في قراءة واقعية ودقيقة لما آل إليه الوضع الاقتصادي في العام 2014، يتبين وبوضوح ان المشاكل التي بلغ اليها القطاع لم تعد مشاكل شكلية، أو عادية وعابرة، انما اضحت مشاكل كبيرة، وخطيرة فهي وللمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث تطال بنية وهيكلة الاقتصاد وتنذر بتداعيات على مستوى كبير من الخطورة إذا لم يُصار إلى معالجة عاجلة وجدية لهذه الاختلالات التي يتعرّض لها الاقتصاد.
الخطر الأساس يمكن تحسسه والبناء عليه من خلال التفاوت الكبير الحاصل بين نسبة نمو الدين العام الذي تجاوزت ارقامه الـ62 مليار دولار، وبين النمو الحقيقي للاقتصاد المسجل منذ العام 2011 ولتاريخه، بحسب الأرقام الحقيقية أولاً لنسبة نمو الدين العام فهي تتراوح سنوياً بما بين 8 و9 في المئة، اما فيما خص نسب نمو الاقتصاد فهي لم تتعدَ في الأعوام الثلاثة الأخيرة 1.5 و1 في المئة على التوالي، وهذا الأمر له نتيجة واحدة وهي ان الدين العام سيستمر في الارتفاع بنسبة كبيرة، وكذلك فإن عجز الموازنة سيرتفع بشكل دراماتيكي، طالما ان نمو الاقتصاد هو أدنى بكثير من نمو الدين العام.
بحسب خبراء ومتابعين لمسار الاقتصاد اللبناني فإن استمرار هذا التفاوت الكبير في نسب النمو، بين نمو الدين ونمو الاقتصاد يعني في المحصلة، ارتفاع في أرقام الدين، وبالتالي بكلفة هذا الدين مع استمرار في عجز الموازنة، وهذا الواقع إذا استمر فإنه سيضعف من قدرة لبنان المالية لا سيما على مستويين اساسيين:
الأوّل زيادة في عجز الموازنة، ما سيدفع بالحكومة إلى التوسع في سياسة الاقراض، وثانياً فإن هذا الواقع قد ينعكس على التصنيف السيادي للدولة اللبنانية وهذا أمر مهم وسلب في آن معاً.
ان الاقتصاد اللبناني بحاجة كما يقول خبراء إلى نمو لا تقل نسبته سنوياً عن 8 في المئة ليتمكن من وقف تنامي الدين العام، بانتظار رسم سياسة خاصة تلحظ آليات إطفاء هذا الدين تدريجياً إذ انه لم يعد من الجائز ان تدفع الحكومة، سنوياً أكثر من 4 مليارات دولار كفائدة على هذا الدين، إلى ذلك فإن عدم الوصول إلى نمو اقتصادي حقيقي بنسبة 8 إلى 9 في المئة يعني مواصلة العجوزات في المالية العامة وبلوغها نسب خطرة بالقياس إلى حجم الناتج المحلي، في مثل هذا الوضع ستبقى الدولة مضطرة إلى الاستدانة من المصارف، ما يعني ان المحصلة زيادة إضافية في أرقام الدين العام.
مصدر اقتصادي كبير قال لـ«اللواء» اننا بتنا في وضع اقتصادي ومالي صعبين للغاية، وأن العام 2015 قد يكون عاماً مفصلياً للاقتصاد وللمالية العامة في لبنان بحيث إذا لم ننجح في العودة إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة في الاقتصاد، فعلينا ان نتوقع الأسوأ مالياً.
ويربط القطب الاقتصادي زيادة نسبة النمو الاقتصادي بالوضع السياسي والأمني في البلاد، ويقول المطلوب صدمات سياسية – أمنية إيجابية تطمئن الداخل والخارج فيستعيد عندها الاقتصاد الثقة بنفسه، وأن أولى الصدمات المطلوبة هي انتخاب رئيس جمهورية في الفترة المتبقية من العام 2014 الحالي لندخل العام 2015 على واقع سياسي مستقر ومناسب لمعاودة إطلاق العجلة الاقتصادية بكامل قوتها.