لاحظ تقرير فصلي مشترك بين «فرنسبنك» و»جمعية تجار بيروت» أن الأسواق التجارية تفتقد لأبسط مقوّمات التعافي، ولو الخجول، حيث أن تواصل تضافر العوامل السلبية في الفصل الثالث كبـّل حركة الأسواق التجارية وحرم معظم قطاعات تجارة التجزئة من أي فرصة لإلتقاط الأنفاس، ما أدى بالتالي إلى تسجيل قطاع التجزئة (المفرّق) مقارنة بالفصل ذاته من العام الماضي، تقدماً غير مؤثر نسبته الحقيقية 0,75 في المئة.
وأفاد التقرير بأن المعطيات التي تحكم النشاط في تلك الأسواق بقيت تبطئ عجلتها، ابتداءً بالمعطيات السياسية، لجهة توالي جلسات المجلس النيابي لإنتخاب رئيس للجمهورية وتكرار سيناريو عدم توافر النصاب المطلوب، وبالتالي إستمرار الفراغ في المنصب الأول للدولة، ومروراً بالإعتبارات الأمنية، الإقليمية منها والمحلية، التى شهدت إنتكاسات دراماتيكية في عدد من المناطق، لا سيما في طرابلس وعرسال مع خطف الجنود اللبنانيين، ووصولاً الى المعطيات المعيشية في البلاد، من حيث الضغوط المتصاعدة على القوّة الشرائية لدى الأسر اللبنانية من جرّاء آثار التنامي المستمر لأعداد القوى العاملة السورية في لبنان ومنافسة هذه الأخيرة للقوى العاملة اللبنانية في شتـّى القطاعات، علاوة على الغياب شبه التام للسوّاح والمصطافين العرب والأجانب خلال الصيف الماضي، بالاضافة الى التراجع في أعداد اللبنانيين المغتربين الزائرين للبلد الأم في هذه الفترة.
ويشير التقرير إلى أن الإعتقاد السائد في لبنان كان يُبنى على أن كل ما مرّ به القطاع التجاري خلال السنوات الثلاث المنصرمة كان الأقصى والأصعب، إنما جاء الشغور الرئاسي المستحكم، والمتزامن مع أزمة النزوح السوري وما سبق ذكره عن الاوضاع الامنية من جهة، مع الإنقسامات السياسية الحادة من جهة ثانية كافية لتزيد من وطأة الضغوط السلبية على الإقتصاد الكلي عامةً والقطاع التجاري خاصةً. وذلك بالرغم من الجو الإيجابي العام الذى أرسته حكومة المصلحة الوطنية عند تسلـّمها دفـّة المسؤولية والاداء المتميّز والمتفاني للجيش في مواجهة الاحداث الامنية.
نتائج المسح الفصلي
في هذا الاطار، يقول التقرير سجل القطاع التجاري بالتجزئة خلال الفصل الثالث الماضي، مقارنة بالفصل ذاته من سنة 2013، تقدماً غير مؤثر نسبته الحقيقية 0.75 في المئة، علماً أن هذا النشاط كان قد سجـّل هو الآخر تراجعاً في الفصل الثالث من 2013 بنسبة 15,05 في المئة عن الفصل الثالث لسنة 2012 وهذا الأخير 7,5 في المئة عن الفصل الثالث لسنة 2011، وذلك يؤشر بجدية أنه في حال عدم تحقيق تحسن في الاوضاع العامة بمختلف مفاصلها من الممكن ان يهدد تواصل هذا التراجع في هيكلية القطاع التجاري، مع أخذ العوامل الموسمية بعين الإعتبار.
وبرصد الأرقام الحقيقية التفصيلية، يشير التقرير إلى إتجاهين أساسيين، بحسب القطاعات، ومقارنة مع الفصل الثالث من العام 2013، حيث أن التراجع ما زال يثير القلق الشديد في بعض قطاعات تجارة التجزئة للسلع الأساسية، لا سيما إذا أخذنا بالاعتبار تراكم التراجع المسجـّل لهذا الفصل (أي الفصل الثالث) سنة بعد سنة، مثل:
الملابس والأحذية، التي شهدت تراجعاً حقيقياً بنسب بلغت حوالى 18 في المئة و35 في المئة على التوالي.
الأجهزة المنزلية الكهربائية والراديو والتلفزيون، التي شهدت انخفاضاً حقيقياً بنسبة 4,5 في المئة، والتجهيزات المنزلية الأخرى التي هبطت بما يناهز 14 في المئة.
العطور ومستحضرات التجميل التي هبطت بنسبة حقيقية بلغت 11 في المئة.
وأخيراً، المطاعم التي ظلـّت أيضاً تشهد تراجعاً حقيقياً مستمراً.
وإن دلـّت تلك الأرقام على شيء، فهو بحسب التقرير – سياسة التقشـّف التي تتـّبعها الأسر لتجنـّب المصروف على مجموعة من السلع، حتى الأساسية منها مثل الملابس والإعتناء بالذات والتجهيز المنزلي.
في المقابل، سجـّلت بعض القطاعات الحيوية الأخرى تحسـّناً نسبياً، الأمر الذى حدّ، ولو بشكل طفيف، من الإنخفاضات الحادّة التي شهدتها المؤسسات التجارية في أرقام أعمالها، ولا سيما:
السوبرماركتس والمواد الغذائية، حيث زادت المبيعات بمعدّل حوالى 3 في المئة، في حين زادت مبيعات منتجات المخابز والحلويات بنسبة 9 في المئة.
التبغ ومنتجاته، الذي شهد ارتفاعاً ملفتاً في المبيعات بلغ 14,5 في المئة.
والسلع الصيدلانية التي ارتفعت مبيعاتها نحو 9 في المئة.
وأيضاً الألعاب التي شهدت تحسـّناً بنسبة 5 في المئة.
ولفت التقرير إلى أن هذه البشائر، الخجولة بإيجابيتها، تشير الى تركيز الامر على السلع الاساسية، ولا سيما الغذائية والصيدلانية منها، وربما أيضاً قيام هيئات الإغاثة بجزء من مشترياتها للسلع المعنية من السوق المحلية.
ونتيجة لكل ما سبق، وبعد الإشارة الى أن المؤشر الأساس (100) الذي تم تبنـّيه هو للفصل الرابع من سنة 2011، والى أن تضخم الأسعار خلال الفصل الثالث من سنة 2014، وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، بلغ 1,4 في المئة، أعلن التقرير أن «مؤشر جمعية تجار بيروت- فرنسَبنك لتجارة التجزئة» هو 54,45 للفصل الثالث من سنة 2014.
وانتهى التقرير إلى القول إن الأرقام الفصلية، أي التي ترسم تطوّرات الأسواق من فصل الى فصل، وهنا من الفصل الثاني الى الفصل الثالث لسنة 2014، تشير الى استمرار المنحى الإنخفاضي.