تأتي زيارة الوفد اللبناني الأخيرة إلى روسيا والذي ضم وفداً إقتصادياً برئاسة وزير الاقتصاد آلان حكيم بهدف فتح الأسواق الروسية أمام البضائع اللبنانية، لكن هذا الهدف لم يكن الوحيد بل ثمة أهداف أخرى وعلى رأسها الاستثمارات، السياحة، البنى التحتية، البورصات الروسية لتلامذة لبنانيين، وشغور منصب الرئاسة الأولى وما لذلك من تداعيات إقتصادية على لبنان.
تحرك السلطات اللبنانية يأتي في ظل تغيرات جيوسياسية وإقتصادية تشهدها المنطقة، إنعكست على الاقتصاد المحلي، مما فرض العمل على إيجاد طريقة لدفع العجلة الاقتصادية والتجارية في لبنان الى الأمام. وقد بدأ هذا الأمر مع الديبلوماسية الاقتصادية التي أطلقها وزير الاقتصاد لتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الخارج.
ويأتي التحرك بإتجاه روسيا كردّة فعل على عاملين أساسيين: الأول حجم السوق الروسية التي تبلغ 145 مليون مستهلك، ما يعني فرصة كبيرة للبنان ولمنتجاته خصوصاً بعد فقدان لبنان للعديد من الأسواق الإقليمية نتيجة العاصفة التي تضرب المنطقة تحديداً الأزمة السورية. وثانياً، فرض عقوبات أوروبية وأميركية على روسيا وبعض الدول الغربية والردّ الروسي الذي تمثل بحظر إستيراد العديد من المنتجات الغذائية من الغرب، ما أعطى العديد من الاقتصادات الصغيرة الفرصة لكسب حصة من سوق الواردات الروسية ومنه الاقتصاد اللبناني. فلبنان الدولة المنتجة والمصدرة للعديد من المنتجات الصناعية – الغذائية بدأ فعلاً خلال هذه الزيارة العمل على توسيع وتنويع ميزانه التجاري مع روسيا والذي سجل عجزاً بقيمة 900 مليون دولار في 2013.
نتائج الزيارة
عن أجواء المحادثات، كشف وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ”النهار”، أن السوق الروسية تشكل باب خلاص للبضائع اللبنانية خصوصاً الزراعية: “من هنا أتت زيارتنا لروسيا لإيجاد مخرج لهذه الأزمة”. وأضاف: “لكن هذا الأمر لم يكن المحور الوحيد لمحادثاتنا، فشمولية المواضيع سمحت لنا بتسليط الضوء على مقومات لبنان وروسيا التي يُمكن الإستفادة منها من الفريق الآخر. وخلال زيارتنا لموسكو، قمنا بإتصالات مع المسؤولين ومن بينهم حاكم منطقة موسكو التي تعتبر أكبر منطقة إستهلاكية محتملة للبضائع اللبنانية، وتم التداول في حاجات السوق الروسية وما يستطيع لبنان تأمينه لها. وقمنا بعرض كامل لمنتوجاتنا وعلى رأسها المنتجات الغذائية والصناعية، كما وبحثنا في موضوع الجمارك وامكان خفض الرسوم الجمركية على البضائع اللبنانية وأخذنا وعوداً بالنظر بإيجابية إلى هذه النقطة”.
وعن التصدير إلى روسيا بعد الفضائح التي طاولت القطاع الغذائي قال حكيم: “شرحنا للمسؤولين الروس الجهود المكثفة لوزارة الاقتصاد والتجارة في مجال تطوير وتقوية سلسلة سلامة الغذاء في لبنان عبر مشاريع دولية تديرها الوزارة ، لا سيما برنامج الجودة المموّل من الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر كان مصدر ترحيب لدى الجانب الروسي”.
وعن إهتمام الشركات الروسية بالبنية التحتية في لبنان، فقد عزاها حكيم إلى “دينامية السوق اللبنانية التي دفعت الشركات إلى إظهار إهتماماً بهذه البنية التحتية وخصوصاً السكك الحديد من بيروت إلى طرابلس وإستخراج النفط والغاز، ما طرح موضوع الإستثمارات الروسية في لبنان والإستثمارات اللبنانية في روسيا. وتبين لنا خلال هذه المشاورات أن منطقة موسكو هي سوق هائلة للمنتجات اللبنانية مع سوق يزيد عن 20 مليون مستهلك ونمو كبير”.
وعن الخطة التي ستتبعها السلطات اللبنانية لتحفيز التبادل التجاري بين لبنان وروسيا، قال حكيم: “إقتصادياً، التصدير إلى روسيا سيسمح بتوسيع التنويع في الميزان التجاري بين البلدين خصوصاً مع الفائض في السلع الزراعية اللبنانية والناتج من الأوضاع الأمنية الحالية. والخطة المقترحة للوصول للهدف المنشود تمر عبر: تطوير الإتفاقات الموجودة حالياً بين لبنان وروسيا، تحديد السلع المطلوبة في السوق الروسية، تحديد وسائل النقل المناسبة للتصدير إلى روسيا، وتفعيل عمل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين لبنان وروسيا”. وعن دور شغور الرئاسة الأولى في المحادثات، أشار حكيم إلى أن الوفد تشاور مع نائب وزير الخارجية الروسي في العلاقات الثنائية كما والوضع السياسي في المنطقة وفي لبنان”. وقد تم التطرق إلى موضوع رئاسة الجمهورية وأهميته من الناحية الاقتصادية على لبنان، وطالب الوفد من نائب وزير الخارجية الدعم الروسي لتسريع عملية الإنتخاب لما للروس من علاقات جيدة مع جميع الأفرقاء اللبنانيين”. وختم حكيم بالكشف عن إهتمام المسؤولين الروس برفع “كوتا” التلامذة اللبنانيين الذين يستفيدون من منح لإتمام دراساتهم في روسيا. وكان للسياحة حصة في المحادثات حيث طلب حكيم من الجانب الروسي العمل على زيادة السياح الروس إلى لبنان.
لجنة لمتابعة نتائج الزيارة
وفي سياق متصل، وبعد عودة الوفد اللبناني من روسيا، تمّ تشكيل لجنة لمتابعة نتائج الزيارة الى موسكو للعمل على وضع تصور شامل للحاجات الملحّة للسوق الروسية من المنتجات اللبنانية. وبحسب المعلومات، التصدير الفوري والسريع سيكون للخضر والفاكهة وكل ما يدخل في إطار المأكولات اللبنانية، أما مستقبلاً فتضاف الى هذه اللائحة المجوهرات والنبيذ اللبناني”.
من جهة أخرى، يقوم وفد لبناني جديد بزيارة إلى روسيا في الأيام القليلة المقبلة، يضمّ تجار الخضر والفاكهة واللحوم والمأكولات، كما أن وفداً اقتصادياً روسياً سيزور لبنان في 10 كانون الأول المقبل للإطلاع عن كثب على المصانع المختلفة وكل ما تحتاج إليه السوق الروسية” بناءً على دعوة وجهتها غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت لكبار التجار الروس إلى زيارة لبنان للإطلاع على جودة الصناعات اللبنانية، علماً ان رئيس الغرفة محمد شقير وقّع اتفاقاً مع اتحاد الغرف الروسية في مجال التعاون وتبادل المعلومات حول فرص الإستثمار بين البلدين. إشارة الى أن العاصمة موسكو ستستضيف في حزيران المقبل معرضاً لبنانياً يتم خلاله عرض العديد من المنتجات المصنوعة في لبنان.