسيرة مع نجلها العزيز ميشال الذي أخذ على نفسه حمل همّ الوطن وهمّ الدولة بما يعتمر قلبه من حبّ لبنان”.
وتوجه بالتعزية أيضا إلى كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، ونخص منهم أبناء إهدن زغرتا الأحباء خصوصا في اوستراليا، الذين يتذكرون هذا الحدث الأليم في عيد الإستقلال، ونشكر حركة الإستقلال في اوستراليا بشخص رئيسها السيد أسعد بركات والتي تنظم هذا القداس السنوي، الذي نعيش فيه أبعاد الرجاء المسيحي ونقف أمام معاني الإستشهاد وبذل الذات على مثال المعلم الإلهي من أجل من نحب.
منسق الحركة المهندس أسعد بركات قال كلمة في المناسبة:
25 عاما مرت على اغتيال الرئيس الشهيد ورفاقه. 25 مرت كأمس الذي عبر. ولبنان ما زال يعاني كما لو انه استشهد اليوم. باغتياله تم اغتيال اتفاق الطائف. تم اغتيال الوفاق الوطني والشراكة الحقيقية والحلم ببناء الدولة. دماء رينيه معوض ورفاقه لا تزال تشهد على أن من اغتاله كان قد اتخذ قرار منع قيام الدولة اللبنانية بمؤسساتها وجيشها وقواها الأمنية وعنفوانها على كامل مساحة الـ10452.
هل تعرفون لماذا اغتالوا رينيه معوض؟. اغتالوه لأنه عاهدنا كلبنانيين في خطاب القسم لحظة انتخابه قائلا: “أعاهدكم بأنني لن اسمح لنفسي بلحظة راحة وإلا وقد يكون استتب الأمن اللبناني الشرعي في آخر بقعة من أرضنا، إلا وقد جمعت آخر قطعة سلاح خارج القوات المسلحة الشرعية، وتوقف أي تجاوز، وقمع أي ارتكاب، وأعيد كل حق إلى نصابه، ورُد كل ملك إلى أصحابه”.
كما عاهدنا نحن اللبنانيين المغتربية بالقول: “لن أرتاح إلا وقد تم إعمار ما تهدم، وإعادة من هاجر تحت وطأة الحاجة والضغط أو التماساً لنجاة من خطر… لأنه إذا كان الانتشار الطوعي ميزة لبنانية فإن الهجرة القسرية إلى خارج الوطن، كالتهجير في داخله، إهدار للطاقة وإذلال للآباء”.
لكل ذلك اغتالوا رينيه معوض، لأنه كان الرئيس القوي، القوي فعلاً. القوي باعتداله، القوي بسعيه إلى مصالحة حقيقية لا تستثنس أحداً وحتى أولئك الذين يصرون على استثناء أنفسهم منها. القوي أيضاً بحزمه. والقوي برفضه أي مساومة على حساب مبادئه.
لذلك قال بأعلى صوته في خطاب الاستقلال قبل ساعات من اغتياله: “إن المصلحة الوطنية هي المقياس، والقانون هو الحدّ، فلا تهاون مع التجاوز، ولا تساهل مع الارتكاب. لا ارتهان للتعنت، ولا خضوع امام التحدي، لا مسايرة للباطل، ولا مساومة على السيادة. ولن يكون مستقبل الوطن ومصير الشعب تحت رحمة احد”.
لهذا كله اغتالوا رينيه معوض. لأنهم أرادوا المصالح الشخصية على حساب الوطن. أرادوا الارتهان. أرادوا الخضوع. وساوموا على السيادة الوطنية.
وها ان لبنان بعد 25 عاماً لا تزال سيادته منقوصة لحساب السلاح غير الشرعي. يساوم بعض المسؤولين فيه على سيادته تحت شعار المقاومة، وكثر يخضعون لولي فقيه من هنا وخليفة او إمارة من هناك.
إن لبنان بعد 25 عامام على اغتيال الرئيس رينيه معوض يعيش من دون رئيس للجمهورية، لأن البعض يغلّب المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية، ولن البعض يحوّر مفهوم الرئيس القوي ليتناسب ومصالحه الضيقة. وإذا كانت سلطات الاحتلال التي كانت قائمة اغتالت رينيه معوض منعا لقيام الدولة اللبنانية بمؤسساتها وجيشها وقواها الذاتية، فإن سلطات الأمر الواقع البديلة اليوم تعمل لتعطيل الانتخابات الرئاسية بهدف إبقاء سطوتها على القرار الوطني اللبناني ومنع قيام المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، للإبقاء على سيادتنا المنقوصة وعلى السلاح غير الشرعي، ولإبقاء لبنان ساحة لتنفيذ المشاريع الاقليمية على حساب المصلحة الوطنية.
بعد 25 عاما على اغتيال الرئيس رينيه معوض، المفارقة ان خطابات فخامته لا تزال تصلح للبنان اليوم، ولا تزال ترسم الأفق المشرق للبنان إن كنا نريد بناء الدولة. لذلك لا خلاص للبنان اليوم إلا بالعودة إلى روح رينيه معوض، وإلا بانتخاب رئيس قوي فعلا كالرئيس رينيه معوض..لنحلم بالوصول إلى الاستقلال الفعلي والسيادة الناجزة والدولة القوية.