بقلم رولا حداد
لم يكن رحيل “الصبوحة” مفاجئاً. قبل 26 تشرين الثاني 2014 سرت شائعات كثيرة عن وفاتها. لكن الخبر اليقين فجر ذلك الأربعاء وقع كالصاعقة على جميع اللبنانيين وعلى محبي “الصبوحة” في لبنان الدول العربية وعبر العالم كله.
رحلت الصبوحة بهدوء تام، سرقها الموت عن عمر يناهز 87 عاما، شغلت في خلالها قلوب الكثيرين فكانت ايقونة استثنائية في عالم الفن الجمال والأناقة والعطاء.
“الشحرورة” ” الصبوحة” ” الأيقونة” ” المرأة الحرة” والكثير الكثير من الألقاب رافقت صباح خلال مسيرتها الفنية وللأمانة بقي اسمها وحده يختصر كل الألقاب.
أما لقبها “الأسطورة” فلم يكن مبالغا فيه. فهي بعد رحيلها، كما كانت في حياتها، ستتكرّس أسطورة خالدة في الغناء اللبناني والعربي.
هي الصبوحة كانت فعلا “زي العسل” في كل حياتها الصاخبة التي عرفت كيف تعيشها حتى آخر لحظة منها. لم تعرف الحقد. تعالت على الجراح و كانت تشعّ حياة وأناقة حتى آخر لحظة. وفي وصيتها طلبت أن يكون وداعها فرحاً وفيه أغان ورقص ودبكة!
هي التي عاشت حياتها الفنية كما لم يعشها أحد. 83 فيلماً و27 مسرحية وأكثر من 3 آلاف أغنية… الى درجة أن احداً لم يستطع إحصاء أغنياتها بدقة.
قد لا يمكننا أن نختصر في مقالة مسيرة “الصبوحة” الفنية العامرة ولا حياتها الشخصية التي شربت كأسها الحلو والمرّ حتى آخر نقطة… فصباح عاشت المجد والفرح كما ذاقت الحزن والأسى. لم تخجل يوما بالتحدث عن مواقفها وزيجاتها وطلاقاتها، حياتها كانت صاخبة وكانت تتشاركها مع كل من حولها بجرأة وعفوية يصعُب أن تشهد لها مثيل عند فنان-اسطورة كي لا يخرج من تلك الصورة “المثاليّة” التي يوضع فيها.
والأهم من الشحرورة صباح “الأسطورة الفنيّة” كانت صباح الانسانة، الصادقة، الحنونة، المفعمة بالحب، السخية… والتي كانت بكل بساطة تقول الحقيقة كما هي في كل مقابلاتها من دون “روتوش” ومجاملات، لكن من دون أن تجرح أحداً. وهذه الانسانية من تلك الصبية التي لم تحصّل علوماً عالية ولكنها عرفت كيف تجعل كل من عاصرها يتعلق بها من دون شروط، فكانت النتيجة ان أحبّت واُحبّت فتزوّجت مراراً وتكراراً لأنها كانت صادقة مع نفسها ومع المحيطين بها.
صباح في أغنياتها، في حضورها وأناقتها، في ضحكتها ودلعها، في صوتها ، رقصها وايمانها ادهشت الجميع… فكانت استثنائية في كلامها وصوتها وحضورها وحتى فنها. لم تكن يوماً مبتذلة، فقدّمت للفن ما يفخر الفن به، طرباً وأغنيات وطنية وأغنيات فولكورية وحتى أغنيات خفيفة بخفة دمّ فتعلّق الجمهور بكل ما غنّت.
الفرق الذي جسّدته “الصبوحة” أنها لن تكون كغيرها بعد وفاتها. هي ليست بحاجة الى وسام ولا الى تكريم رسمي. فهي في حياتها كرّمت لبنان واللبنانيين والعرب جميعاً، وهي ستشكل دائما وأبداً وساماً فنياً على صدر وطن الأرز من رتبة عشق الوطن والفن الأصيل الراسخ.
صحيح أن “الصبوحة” عاشت شيخوختها بهدوء، او هكذا حاولت، رغم أن شائعات وفاتها لاحقتها وهي على قيد الحياة. وصحيح أنها ماتت فقيرة كما ولدت، لكنها من القلائل الذين حصدوا محبة جميع اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية وبقيت وستبقى في ذاكرتهم تلك الصبية الدلوعة الشقية التي اخترقت بمواويلها وعشقها للحياة وللفن صباحهم وشاركتهم لياليهم واختصرت بصوتها وحنجرتها الذهبية زمن الفن الأصيل والجميل ولبنان الحلو.
في يوم وداعها الأحد، لن نبكي “الصبّوحة” بل سنغنيها ونرقص معها. سنفرح وسنسمع ضحكتها التي لم تفارقها في كل إطلالاتها. أما الحسرة فستبقى في قلبنا وضمير الوطن على دولة لن تقوم بحفظ أرشيف “الصبوحة” وتراثها الفني الذي هو بات إرثاً فنياً وطنياً لا يجوز التفريط به مهما كان الثمن!
سيُكتب الكثير عنها. ستُروى شهادات كثيرة من الذين عايشوها ورافقوها، لكنّ الثابت الوحيد أن أحدا لن يستطيع أن يختصرها أو حتى أن ينصفها. والأكيد أن صباح خلّدت نفسها واسمها بأعمالها وجهدها، وستبقى أيقونة الغناء اللبناني الأصيل ومدرسة قائمة بذاتها.