في الوقت الذي ترتب فيه البنوك الكويتية وشركات الاستثمار وشركات التأمين أوراقها للتعامل مع قانون الضرائب الأمريكي الجديد “فاتكا” يتوجس مواطنون كويتيون يحملون الجنسية الأمريكية خيفة مما سيجلبه هذا القانون عليهم من متاعب وعواقب وخيمة.
وأصبح هؤلاء الآن بين شقي الرحى. فابمكانهم انكار حمل الجنسية الأمريكية عند التعامل مع بنوك الكويت مما يعفيهم من تحمل الضرائب ويبعد شبح اسقاط الجنسية الكويتية عنهم حيث يحظر القانون الكويتي على المواطنين حمل جنسية مزدوجة.
لكن اخفاء الجنسية الأمريكية يجلب عليهم في الوقت نفسه متاعب جمة مع الولايات المتحدة وحتى إذا أرادوا التخلي عن هذه الجنسية فقد لا يكون بوسعهم عمل ذلك بسهولة.
ويهدف قانون “فاتكا” لمكافحة التهرب الضريبي للأمريكيين الذين يمتلكون حسابات مصرفية في الخارج ويلزم البنوك الأجنبية ومؤسسات أخرى بتقديم معلومات الي إدارة الضرائب الأمريكية بشأن حسابات الأمريكيين في الخارج التي تزيد قيمتها عن 50 ألف دولار وهو ما يعني واقعيا كشف الهويات الحقيقية لعملاء هذه البنوك والمؤسسات.
وتقدر أوساط كويتية عدد الكويتيين حاملي الجنسية الأمريكية “ببضعة آلاف” إذ لا توجد احصائيات رسمية أو شبه رسمية لهم لأن القانون الكويتي يمنع المواطنين من حمل أي جنسية أخرى ولذلك يلجأ مزدوجو الجنسية بمن فيهم حاملو الجنسية الأمريكية إلى عدم الكشف عن جنسياتهم حتى لا يفقدوا جنسيتهم الكويتية.
وقالت السفارة الأمريكية في الكويت في رد مكتوب على أسئلة رويترز إنها “لا تستطيع تقديم رقم محدد” لعدد الكويتيين حاملي الجنسية الأمريكية.
وقال مواطن كويتي اكتفى بتعريف نفسه باسم فهد لرويترز إنه مولود في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فهو من الناحية القانونية أمريكي الجنسية رغم أنه لا يحمل جواز السفر الأمريكي.
وأضاف فهد قائلا عبر وسيط بسبب الخوف من المساءلة “أنا مولود في أمريكا.. وليس لي ذنب في ذلك.. أبي وأمي كانا يدرسان هناك وأنا ولدت هناك.”
وقال عبد المجيد الشطي الرئيس السابق لاتحاد مصارف الكويت إن 99 بالمئة من هؤلاء اكتسب الجنسية الأمريكية “أوتوماتيكيا” بحكم أن الواحد منهم مولود في الولايات المتحدة أو مرتبط بزوجة أمريكية وعاش معها فترات طويلة في الولايات المتحدة.
وأضاف الشطي أن كثيرا من هؤلاء “لا يحملون جواز السفر الأمريكي.. وهناك صعوبة كبيرة (قانونية واجرائية) في تخليهم عن الجنسية الأمريكية.”
وقال ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للدراسات الاقتصادية لرويترز إن أعدادهم “تقدر بالآلاف وليس بعشرات الآلاف” وإن أغلبهم اكتسب الجنسية بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1991 رغبة في الحصول على جنسية ثانية بينما اكتسبها كثير منهم بحكم المولد.
وأضاف النفيسي “هؤلاء لم يكن عليهم التزامات في السابق.. لكن الآن صارت المسألة جدية.. صارت البنوك الكويتية مجبرة على الإبلاغ عن أموال هؤلاء واخضاعهم للضريبة الأمريكية.”
وجميع العاملين في الكويت سواء في الحكومة أوالقطاع الخاص ملزمون بفتح حسابات مصرفية حتى يتم إيداع رواتبهم الشهرية بها.
الالتزام إجباري
وينص قانون فاتكا الذي أقره الكونجرس في 2010 وبدأ تطبيقه فعليا في يوليو تموز الماضي على ان المؤسسات المالية الأجنبية التي لا تلتزم بتطبيق القانون يمكن تجميد نشاطها فعليا في أسواق رأس المال الأمريكية.
وقال شريف شوقي عبد الفتاح الشريك في برايس ووترهاوس كوبرز(الشطي وشركاه) بالكويت إن عدم الالتزام بالقانون الأمريكي سيترتب عليه خصم 30 بالمئة من التحويلات المالية للبنك أو الشركة غير الملتزمة في تعاملاتها مع البنوك الأمريكية.
وأضاف عبدالفتاح “أنا كبنك كويتي مطالب اليوم بالقانون بأن أسجل نفسي مع مصلحة الضرائب الأمريكية وأفصح عن المعلومات المتعلقة بالشركات الامريكية والأشخاص الأمريكيين اللي عندي.
“إذا لم أهتم بالقانون فلن أتعامل مع أي من البنوك الدولية، لأن أي بنك سأتعامل معه سيطلب موقفي من هذا القانون.. حتى لو لم أكن أتعامل مع أشخاص أمريكيين.”
وقال عبدالفتاح إنه إذا تبين أن أحدا ما يحمل الجنسية الأمريكية فإن البنك الكويتي ملزم باتخاذ الاجراءات حياله.
وقال فؤاد دوجلاس الشريك المدير في برايس ووترهاوس كوبرز (الشطي وشركاه) إن الشركات الكويتية والبنوك قطعت شوطا كبيرا في ترتيب أوراقها طبقا لهذا القانون.
وأضاف دوجلاس أن هذه الشركات والبنوك سوف تبدأ تقديم تقاريرها للسلطات الأمريكية بدءا من 2015.
وقلل محمد المصيبيح عضو مجلس إدارة جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية من أهمية المسؤولية التي تقع على عاتق البنوك في كشف الجنسيات التي يحملها العميل مبينا أنه لا شيء “يلزم البنك” بهذا الأمر.
وقال المصيبيح إن تطبيق القانون عمليا سيكون من خلال إقرار يوقعه العميل للبنك بأنه لا يحمل الجنسية الأمريكية وهو ما يخلي مسؤولية البنك ويحمل الأمر للعميل.
لكن عبدالمجيد الشطي أكد في الوقت نفسه أن البنوك الكويتية ملزمة بالتعاون مع السلطات الأمريكية بحكم تشابك المصالح والعلاقات. وقال “أنت تعمل بالكويت لكن عليك التزامات وقوانين دولية لأنك تتعامل مع مؤسسات مالية عالمية رضيت أم أبيت.. إن عدم التزام المصرف بهذه القوانين قد يعرض الدولة للمخاطر.”
التنازل عن الجنسية
وقالت السفارة في ردها على أسئلة رويترز إن “التنازل عن الجنسية الأمريكية عملية متعددة الخطوات.”
ولم تستبعد رفض السلطات الأمريكية تنازل أحد المواطنين عن الجنسية الأمريكية وقالت إن “هذا الأمر محتمل فكل طلب يتم التعامل معه وفقا لقاعدة كل حالة على حدة.”
وأضافت أن المتنازل المحتمل عن الجنسية عليه أن يدفع 2350 دولارا رسوما وأن يذهب شخصيا إلى السفارة لعمل مقابلة وأن يملأ بيانات تتعلق بفهمه لعواقب تصرفاته ثم تترك له فترة للتفكير في جدية تنازله عن الجنسية الأمريكية ثم أخيرا أداء اليمين بالتخلي عن الجنسية.
وذكر البيان أن التنازل النهائي يقرر في واشنطن وفي حال قبوله “فإن الشخص المتنازل سوف يتسلم شهادة بفقدان الجنسية.”
ولا يوجد وقت قياسي تستغرقه العملية ابتداء من أول مقابلة وحتى استلام شهادة فقدان الجنسية.
الإعفاء غير حتمي
وأكد بيان السفارة أن التنازل عن الجنسية قد لا يعفي الشخص من الضريبة الأمريكية على الدخل فضلا عن ذلك فإن المواطنين الأمريكيين الذين يتنازلون عن جنسيتهم الأمريكية من أجل تجنب دفع الضرائب قد لا يسمح لهم بعد ذلك بدخول الولايات المتحدة.
وأضاف البيان “إن الأسئلة المتعلقة بفقد الجنسية والالتزامات الضريبية المحتملة مسألتان منفصلتان وجديتان تماما”
وحول أعداد المتنازلين عن الجنسية من الكويتيين وما إذا كان قد تزايدت مؤخرا قالت السفارة “إن أعداد الناس الذين تخلوا عن الجنسية يظل منخفضا جدا” والأعداد ربما تكون متوافرة في السجل الفيدرالي الأمريكي.
ومنذ اقرار القانون شكت بنوك أجنبية ومؤسسات اخرى من تكلفة تطبيقه ونطاقه قائلة إنه في بعض الاحيان يتعارض مع القوانين المحلية التي تحمي المعلومات الخاصة بأصحاب الحسابات.
وللمساعدة في حل هذه المشاكل القانونية تعمل وزارة الخزانة على صياغة اتفاقات تمكن حكومات البنوك الاجنبية من التعامل كوسيط مؤتمن على المعلومات مع الوزارة.
وقال صالح صالح السلمي نائب رئيس اتحاد شركات الاستثمار بالكويت الذي خصص مؤخرا ندوة لهذا الأمر جمع فيها عددا كبيرا من القيادات المالية والإدارية في شركات الاستثمار إن موضوع فاتكا “مهم وكبير” وهو يتعامل مع أقوى دولة بالعالم متوقعا أن يتعارض هذا القانون مع كثير من دساتير الدول.
وقال السلمي إن على الجميع “أن يتحسس موقفه” من القانون سواء كان أمريكيا أو غير أمريكي حتى لا توقع عليه العقوبات التي يتضمنها القانون.
وذكر النفيسي أن القانون ليس موضوعا للكويت فقط وإنما لكل دول العالم وأن اتحاد مصارف الكويت هو من يضطلع بدور البحث في هذا الموضوع وتوجيه البنوك لكيفية التعامل الصحيح معه.
الإنصياع لقوانين الدولتين
ونفت السفارة الأمريكية في بيانها وجود تفاهمات مع الحكومة الكويتية بشأن مزدوجي الجنسية (الأمريكية-الكويتية) يتم من خلالها منح هؤلاء فرصة للاختيار قبل تطبيق القوانين عليهم.
وقالت أنه يطلب من الأشخاص الذين يدينون بالولاء المزدوج للجنسية الأمريكية ودولة أجنبية بالانصياع لقوانين الدولتين بما فيها القوانين المتعلقة بالضرائب.
لكن الشطي توقع أن يكون هناك “تفهما” من حكومة الكويت لحاملي الجنسية الأمريكية لاسيما من اكتسبوها بحكم المولد.
وقال النفيسي إن موضوع الجنسية بشكل عام واسقاطها عن المواطنين الكويتيين أصبح “محرجا” لحكومة الكويت لأنه أصبح “مادة سياسية.”
واتهمت المعارضة الحكومة الكويتية باستخدام الجنسية لردع معارضيها بعد أن أسقطت جنسيات عدد منهم خلال الشهور القليلة الماضية ضمن آخرين وهو ما تنفيه الحكومة وتقول إن اسقاط الجنسية يتم فقط لمخالفة شروط الحصول عليها.
وأكد رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح في مقابلة نشرتها جريدة الراي الكويتية في نوفمبر تشرين الثاني الجاري إن الحكومة ماضية قدما في سحب جنسيات المواطنين التي تعتبر أنه تشوبها بعض المخالفات نافيا أن يكون وراء هذا الأمر دوافع سياسية.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة ستستمر في سحب الجنسيات قال رئيس الوزراء “الموضوع أساسا لم يتوقف كي نستمر. هي دورة قانونية تبحث فيها هذه الملفات على مدار الوقت وترسل إلى الحكومة بعد استكمال دراسة الثغرات مع توصيات ادارية.”
وتوقع النفيسي ألا توقع حكومة الكويت عقوبات على حاملي الجنسية الأمريكية طالما كشفوا عنها “طواعية” واتخذوا الخطوات في سبيل التخلي عنها.
ولم يفصح فهد المولود في الولايات المتحدة عن خططه المستقبلية بشأن التعامل مع قانون فاتكا. لكنه رفض الاستعانة بمحام رغم إقراره بغموض القانون مؤكدا أن على الولايات المتحدة أن تقوم بمزيد من الشرح لهذا القانون في البلدان المعنية لا أن يتكبد هو عناء البحث عن محام بسبب قانون وضع في أمريكا.
وتساءل الكويتي قائلا “لماذا أدفع للأمريكان ضريبة؟ الضريبة يجب أن تكون مقابل خدمة. ما هي الخدمات التي أحصل عليها من الأمريكان؟ لاشيء.. لماذا أدفع اذن للحكومة الأمريكية؟”