بقلم د. ريشار قيومجيان
ثمة نقاش وحوار صريح، هادئ ومُعمّق بات مطلوباً من قِبل النخب المارونية والمسيحية مع العماد ميشال عون. ليس لبحث سلوكه السياسي وخياراته وتحالفاته، وهذا حق ديمقراطي له، بل لمناقشته كرئيس تيار سياسي وشعبي حول قناعته بالتكامل الوجودي مع حزب الله، رغم التبريرات التي أعطاها لتصريحه مؤخراً. وهي مناقشة تطال حكماً استراتيجيته بما خصّ “الوجود المسيحي“ الديمغرافي والسياسي والثقافي بما هو حضور يتخطى لبنان والموارنة ليشمل الشرق الأوسط بكافة مسيحيّيه.
ثمّة سياسة نفعية opportunistic تُمارَس منذ العام 1988 حتى اليوم. تقلبات تكتية واستراتيجية لا تبررها أية سياسة براغماتية أو واقعية. طروحات فكرية وبرامج انتخابية تتغيّر مع تبدّل مصلحة الزعيم الشخصية والآنية، تواكبها دعاية سياسية سلبية قائمة على اثارة الغرائز الطائفية ونبش احقاد الماضي واعلام متفلت من أية ضوابط اخلاقية.
هي ممارسة سياسية عشوائية ارتجالية بعيدة عن أي فكر استراتيجي قائم على التخطيط وملاءمة الوسائل المتاحة مع الاهداف المتوخاة؛ هو اُسلوب سياسي يستغل حالات عاطفية وشعور معاناة عند الناس لشّن الهجوم على الخصم. والنتيجة: معارك عسكرية خاسرة استراتيجياً في زمن الحرب، وسياسات تعطيلية وإلغائية في زمن السلم.
هي حرب تحرير لبنان “المُوَحَّد اللاطائفي والعلماني” ضد الاحتلال السوري في الثمانينات، ثم مصادقة النظام البعثي والتسليم به كحام للاقليات اليوم.
هي حرب الإلغاء ضد “الدويلة والميليشيا” مع ما واكبها من أبلسة للطروحات الأيديولوجية المسيحية ولمشاريع الحلول الحديثة كالفدرالية واللامركزية، وتشويه لصورة المقاومة اللبنانية وشهدائها، بينما نشهد حالياً مزايدة ومغالاة غير مسبوقة باعتماد الخطاب الطائفي المسيحي المحرِّض وتبرير غير منطقي لسلاح ميليشيا حزب الله.
هي رفض اتفاق الطائف وتخوين النواب ومن ثمّ العودة الى القبول به كدستور ونظام حكم ولو بعد حين.
هي معركة إقرار “قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان” في الكونغرس الأميركي وقرار مجلس الأمن ١٥٥٩ الذي تبعه والانقلاب على مضمونهما فيما بعد.
هي اعتماد الكتاب البرتقالي برنامج انتخابي العام 2005 ونقيضه العام 2009.
هي اقفال المجلس النيابي وشل الاقتصاد وتعطيل المؤسّسات بحجة الميثاقية ثم التنكر لمنطق التوافق وضرب الميثاق بنسف حكومة الوفاق والوحدة الوطنية.
هي مشاريع قوانين انتخابية تدرّجت من قانون النسبية الذي إحالته حكومة ميقاتي الى البرلمان، الى القانون الأرثوذكسي المتناقض تماماً مع النسبية.
هي الانقلاب على مشروع الدولة عندما لا يكون هو رأس الدولة والقبول بسلاح غير شرعي وتغطيته بحجة مقاومة كان رفضها ونعتها بأبشع النعوت.
نعم، على الناس أن تسأل من يعتبر نفسه ممثلاً لأكثرية المسيحيين والأحّق بتبؤ مركز رئاسة الجمهورية، ماذا يعني بالتكامل الوجودي مع حزب الله؟ وهل هذه استراتيجيته للبنان والمسيحيين في ظل ما يشهده محيطنا القريب والبعيد؟
في المعجم، أن تتكامل مع الآخر يعني أن يتمّم الواحد الآخر باتحادهما، كأن تتكامل الطِباع والشخصية الخ…
في السياسة، التكامل مع حزب الله يعني الاتحاد معه بمشروعه السياسي ليس إلا. في فلسفة الوجود، لا أخال العماد عون يبغي من كلامه التكامل مع عقيدة دينية ونمط عيش مختلفين، مع احترامي الكامل لخصوصيات الطائفة الشيعية الدينية والسوسيولوجية.
لقد استدرك العماد عون لاحقاً ما قصده بالتكامل الوجودي مع الحزب بأنه تكامل مع من يحارب داعش ويواجه الاٍرهاب وبأنه جاء بمعنى الارتباط الوطني وليس بالمعنى السياسي والارتباط الحزبي. السؤال هو هل يتكلم العماد عون بصفته الحزبية الضيّقة أم باسم المسيحيين؟ وهل يطلق طروحاته كرئيس لتكتل نيابي أم هي جزء من برنامجه كمرشح لرئاسة الجمهورية؟
كيف يحمي هذا التكامل المسيحيين من خطر داعش والارهاب؟ هل بانخراطهم في سرايا المقاومة وتسليحهم وذهابهم للقتال الى جانب الحزب في سوريا؟ ام بترجمة تحالف الأقليات واقعاً ميليشياوياً على الارض؟
هل تتم مواجهة الإسلام السياسي السنّي بالتكامل مع الإسلام السياسي الشيعي، وهل من تفضيل للتطرف الشيعي على التطرّف السني، وأين مصلحة المسيحيين الوجودية في ذلك؟
كان حريّ بالعماد عون أن يدعو الطوائف والمجموعات اللبنانية الى التكامل باتحادها حول دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وباقي الأجهزة الأمنية لمواجهة خطر الاٍرهاب وليس التسليم بدور حزب الله في هذه المواجهة على قاعدة “وداوني بالتي كانت هي الداء“. واذا كانت ورقة التفاهم مع حزب الله الموقّعة العام 2006 أدّت الى تحالفات ومكاسب انتخابية وسياسية على حساب مبادئ التيار الوطني الحر، ما هو اليوم مبرر التكامل الوجودي مع حزب مرتبط عقائدياً ودينياً ومالياً وامنياً وعسكرياً بايران، ومع حزب داعم لنظام ديكتاتوري ساقط، يقاتل معه والى جانبه في حرب مفتوحة ضد غالبية الشعب السوري، أدّت فيما أدت اليه الى وجود داعش وباقي التنظيمات المتطرفة.
وكي لا نُفهَم خطأ، لسنا مع عزل حزب الله كأحد المكونات السياسية اللبنانية الاساسية إنما نحن ضد استراتيجيته المحلية والإقليمية المدمرة للبنان الدولة والكيان. نحن ضد حربه في سوريا وضد سلاحه في لبنان .
في هذا الظرف الخطير، وحدها استراتيجية جامعة عنوانها “الرهان الوجودي” على الدولة ومؤسساتها، هي السبيل الوحيد لخلاص لبنان بكافة طوائفه. وإذا كانت المؤسسة العسكرية والأمنية تقوم بواجبها كاملاً، على القيادات المعطِّلة لانتخابات رئاسة الجمهورية وعلى رأسها العماد عون وحزب الله، العودة الفورية الى الدستور والممارسة الديمقراطية والمساهمة في إنقاذ المؤسسات السياسية قبل فوات الاوان.