Site icon IMLebanon

قانون «سلامة الغذاء»: التأجيل مستمر

MeatLebanon

إيفا الشوفي

لم يكن أحد ينتظر من جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس أن تصل إلى أي نتيجة، أو تحدث أي تقدّم في قضية حيوية وعاجلة اسمها «سلامة الغذاء». الأجواء التي نقلها النواب عبر نقاشاتهم ومحادثاتهم تؤكد أنه في المدى القريب لن يكون هناك قانون يُعنى بسلامة الغذاء، على الرغم من إجماعهم على أن «الإنسان وصحته يأتيان في الدرجة الأولى».

إجماعٌ لم يُترجم في نصوص قانونية أو خطوات جديّة، فحتى ليل أول من أمس لم يكن الكثير من النواب قد اطلعوا على اقتراحي القانونين المقدّمين، حتّى أن البعض منهم دخل أمس إلى الجلسة وهو لا يعلم الفرق بينهما!
هذه الأجواء انعكست على الجلسة، إذ طغى عليها نقاش عام عن القانونين من دون الدخول في تفاصيلهما. اقتصر الحديث على صلاحيات الوزارات ودور «الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء» المقترح تشكيلها. يؤكد عضو كتلة «التنمية والتحرير» قاسم هاشم، أن النقاش تركّز على أنّ «ما حصل هو نتيجة تقصير الوزارات التي تملك صلاحيات للمحافظة على سلامة الغذاء»، إضافةً إلى محادثات مطوّلة عن صلاحيات الوزارات والتضارب الذي سينشئه القانون بين الوزارات والهيئة. خلاصة الجلسة كانت متوقعة، إذ شُكِّلت لجنة فرعية لوضع جدول مقارنة بين القانونين خلال 15 يوماً. الخطوة الإيجابية كانت ما أعلنه وزير الصحة وائل أبو فاعور، بالحاجة إلى «الانتقال في الحملة إلى مرحلة أعلى، هي القضاء، إذ لن نكتفي بإغلاق المحال، خصوصاً أن الانتهاكات التي تحصل ليست عرضية، بل ناتجة من سوء نية وفساد»، مقترحاً «إنشاء نيابة عامة لسلامة الغذاء أسوة بإنشاء النيابة العامة للبيئة. ووعد كل من المدعي العام للتمييز القاضي سمير حمود، ووزير العدل أشرف ريفي أبو فاعور بالمتابعة الجدية».
في قراءة سريعة للقانونين يتّضح أن الخلاف الأساسي يقع على المادة الأولى والمادة 52 (من اقتراح قانون «الشهيد باسل فليحان» المقدّم من النائب عاطف مجلاني)، إذ تستثني المادة الأولى من اقتراح القانون المقدّم من النائب نجيب ميقاتي،

الرقابة على «الزراعة والمصانع الغذائية واستيراد المواد الغذائية عند المعابر الحدودية، والغذاء غير المعد للبيع الذي يحضر في المنازل ويخزّن فيها للاستعمال الشخصي»، ما يعني أنها تشمل فقط «الغذاء المعد للبيع أو العرض في الأسواق». أمّا المادة الأولى من قانون فليحان، فتشمل الرقابة على جميع المراحل من «المزرعة إلى الطاولة»، ليستثني القانون في مادته الثالثة الغذاء غير المعد للبيع الذي يحضر في المنازل ويخزن فيها للاستعمال الشخصي. وقد رأى بعض نواب تيار المستقبل أنّ المادة الأولى من اقتراح ميقاتي تُفرغ القانون من مضمونه وتطيحه. وأكّد النائب عاطف مجلاني أن «سلامة الغذاء هي سلسلة متكاملة تبدأ بالأرض والمصنع والاستيراد وتنتهي بالمطعم»، وبالتالي لا يمكن أن تقتصر على الغذاء المعد للبيع في السوق كما ينص اقتراح ميقاتي.
وفي ما يتعلق بالمادة 52 من قانون فليحان، هي تعيد «تنظيم الوزارات وتوزيع الصلاحيات والمهمات على الوحدات في المديريّات، وتحدّد وظائف الموظّفين في المديريّات بمرسومٍ يتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختصّ، بعد موافقة مجلس الخدمة المدنيّة»، ما يعني إعادة تشكيل هيكلية الوزارات وإعطاء الهيئة صلاحيات كبيرة. يقول وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ»الأخبار» إن «قانون فليحان غير قابل للتطبيق، إذ لن يؤدي فقط إلى تضارب بين عمل الهيئة والوزارات عبر إعطاء صلاحيات كبرى للهيئة، بل سيخلق ازدواجية في المهمات».
ويمكن ملاحظة هذا الاختلاف عبر الاطلاع على ورقتي الأسباب الموجبة المقدّمة في القانونين، إذ نُسخت هذه الأسباب حرفياً مع إدخال تعديلات طفيفة. فاقتراح فليحان يؤكد، في معرض تبريره إنشاء هيئة ولجنة لسلامة الغذاء بصلاحيات واسعة، أن «الوزارات والهيئات المتعددة المكلفة مراقبة تطبيق القواعد غير قادرة على القيام بدورها بفعالية دون وجود أية آلية تتيح التنسيق في ما بينها». أمّا اقتراح ميقاتي، فقد أبقى على الجملة نفسها، حاذفاً منها عدم قدرة الوزارات على القيام بدورها بفعالية، ما يعني الإبقاء على صلاحيات الوزارات. وفي هذا النطاق، دعا عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي، الوزراء إلى تحمّل مسؤولياتهم، مشيراً إلى أن «الأولوية حالياً تقوم على تعزيز عمل الوزارات عبر متابعة كل وزير لملفاته واتخاذ الإجراءات المناسبة، بالتوازي مع النقاش الدائر عن تشكيل هيئة، والذي سيأخذ على الأرجح وقتاً طويلاً لبتّه وإصدار المراسيم التطبيقية والتعيينات». إلّا أن مجدلاني رأى ضرورة تشكيل الهيئة، لأن وضع السلامة الغذائية الحالي يكشف أن «هناك وزارات لم تقم بعملها لعدّة أسباب، من ضمنها تضارب الصلاحيات مع وزارات أخرى».
من جهة أخرى، تبرز تساؤلات عدة عن القانونين، إذ تنص المادة 26 من قانون فليحان على ارتباط الهيئة برئيس مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي، أما المادة 9 من قانون ميقاتي فتنص على عدم خضوع الهيئة لرقابة التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية. ومن هنا طرح الموسوي تساؤلاً: «من يمكنه أن يقوم بالعمل بشكل أفضل، موظف فئة أولى أم وزير؟». كذلك ينص قانون فليحان على أن تضم اللجنة اللبنانية لسلامة الغذاء ممثلين عن المجتمع المدني ليعود ويحدد في المادة 23 أنّ «المجتمع المدني» هو غرف التجارة والصناعة والزراعة، وجمعية الصناعيين اللبنانيين. وهنا يبرز التخوّف أيضاً من الطرح الذي سيقدّمه وزير الزراعة أكرم شهيب عن إنشاء مؤسسة لسلامة الغذاء، إلى حين إقرار القانون، تتألف من القطاع العام وهيئات المجتمع المدني، فإن كان المقصود بـ»المجتمع المدني» ممثلي القطاع الخاص كما هو مطروح في اقتراح قانون فليحان، فهذا يعني (إلى حين اتضاح مسودة اقتراح شهيب ومهمات المؤسسة) أن الفاسدين أنفسهم سيتولون وضع المواصفات ومراقبتها وملاحقة المخالفين، أي إن من يسمم المواطنين بغذاء فاسد ستكون له صلاحيات وحقوق تصل إلى حدّ الفيتو.