انطلق القطار النفطي في البر اللبناني لينضم الى القطار النفطي البحري، حيث تمَّ وضع مسودة مشروع قانون النفط البري (onshore)، رفعت الى مجلس الوزراء ينظم مراحل التنقيب، من الاستطلاع الى الاستكشاف، فالانتاج والنقل والتخزين والتصفية والبيع، وتحديد العائدات النفطية التي سيقتطع منها رسم خاص بالبلديات قبل ان توضع في صندوق سيادي، على أن تحصل الشراكة بين الدولة والشركات الخاصة. اضافة الى انشاء شركة نفط وطنية تؤسس لخبرات وطنية محلية.
وخلافا للقانون البحري، فان المشروع الخاص بالتنقيب البري يتضمن حق إعطاء الترخيص لمشغل واحد، كما يتضمن حقوقاً ملكية للأفراد. ويمنح المشروع ايضا رخص استطلاع للشركة الوطنية من دون الحاجة الى الاعلان عن دورة تراخيص، لأن الشركة الوطنية تعتبر مؤهلة لنيل التراخيص وفقاً لشروط خاصة تحدد في مجلس الوزراء.
بحسب رئيس وحدة الشؤون القانونية في هيئة البترول الوطنية، فادي دعبول، فإن القاعدة الاساسية لعمليات التنقيب، تستند الى المادة 89 من الدستور التي تشير الى انه لا يجوز منح أي التزام أم امتياز لاستغلال مورد من موارد البلاد الطبيعية إلا بموجب قانون. وهو ما حصل مع دورة التراخيص الأولى في المياه البحرية اللبنانية والتي استندت الى القانون 132 /2010 الذي يرعى فقط النشاطات النفطية البحرية.
أمّا الدوافع الأساسية لإطلاق الكلام عن موضوع الاستكشاف في البر ووضع قانون خاص للتنقيب البري، فاستندت، بحسب دعبول، الى نتائج المسوحات الثنائية والثلاثية الأبعاد، التي أثبتت وجود ترابط جيولوجي بين البر وبين قاع المياه البحرية. وهو ما عزز الحاجة الى قانون عصري للنشاطات النفطية في البر يواكب التطورات والتقنيات المستخدمة في الصناعة النفطية. ولفت الى ان اللجنة التي درست هذا الموضوع، اجرت مقارنة للقوانين في 12 دولة نفطية، حيث تبين ان نظام الاون شور مشابه كثيرا لنظام الاوف شور المعتمد في لبنان.
بين قانوني النفط البحري والبري
هناك الكثير من النقاط المشتركة بين نظامي الأوف شور والاون شور، ابرزها:
– ان تنظيم دورة تراخيص في قانون الاون شور يجب ان يكون شفافا كما هي الحال بالنسبة لقانون الاوف شور. علما ان هناك مرسوما خاصا حدد المعايير التي يجب أن تتوافر في كل شركة مؤهلة، والتي تشمل أموراً قانونية، فنية وتقنية ومالية، واخرى متعلقة بالجودة والصحة، والبيئة.
– حدد مشروع قانون التنقيب البري شروط المشاركة ودفاتر الشروط، مثل الأوف شور، بموجب الاتفاقية النموذجية التي هي اتفاقية الاستكشاف والانتاج، وبموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وتخضع الاتفاقية الى موافقة الحكومة والتي تفوَّض الوزير حق توقيعها.
– يوافق مجلس الوزراء على تعيين المشغل، كما هو معمول بهِ في الأوف شور.
– تعتمد مسودة القانون البري على نظام تقاسم الانتاج مع الاتاوة. علما انه في لبنان لا يوجد نظام أتاوة من دون اتفاقية تقاسم الأرباح.
– تشمل اتفاقية الاستكشاف والانتاج مرحلتين، ويمكن تقسيم كل مرحلة الى فترات زمنية عدة.
– ابقى المشروع البري المجال مفتوحاً لترك حصة مشاركة للدولة، أو عبر الشركة الوطنية التي ستنشأ لاحقاً، على أن تحدد حصة هذه المشاركة بموجب مرسوم.
– يتضمن مشروع القانون أيضاً مبدأ الانتاج الرشيد، أي الانتاج الذي يسمح باستخراج أكبر كمية من النفط دون أن يشكل أي ضرر للمكمن.
أوجهُ الخلاف
ابرز اوجه الخلاف بين القانونين البري والبحري هي:
– في البحر، لا يمكن أن تمنح اتفاقية الاستكشاف والانتاج لأقل من ثلاثة أصحاب، حقوق أحدهم يكون مشغلاً. أما على البر، فيمكن منح هذه الاتفاقية لصاحب حق واحد، وهذا الخيار هو بسبب اختلاف النشاطات النفطية ما بين البحر والبر، اذ انه في البحر تكون التحديات المالية والتقنيات والمخاطر أيضاً عالية، وتكاليف الاستثمار أعلى في المياه.
– في مشروع قانون النفط البري، هناك دور للبلديات، حيث سيتاح الفرصة لها لابداء الرأي والاستفادة المباشرة من دورة التراخيص، بحيث سيتم أيضاً تخصيص رسم لمصلحتها. فالمشغل الذي كان يدفع في البحر لخزينة الدولة، سيدفع في التنقيب في الأراضي اللبنانية الى البلديات، التي ستلعب دورا استشاريا في إطار التحضيرات لدورة التراخيص.
– يتضمن مشروع القانون أيضاً تحديد مناطق محظرة لا يمكن القيام بنشاطات نفطية. وتشمل المناطق ذات الكثافة السكانية أو تلك التي يمكن أن تتسبب بأخطار على المحيط المجاور، أو على الأثر الثقافي والبيئي، أو الطبيعي، والمناطق ذات الطابع العسكري، وكل ذلك سيتخذ بموجب مرسوم في مجلس الوزراء.
– هناك أحكام خاصة في كيفية التعامل مع الآثار، والمواقع ذات الأهمية التاريخية والطبيعية والثقافية. وهناك نص صريح بعدم جواز استخدام أساليب انتاج غير تقليدية لمنع الأخطار عن البيئة والمياه الجوفية.
– ينص هذا القانون أنه عند الاقتضاء يمكن إنشاء شركة نفط وطنية نصَّ عليها القانون 132، مع تحديد شرط لانشائها، وهو ان يكون هناك اكتشاف تجاري. لكن، لن تكون هناك شركتا نفط وطنيتان، إنما واحدة تتعاطى هذا الموضوع.
– هناك، بعكس قانون الأوف شور، امكانية منح رخص استطلاع للشركة الوطنية من دون الحاجة الى الاعلان عن دورة تراخيص، لأن الشركة الوطنية تعتبر مؤهلة لنيل التراخيص وفقاً لشروط خاصة تحدد في مجلس الوزراء.
– أما في ما يتعلق بالنقل والتخزين، فمسودة القانون البري تنص على انشاء شركة وطنية للنقل، وعندما تنتهي اتفاقية الاستكشاف والانتاج ويتم وقف النشاطات النفطية، تسترد الدولة ملكية المنشأة وتعود ملكيتها الى شركة النقل الوطنية.
– يتضمن مشروع القانون البري أيضاً موضوع حقوق الفرد في ملكه، إذ أوجدَ فصلاً خاصاً يتعلق بالاستملاك والاشغال الموقت، وتكريس المبدأ العام الموجود في الاستملاك، أي المنفعة العامة. إذ لا يمكن القيام بالنشاطات النفطية إلا بإعلانها أنها ذات منفعة عامة، وهذا لا يكون الا بموجب مرسوم، كما لا يمكن أن يتم من دون تعويض عادل عن الاستملاك والاشغال الموقت. ولا يجوز منح الاشغال الموقت في مرحلة الانتاج، لأنه طويل الامد وبحاجة الى استملاك، ومدته ثلاث سنوات يجدد لمرة واحدة. أما اذا تبين ان الامر يتطلب مدة طويلة فعلى الوزير أن يبدأ باجراءات الاستملاك الذي ينص المشروع على انشاء لجان خاصة به، تكون بدائية واستئنافية موجودة في بيروت وتشكل صلاحياتها كل الاراضي اللبنانية وتطبق الاصول المستعجلة، حتى لا يتأخر صاحب الارض بالحصول على البدل والتعويض سريعاً، ويمكن للمالك حق التقاضي، الذي يأخذ حقه من أصحاب الحقوق النفطية، سواء وجد النفط أم لا، فحقوق الملكية مصانة في الدستور وهذا القانون يخضع للدستور.